القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

سؤال المرجعية الفلسطينية في زمن التحوّلات العربية

سؤال المرجعية الفلسطينية في زمن التحوّلات العربية

يشهد العالم العربي تحوّلات بنيوية عميقة الأثر، تأتي فلسطين في صميمها، إن لم تكن هي بوصلتها ومحرِّكها وإن بطريقة غير مباشرة. فلم تَخْلُ ثورة من رفع شعارات من قبيل تحرير فلسطين، أو بالحدِّ الأدنى الدعوة إلى ذلك.

في الوقت ذاته انعكس هذا الحراك العارم على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في مناطق الحراك العربي. فقد واجهت اللاجئ الفلسطيني معادلة صعبة مفادها عدم التدخّل في شؤون الدول مع الحفاظ على عمق عربي رسمي وشعبي. كلّ هذا رغم أنّ اللاجئ الفلسطيني لم يكن بمنأى عن التطوّرات الجارفة، بفعل الجغرافيا أحياناً وبحكم علاقات النسب والآصرة الاجتماعية أحياناً أخرى. ونلحظ هنا أنّ ثمة غياباً، وأحياناً تخبّطاً، في اتخاذ موقف رسمي فلسطيني حيال ما يحدث، ربما لانشغال الطرف الفلسطيني في قضايا داخلية، وانصرافه إلى محطة أيلول. لكنّ ذلك بالطبع لا يعفي الرسمي الفلسطيني من واجباته، وهنا تظهر بوضوح ضرورة وجود المرجعية الواحدة والموقف الموحّد.

السؤال المطروح هنا يتعلّق بكيفية تعامل القوى والفعاليات الفلسطينية بعد اندلاع الثورات العربية؟ وكيف كان من المفروض أن تستجيب لها، بحيث تغتنم الفرصة التاريخية التي تلوح في الأفق لإنجاز الوحدة الفلسطينية ودرء الأخطار؟

ما نراه أنّ الاستجابة الفلسطينية المطلوبة للمتغيِّرات الكبرى والثورات العربية لم تكن بالمستوى المطلوب. فلم يتمّ الاتفاق على استراتيجية عمل تحدِّد الموقف الفلسطيني إزاء التحدِّيات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، وكيفية التقدّم على طريق تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، والتي لا بد أن تستند إلى القواسم الفلسطينية المشتركة التي تمثِّل ركائز المصلحة الوطنية العليا وقواعد العمل وأشكال النضال الأساسية. لم يحصل الاتفاق على برنامج سياسي ونضالي مشترك، أو تحديد مهمات الإطار القيادي المؤقت بدقّة، أو تقدير الكيفية الملموسة التي سيتمّ بها معالجة أذيال الانقسام، وكيفية توحيد المؤسسات. كان هذا، لو تمّ حقاً، سيفتح مرحلة جديدة من عهود النضال الفلسطيني، عنوانها الأبرز: إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتجديده، بحيث تصبح منظمة التحرير جبهة تحرير وطنية متحدة، تضمّ ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

لكنّ السؤال الأبرز يبقى في هذا التوقيت عن المصالحة وحقيقة الرابحين من تأجيلها أو تناسيها. ألم يكن من الأجدى التعامل مع إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية كضرورة وأولوية وطنية، وليس مجرد خيار من الخيارات، أو ورقة لتحسين شروط التدويل، أو لإنعاش المفاوضات المنسيّة؟. لماذا لا يكون أيلول نهاية مرحلة، وانفتاح على أفق جديد؟ ألا يستوجب ذلك تغيير المسار السياسي واعتماد استراتيجية جديدة شاملة؛ يكون التوجّه إلى الأمم المتحدة خياراً قائماً ضمن حزمة خيارات فاعلة. بيد أنّ ذلك يتطلّب اعتماد هذه الاستراتيجية على تعزيز عوامل الصمود في وجه الاحتلال، وتعميق وحدة الشعب والقضية والأرض، واستنهاض مقاومة شاملة، واستعادة البُعد العربي والإسلامي، وجمع أوراق القوّة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية القادرة على تعديل موازين القوى، ورفع كلفة الاحتلال.

ألم يَعِ الرسميّون الفلسطينيون أنه بلا اتفاق على برنامج يجسِّد القواسم المشتركة؛ لا مجال لمواجهة التحدِّيات والمخاطر وتحقيق وحدة وطنية حقيقية؟ حان وقت الانعتاق من حالة الانتظار العبثية، والكفّ عن ملاحقة المكتسبات الجزئية على حساب الإطار الكلِّي لقضية بحجم فلسطين.

يبقى أنّ استحقاق المرحلة هو نهوض مؤسسات واحدة، وسلطة واحدة، وقيادة واحدة، والأهم بلورة مرجعية واحدة للشعب والقضية، مع حشد القوى وتصحيح الوجهة.