زيارة الرئيس "أبو مازن" تجمع الرؤساء
الثلاثة بعد قطيعة
بقلم: هيثم زعيتر
تميّزت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان
بتحقيق الأهداف المرجوة منها، والتي تعود بالفائدة على لبنان وفلسطين، خاصة وأنها تمت
في لحظة مهمّة وحسّاسة ودقيقة يمر بها لبنان، لجهة ارتفاع حدة الخطاب السياسي المتشنج،
وتنقّل التطورات الأمنية بين منطقة وأخرى، إضافة إلى التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية
في خضم الظروف التي تمر بها المنطقة...
لقد كان الرئيس «أبو مازن» شفافاً وواضحاً في التعاطي
مع الملف اللبناني، وهو ما أعطى ثماره في أصعب الظروف وأحلكها، ليس بعدم زج الفلسطينيين
والمخيمات في الإشكالات الداخلية اللبنانية، وعدم التدخل في الصراعات، بل في القيام
بدور مهم في وأد الفتنة المذهبية والطائفية والمناطقية، لأن الفلسطينيين أصحاب قضية
مركزية تحتاج إلى الجميع ليكونوا إلى جانبها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي...
وإذا كانت القوى الفلسطينية في لبنان قد لعبت دوراً
مهماً في معالجة وحل العديد من القضايا، فإن الرئيس عباس، في زيارته التاريخية، قام
بدور مهم خلال لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس المجلس النيابي نبيه
بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس المكلف تمّام سلام وغالبية الكتل
النيابية والقيادات اللبنانية، ونجح في أن يلتقي الرؤساء الثلاثة: سليمان وبري وميقاتي،
في خلوة هي الأولى بعد فترة قطيعة امتدت عدة أشهر، فاستطاع الرئيس الفلسطيني جمع القيادات
اللبنانية، حيث علق البعض على ذلك بالقول: «حبذا لو تمت زيارة الرئيس «أبو مازن» قبل
فترة طويلة، لأن القيادات اللبنانية المختلفة، تزداد حدة الخلافات والانقسامات في ما
بينها، وهو ما ينعكس على الشارع، فيما كانت القضية الفلسطينية، العنوان الوحيد الذي
يجمع مختلف القيادات اللبنانية».
أهمية الزيارة
تكمن أهمية زيارة الرئيس الفلسطيني في أنها:
- الزيارة الرسمية الأولى للبنان، بعد رفع
مستوى تمثيل فلسطين في «الأمم المتحدة» - بصفة عضو مراقب.
- زيارة دولة، وليست فقط زيارة رسمية، حيث
تشعبت اللقاءات فيها، لتشمل المسؤولين الرسميين، والفاعليات السياسية، ورؤساء وممثلي
الكتل البرلمانية اللبنانية.
وفلسطينياً، شملت اللقاءات كافة الأطياف الفلسطينية
في فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» و«تحالف القوى الفلسطينية» و«القوى الإسلامية»
و«اللجان الشعبية» والفاعليات وممثلي القطاعات الشبابية والنقابية والهيئات الفلسطينية.
تكريم عدد ممن قدّموا عطاءات من أجل القضية الفلسطينية،
وفي طليعتهم الفنان راغب علامة.
الزيارة التي استغرقت أربعة أيام، تنوعت بين الرسمي
والحزبي والشعبي، وأنجز التحضيرات لها سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، بالتعاون
مع المراسم في رئاسة الجمهورية اللبنانية والرئاسة الفلسطينية.
لقد طرح الرئيس الفلسطيني رؤية الجانب الفلسطيني
لكيفية ترسيخ العلاقات بين الجانبين اللبناني والفلسطيني، وتوضيح الموقف الفلسطيني
مما يجري من تجاذبات على الساحة اللبنانية، حيث أكد الرئيس «أبو مازن» على «عدم الدخول
في أتون التجاذبات اللبنانية، وأن الفلسطينيين لن يكونوا طرفاً في أي إشكالات تقع بين
الأفرقاء اللبنانيين، بل سيكون لهم دور مساعد في تقريب وجهات النظر».
وفي المقابل، دعا الرئيس عباس الأفرقاء اللبنانيين
إلى «عدم محاولة استخدام أي من الأفرقاء الفلسطينيين في التجاذبات اللبنانية، لأن الفلسطينيين
هم ضيوف مؤقتون إلى حين العودة، ويرفضون التوطين وإعادة التهجير، ويتمسكون بالقرار
194، الذي ينص على حق عودتهم، والتي باتت قريبة».
