القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

رهام لا تحب أن تستحم

رهام لا تحب أن تستحم

بقلم: فراس خوري

كان نصّه المنشور على موقع قديتا، نافراً في تمرده على اشكال الكتابة الفلسطينية المتداولة: سخرية ذكية، ممزوجة بوجدانية عالية، ووعي اجتماعي عالي النبرة. استكتبناه فقدم لنا هذا النصّ من سلسلة قيد التأليف بعنوان «قصص اطفال ماركسية»..

رهام بنت صغيرة جميلة شعرها أسود طويل مسدول على كتفيها. في الشتاء يدفئها وفي الصيف ترفعه لتبرد جسمها. رهام تسكن مع اهلها في مخيم جباليا للاجئين في غزة، وفي غزة مخيمات عديدة وكبيرة وجميلة جداً. رهام لا تحب الاستحمام، لا في الصيف ولا في الشتاء. فخلع ملابسها مهمة بغيضة. رهام تكره الماء ولا تحب أن يلمس جسدها. كل يوم تحاول أمها أن تدخلها الى الحمام، لكن رهام لا تقبل الا بعد فترة من الصراخ والبكاء. «لا أريد أن أستحم يا أمي! لا أريد! أكره الحمام!». أم رهام كانت تتعب كثيراً حين تحاول أن تقنع رهام بأن تستحم. ورهام لم تأبه يوماً بتعب أمها.

«ما هذا اليوم الحار؟ قالت أم رهام! سأستحم ثم أنادي رهام لتستحم». ذهبت ام رهام لتستحم، وخرجت فرحة من الحمام. كانت الشمس قد غابت، طلّت الأم من الشباك. كانت رهام تلعب على دراجتها مع صديقها العزيز رامز. «رهام, رهام تعالي الى البيت!». دخلت رهام الى البيت، كان عرقها لزجاً واتسخت ملابسها. «مرحباً يا أمي»، قالت. «أهلاً يا حبيبتي، قالت الام، هيا الى الحمام فقد اتسخت جداً». قالت رهام «أمي لا أريد أن أستحم اليوم». نظرت الأم الى رهام وكانت متعبة، فكّرت قليلاً ثم قالت «حسناً يا رهام لا تستحمي». فوجئت رهام وقالت «أحقاً يا أمي؟!». «نعم يا رهام لا تستحمي، هيا إذهبي الى النوم».

فرحت رهام وذهبت الى سريرها بملابسها القذرة. وفي الصباح ارتدت ملابس المدرسة فوق جسمها القذر، وذهبت الى المدرسة. دخلت رهام الى الصف وحين جلست بجانب رامز، قال رامز «ما هذه الرائحة!». ثم اقترب منها وقال «إنها رائحتك يا رهام! ألم تستحمي؟!» خجلت رهام ولم تجب. رفع رامز يده وقال للمعلمة «لا أريد أن أجلس بجانب رهام فرائحتها كريهة»:. ضحك كل أولاد الصف، وخجلت رهام جداً جداً. بقيت رهام كل النهار وحدها في الصف وفي الساحة تراقب رامز وهو يركض ويلهو مع صديقته الجديدة نائلة. كان اليوم حاراً جداً، وكانت رهام تعرق وتعرق وعرقها يلتصق بجسمها أكثر وأكثر. ثم بدأت الحشرات الصغيرة تلتصق بجسمها وجعلت تحكه حتى أصبح يؤلمها.

خلال كل اليوم الدراسي لم يتكلم أو يلعب معها ايّ من أولاد صفها، وحزنت رهام جداً جداً.

عندما انتهى اليوم الدراسي أخذت حقيبتها وأسرعت الى البيت. كان عرقها لزجاً جداً فأصبح البعوض يحوم حولها ويلسعها، وكانت رهام تكشه بيدٍ وتحك باليد الأخرى. ركضت رهام وركضت، وحين وصلت الى البيت نادت أمها:

«أمي! أمي! أريد أن أستحم يا أمي». ابتسمت الأم وقالت «هيا يا رهام، اخلعي ملابسك». استحمت رهام، وخرجت من الحمام نظيفةً رائحتها زكية فواحة. «أمي منذ اليوم سأستحم كل يوم» قالت رهام. «قرارٌ صائب يا رهام، فالنظافة من الإيمان يا عزيزتي»!

وفي اليوم التالي دخلت رهام الى الصف، وكانت تبدو نظيفة ومرتبة. فنظر كل أولاد صفها اليها حين دخلت، فقالت في نفسها «ياه! كم هو جميلٌ أن يكون الإنسان نظيفاً». لكن رامز لم يكن بجانبها، بحثت عنه في الصف لكنها لم تجده. «اين رامز يا معلمتي؟» سألت رهام؟ فردت المعلمة «رامز قد استشهد يا عزيزتي لا تحزني»! «ماذا!» قالت رهام. فأجابت المعلمة «نعم يا حبيبتي، قتل البارحة بقذيفة أطلقتها اسرائيل على بيتهم لاغتيال أبيه عضو اللجنة التنفيذية في سرايا القدس، فشجّ رأس رامز واندلق مخه في ساحة الدار على مرأى من امه واخوته وابيه الذين تصاوبوا لكنهم نجوا والحمد لله». «أها» قالت رهام. نظرت رهام من الشباك وكانت صيحات التكبير في جنازة صديقها رامز مسموعة في الصف، وقالت لنفسها «يا للأسف فقد استشهد رامز قبل أن يعرف أنني استحميت». ثم نظرت الى أولاد صفها تفكر بمن يمكن أن يكون صديقها الجديد.

المصدر: الأخبار