القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

زيارة رئيس وزراء ماليزيا لغزة .. دلالات وإشارات

زيارة رئيس وزراء ماليزيا لغزة .. دلالات وإشارات

بقلم: عدنان سليم أبو هليل

زيارة رئيس وزراء ماليزيا " محمد نجيب " لغزة يوم الثلاثاء قبل يومين تأتي بعد - وفي ذات سياق - زيارة حضرة صاحب السمو " أمير قطر " لها، ثم زيارة رئيس وزراء مصر " السيد هشام قنديل "، والثلاثة عشر وزيراً عربياً ووزير خارجة تركيا الذين زاروها، وفي نفس سياق زيارة السيد " خالد مشعل " وأعضاء مكتب حماس السياسي لها.. هذا الحراك السياسي الذي تشهده غزة وحكومة المقاومة يسترعي الانتباه ويدلل على جملة من الحقائق لا بد من رصدها والاعتبار منها.. وأقول:

بداية لا بد من تقرير حقيقة أن هذه الزيارات لا يمكن قطعها عن سياقها السياسي ومستجدات ما بعد حربي الفرقان 2008 وحجارة السجيل الأخيرة وصمود حماس وإبداعاتها فيهما.. كما لا يجوز عزلها عما جرى في مصر بعد خلع الساقط ونظامه الذي كان يحاصر غزة ويمرر سياسات الاحتلال ضدها.. ثم إن الذين قاموا بالزيارات وبما يختلف عن كل محاولات كسر الحصار السابقة هم رجال سياسة وزعماء رسميون وليسو رموز عمل خيري.. صحيح أن في الزيارات دعما ماديا ولكن هذا الدعم يعطيها قيمة عملية وليس هو الأهم فنحن لا نتكلم فقط عن مشاريع أو عن أموال تأتي.

زيارات المسؤولين العرب هذه تؤكد أن المقاومة يمكن أن تهزم العدو سياسيا أيضا، ويمكن أن تكسر الطوق الذي يحاول يائسا فرضه عليها وعلى الشعب الفلسطيني منذ سنوات بقدر ما هي قادرة على الصمود في وجهه وإخافته وردع تعدياته ومنع احتلاله.. هنا لا بد من التذكير بأن المقاومة ولدت في رحم الحصار والإغلاق وفي بيئة التجاهل العربي والتناسي العالمي للقضية، وأنها – أي المقاومة – استطاعت هذا الذي استطاعته في فترة قصيرة في عمر الثورات، وبإمكانات محاصرة ومع معاكسة التيار الرسمي الفلسطيني الذي – ودون التوغل في نقده في هذه الفترة بالذات - اختار التسوية وقدم في كل اتفاق تنازلات كثيرة ومقتضيات أمنية ثم تبين بعد عشرين سنة أنها كانت في غير موضعها وأن العدو لا يحترمها وأنها الضريبة التي تدفع لمجرد البقاء أو لبقاء بعض الامتيازات..

الوفود والزيارات الرسمية التي تؤم غزة وتقدم دعمها واحترامها للشعب الفلسطيني ومقاومته اليوم جاءت بعد أن واجهت هذه المقاومة لحظة الانحراف العام عن أهداف التحرير فصححت المسار، وبعد أن عبرت ماديا وميدانيا وبدمها وفلذات كبدها عن إمكانية إهانة كبرياء هذا الكيان المتعجرف الذي لم يكن يحسب حسابا بقليل ولا بكثير لأي قيمة أخلاقية أو إنسانية أو لحرمة أي دولة جارة أو بعيدة.. هذه الزيارات جاءت أيضا بعد أن أثبتت المقاومة أن العدو يمكن هزيمته ليس فقط في الميدان العسكري وحرب الاستنزاف وقصف عاصمته ولكن على الصعد السياسية والدبلوماسية والقانونية والقضائية أيضا فضلا عن الإعلامية، لذا فلم يعد مقبولا أن يقول البعض " إنه يقبل بالمقاومة السلمية ثم يكتفي من كل هذه السلمية بالمظاهرات التي عدتها وسدتها المتضامنون الأجانب والمواطنون البسطاء فيما هو غافل أو متغافل وعن قصد أو من دونه عما يمكن فعله – كما تفعل حماس في غزة..