وشدّد الرئيس الفلسطيني على «أن المخيمات هي جزء
من الأراضي اللبنانية، ومسؤولية حمايتها هي من قبل الدولة اللبنانية والجيش، وأن الدولة
اللبنانية حسمت أمر السلاح خارج المخيمات وفق طاولة الحوار، وضرورة تنظيمه داخل المخيمات،
ونحن نضع هذا السلاح بيد الدولة اللبنانية، وجاهزون لذلك عندما يُطلب منا ذلك».
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى «أن الانشغالات العربية
أعادت ترتيب الأولويات في عدد من القضايا الداخلية، وبالتالي لم تعد القضية الفلسطينية
محط اهتمام أوّلي لعدد من هذه البلدان. ونحن كفلسطينيين نحرص على عدم التدخل في الشؤون
الداخلية لأي بلد عربي، كما نرفض تدخل أي كان في شؤوننا الداخلية، وقد عانينا من ذلك
كثيراً».
وشرح للقيادات اللبنانية والفلسطينية نتائج المباحثات
التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة، حيث «يسعى إلى إعطاء دفع
جديد لاستئناف المفاوضات، لكنه يُواجه بتعنّت اليمين الإسرائيلي المتطرف في حكومة بنيامين
نتنياهو، وبالرغم من ذلك فإن الوزير الأميركي يقوم بزيارات واتصالات مكوكية بهدف العمل
على استئناف المفاوضات».
وأوضح الرئيس عباس «أن لا عودة لاستئناف المفاوضات
إلا في ضوء الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران
1967 وبعاصمتها القدس الشرقية، وتجميد المستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى»، مُشدداً على
«التمسك بمبادرة السلام العربية، التي أعلن عنها في «القمة العربية» التي عُقدت في
بيروت، بكاملها من دون تغيير أو تعديل».
حق العمل
وبعد جولة من اللقاءات والاتصالات، كشفت مصادر موثوق
بها لـ «اللواء» «أن الأرضية باتت صالحة لطرح إقرار الحقوق الاجتماعية والمدنية وحق
التملك، وتخفيف المعاناة عن المخيمات، والمباشرة بتنفيذ حق العمل، على أن يتم إعداد
الآليات التنفيذية بمنح إجازة عمل ولمدة محددة، يتم تجديدها، مع دراسة إمكانية الإعفاء
من الرسوم. وأيضاً، أن تتم دراسة صيغة لدخول الفلسطينيين إلى صندوق خاص يخضع لإشراف
الضمان الصحي اللبناني، وذلك بالتنسيق بين الدولتين اللبنانية والفلسطينية ووكالة الأونروا».
وأضافت المصادر: «إن الرئيس «أبو مازن» أعطى التعليمات
لمتابعة انجاز تحقيق ذلك، بعدما وجد إجماعاً على الإشادة بالموقف الفلسطيني، والحرص
على عدم الانزلاق بالمشاكل الداخلية اللبنانية، والتي أجمعت عليها مختلف الأطياف من
التنوع اللبناني، الذي كان في فترة ما له حسابات خاصة، بالنسبة إلى الفلسطينيين في
لبنان، ولكن الحيادية الفلسطينية ساعدت على تغيير هذه العقلية».
هذه التطورات تستدعي تكثيف الجهود والاتصالات والتعاون
لتحقيق ضمان أمن واستقرار لبنان، وأمن وكرامة وحقوق الفلسطينيين الذين يلتزمون بالقوانين
والأنظمة اللبنانية.
الرئيس الفلسطيني، الذي يُشدد على أهمية إنهاء الانقسام
الداخلي، والعمل على تنفيذ بنود المصالحة الوطنية، استناداً إلى ما جرى التوافق عليه
في القاهرة وقطر، أبدى حرصه على انجاز ذلك اليوم قبل الغد «من أجل الانتقال إلى الانتخابات
الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، حيث يُقرر الشعب الفلسطيني بالطرق الديمقراطية
مَن يمثله، ويختار قياداته الجديدة، وقد أثبتت التجارب أننا أجرينا انتخابات شفافة
ونزيهة، وكل تأخّر في إنجاز تنفيذ بنود المصالحة يستفيد منه الاحتلال الإسرائيلي، الذي
يتذرع بالانقسام لعدم تنفيذ الاتفاقات والمواثيق الدولية».