لقد أثبتت هذه الزيارات أن الرأي العام الدولي والعالمي ليس حكرا حصريا على الغرب وأمريكا ودوائر الاستغلال والاستكبار العابرة للحدو كما كان يُسوّقُ دائما لتبرير الخضوع له... أثبتت أنه لا داعي لمواجهة المقاومة بمقولة " لسنا في جزيرة معزولة " أو مقولة " لا نريد أن نحرج أصدقاءنا في العالم.. " وأثبتت أن الدائرة الأهم قبل الرأي العام العالمي الذي طالما خطبنا وداده وهو منافر شموص هو الرأي العام الإقليمي والعربي والإسلامي الذي يحتضن بحنان الوطنية والقومية والمشاعر الإسلامية الموقف الفلسطيني ويعضده ويحميه وأنه ينبغي المراهنة عليه وحشده.. وهنا لا بد من أربع إشارات:

الأولى: أن المقاومة وحكومتها كانت على قدر عال من الرشد السياسي وتفهم المقتضيات والتحولات في خطابها الإعلامي وفهم ما يمكن وما لا يمكن من استقطاب لهذا الرأي العام ثم استثماراته.. ما جعل دولا غير متهمة بدعم الإرهاب ولا بالخصام مع دوائر القرار العالمي كقطر وتركيا وتونس.. بل ومن الغرب نفسه تستقرب إمكانية الاندفاع بخطوة تقارب مع حماس ومع المقاومة وإلى البحث في إمكانية التواصل معها..

الإشارة الثانية: أن الإسلاميين وبالأخص الممتازين بالوسطية والانفتاح وبالقدرة على التفاهم والتفهم والعزيمة على المقاومة والصمود - كحماس- يمكن أن ينجحوا فيما أخفق فيه الآخرون ودون أن يأخذهم ذلك إلى الغرور أو الاستبداد أو إقصاء الآخرين.. ذلك فعلته حماس في غزة ويفعله الإخوان في مصر.. ودعك مما يقوله الخصوم الذين لا تعنيهم الحقيقة إلا بقدر ما تخدم غاياتهم ورغباتهم.. صحيح أن تجربة الإسلاميين قصيرة وأن إنجازاتهم لا تزال محدودة ؛ ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه.. وإذن فليعط الإسلاميون الفرصة كما أعطيت لكل من هب ودب، وليكن في الذهن أن ذلك ليس لفائدة الإسلاميين وحدهم ولكنه أيضا لفائدة الشعوب والأمة وحتى لا تحرم البلاد والعباد من إبداعاتهم وإمكاناتهم..

الإشارة الثالثة: لم يبق مسوّغ لمن لا يزالون يتلكأون – حتى الآن – في التواصل مع غزة وفك الحصار عنها أو لا يزالون متخلفين رجعيين يدورون حول مقررات مؤتمر شرم الشيخ الأمني 1996 من القرن الماضي الذي كان يستهدف المقاومة وسمعتها.. ولئن فات هؤلاء السبق والريادة فلا أقل من أن يكونوا من الذين اتبعوا السابقين والرواد بإحسان.. ولست أدري بعد اليوم كيف يغمض جفن من يدعي عروبة أو إسلاما ثم هو يساهم في استهداف المقاومة أو يحاول إحياء أهواء وأحلام الصهاينة العاثرين بتآمر أو بتخاذل!

الإشارة الرابعة: أن التفاهم الوطني الفلسطيني يجب أن يكون على برنامج (سياسي أساسه التحرير) وعلاقات المقاومة المستجدة والمتصاعدة مع المحيطيْن العربي والإسلامي ؛ فالتحرير وليس المفاوضات وركوب الصعاب وليس الخطابات هو من جمع هؤلاء الأنصار حول المقاومة وهو الذي جعلهم يراهنون عليها.. وإذن فالخطوة الأولى التي يجب أن تبقى ثابتا فلسطينيا كما هي ثابت عالمي وأخلاقي وإنساني ومنطقي أن انتزاع أي حق من الاحتلال وأي كيان سياسي لا يكون إلا عبر المقاومة الحقيقية وعلى الرأس منها وليس في ذيلها المقاومة المسلحة..

آخر القول: لقد تأكد اليوم أن المقاومة وردع العدو لا يتناقضان مع العمل الدبلوماسي والقانوني والسياسي، وأن حصار غزة صار شيئا من الماضي الذي تجاوزه الفلسطينيون ولا يجوز أن يستعيدوه تحت أي ظرف وأي مقاربة سياسية أو وطنية أو قومية.. وأن المقاومة ووجاهتها وكسر الحصار عنها يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأي عمل سياسي وأي أفق مستقبلي.

المصدر: الشرق، الدوحة