اجتماع فلسطيني مشترك
لقد خصص الرئيس «أبو مازن» متسعاً من الوقت لعقد
اجتماعات ولقاءات مع كل الأطياف الفلسطينية في لبنان، حيث التقى ممثلي فصائل «منظمة
التحرير الفلسطينية»، «تحالف القوى الفلسطينية» و«القوى الإسلامية» في اجتماع مشترك
هو الأول من نوعه بين كل «الموزاييك» السياسي الفلسطيني، حيث التقوا في سفارة دولة فلسطين في بيروت، بمشاركة عضو اللجنة
المركزية لحركة «فتح» والمشرف على الساحة في لبنان عزام الأحمد والسفير الفلسطيني أشرف
دبور، ممثل «حركة الجهاد الإسلامي» في لبنان أبو عماد الرفاعي، ممثل حركة «حماس» علي
بركة، أمير «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب وممثليّ «عصبة الأنصار الإسلامية»
الشيخ أبو طارق السعدي والشيخ أبو شريف عقل.
اللقاء المطوّل، الذي اختُتم بغداء، شرح فيه الرئيس
«أبو مازن» بشكل مسهب كافة القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بما يعني منها اللاجئين
في لبنان، والعلاقات مع الدولة اللبنانية، وما يتعلق بالقضايا الفلسطينية الداخلية،
خصوصاً بشأن المصالحة الوطنية، والظروف التي تمر بها المنطقة العربية وتعثر عملية السلام.
وقد استمع الرئيس الفلسطيني إلى آراء القيادات الفلسطينية،
والهواجس التي تنتابهم، والمشاكل التي يعانون منها، والدور الذي يقومون به.
وطمأن الرئيس «أبو مازن» القوى الفلسطينية إلى:
- النظرة الجديدة من قبل القيادات اللبنانية
للجانب الفلسطيني، وسبل ترسيخ العلاقات.
- التأكيد على رفض محاولات الإساءة إلى الفلسطينيين،
وأن المخيمات ليست بؤراً أمنية، ولن تأوي مطلوبين، بل إن أبنائها هم ضيوف مؤقتون في
لبنان بانتظار العودة إلى أرض الوطن.
- إن المخيمات هي من مسؤولية الدولة اللبنانية،
فنحن لسنا دولة داخل الدولة، والسلاح في المخيمات قراره بيد رئيس الدولة اللبنانية،
والمخيمات هي بحماية الجيش اللبناني، المعني بحماية كل من هو على الأراضي اللبنانية،
فالسلاح وسيلة وليس هدفاً.
- الإشادة بدور مختلف القوى الفلسطينية، بما
قامت به من تجنب الدخول في الصراعات والإشكاليات الداخلية اللبنانية، والذي كان موضع
تقدير مختلف القيادات اللبنانية.
- حرية التعبير والانتماء لأي فلسطيني إلى أي فصيل،
مع الحفاظ على الأمن والاستقرار في المخيمات ولبنان.
- الاتصالات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين
بشأن الحقوق المدنية والاجتماعية وحق التملك والعمل، وفي جانب منها ما هو يحتاج إلى
موافقة الكتل البرلمانية اللبنانية، التي وعدته خيراً بالتصويت المطلوب في البرلمان
اللبناني.
أيضاً العمل على معالجة بعض الملفات القضائية لعدد
ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية في فترات سابقة، استندت إلى تقارير ومعلومات غير دقيقة.
لحظة مغادرة الرئيس «أبو مازن» لبنان نسأله عن تقييمه
للزيارة، فيجيب «هي زيارة مهمة للبنان، الذي قدّم الكثير من أجل القضية الفلسطينية,
ونحن سنكون أوفياء له، قيادة وشعباً، ولن يكون الفلسطيني خنجراً يطعن اللبناني في ظهره،
بل سنكون قرابين لتحقيق أمن واستقرار لبنان، وقد لمسنا حفظ مختلف القوى اللبنانية للموقف
الفلسطيني مما يجري على الساحة اللبنانية ودور القوى الفلسطينية ليس بالتوتير، بل بالعمل
على إصلاح ذات البين، وكلنا أمل أن تكون هناك نتائج ايجابية بما يتعلق من قضايا مشتركة
لبنانية - فلسطينية تعود بالنفع على شعبينا وبلدينا، سنلمس ثمارها قريباً».
المصدر: اللواء