القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

«سؤال الهوية».. أردنيا وفلسطينيا!

«سؤال الهوية».. أردنيا وفلسطينيا!

جواد البشيتي

من حجم، وكيفية، مساهمتها في حلِّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تَسْتَمِدُّ الدولة الفلسطينية أهميتها "السياسيةـ التاريخية" الكبرى؛ وهذا الحلُّ يجب أنْ يكون عادلاً؛ لكن عدالة واقعية، وواقعياً؛ لكن واقعية عادلة.

لِنَبْدأ من "غير الممكن"؛ فما هو "غير الممكن"، فلسطينياً وإسرائيلياً، الآن، في أمْرِ "الحل النهائي" لمشكلة اللاجئين؟

إنَّه "الاتِّفاقية" بين الطرفين، إذا ما كانت، أو إذا ما أريد لها أنْ تكون، واضحة جلية في بنودها وتفاصيلها الجوهرية؛ فالمفاوض الفلسطيني، ومهما كان الوزن الحقيقي للتفويض الشعبي الذي يَمْلُك عظيماً لن يتمكَّن أبداً من توقيع اتفاقية يمكن أنْ تُفْهَم فلسطينياً على أنَّها تنازُلٌ فلسطيني عن حقِّ اللاجئين الفلسطينيين "أي ملايين اللاجئين الفلسطينيين" في العودة إلى ديارهم التي هي الآن من إقليم دولة إسرائيل، وعلى أنَّها، من ثمَّ، أو في الوقت عينه، اعترافٌ فلسطيني بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية، أي تخصُّ، فحسب، "الشعب اليهودي".

والمفاوض الإسرائيلي لا يمكنه أبداً أنْ يوقِّع اتفاقية يمكن أنْ تُفْهَم إسرائيلياً على أنَّها اعتراف إسرائيلي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، بذاك المعنى للعودة.

إذا أرَدْنا حلاًّ "عادلاً؛ لكن واقعياً، وواقعياً؛ لكن عادلاً" لهذه المشكلة المستعصية "على الحل حتى الآن" فَلْنَضْرِب صفحاً عن "الاتفاقية" المتأتية من طريق التفاوض بين الطرفين، وإنْ كنتُ أتوقَّع أنْ تبدي إسرائيل إصراراً على "الاتفاقية"؛ لأنَّها تريد نهاية متَّفَق عليها "بين الطرفين" لحقِّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة "إلى يافا وحيفا واللد والرملة..".

لكن، هل يعني نَبْذ "الاتفاقية"، أو "الحل المتَّفَق عليه "بين الطرفين""، أنْ تُقام الدولة الفلسطينية مع بقاء "المخيَّم الفلسطيني"؟

إنَّهم ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسورية..؛ ولا بدَّ لمشكلتهم، والتي هي جوهر وأصل النزاع والصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل، من أنْ تُحلَّ من طريق "المواطَنَة الفلسطينية" في المقام الأوَّل؛ وإنَّ قوام هذا الحل "الواقعي، غير النهائي" هو الإنهاء المتدرِّج للمنافي الفلسطينية في الأردن ولبنان وسورية..؛ فاللاجئ الفلسطيني، في خارج وطنه، يَنْتَقِل، مع "حقِّه في العودة"، إلى إقليم الدولة الفلسطينية، التي لا بدَّ من تمكينها "اقتصادياً وسياسياً وقانونياً.." من استجماع وحشد وتركيز اللاجئين الفلسطينيين في إقليمها، من غير تنازُلٍ عن حقِّهم في العودة، ومع جَعْلِهم مواطنين يتمتَّعون بحقوق المواطَنَة كاملةً.

"الأردنيون من أصل فلسطيني" هم جزء لا يتجزأ من شعبين شقيقين: "الشعب الأردني" و"الشعب الفلسطيني". وهنا تكمن "المشكلة"، ويكمن معها "الحل"، فالأردن، وبصفة كونه الوطن النهائي والدائم لـ"الأردنيين من شتى المنابت والأصول"، سيظل مشتملا، في مواطنيه، على فئة من "الأردنيين من أصل فلسطيني". وهؤلاء، وبصفة كونهم جزءاً لا يتجزأ من "الشعب الفلسطيني"، سيظلون جزءاً لا يتجزأ من "الهوية الشعبية والقومية الفلسطينية" ولو لم يكونوا، أو يصبحوا، جزءاً من مواطني الدولة الفلسطينية عند، أو في حال، قيامها.

لقد انتقلنا الآن إلى "الجوهري" في "المشكلة" و"الحل" الذي تنطوي عليه، وتشير إليه، فـ"القولان الرسميان" الأردني والفلسطيني يحتاجان إلى أن يُتْرجما بما يجعلهما متكاملين، وغير متنافيين. وقبل تحقيق ذلك، ومن أجل تحقيقه، لا بد من التواضع أو الاتفاق على إجابة "السؤال الأهم" من سؤالي "مَنْ هو الفلسطيني؟"، و"مَنْ هو الأردني؟". وهذا السؤال إنما هو: "كيف تكون الدولة الفلسطينية المقبلة للشعب الفلسطيني بأسره من غير أن يناقض هذا كون الأردن وطنا نهائيا ودائما للأدنيين من شتى المنابت والأصول، وكيف يكون الأردن وطنا نهائيا ودائما للأردنيين من شتى المنابت والأصول من غير أن يناقض هذا كون الدولة الفلسطينية للشعب الفلسطيني بأسره؟".

"الأصل"، في "الحل الدولي الشرعي" لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بحسب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194، هو "العودة"، أو "الحق في العودة". أمَّا "التعويض المالي" فجاء حلاًّ لمشكلة "الرغبة الشخصية في عدم العودة"، فطابخو القرار افترضوا أنَّ بعض اللاجئين ربَّما لا يرغبون في العودة إلى حيث كانوا بين سنتي 1948 و1949، فضمَّنوا قرارهم عبارة "حق التعويض المالي للاجئ الذي لا يرغب في العودة".

و"الأصل" في "العودة"، هو عودة اللاجئ ليس إلى "دولة إسرائيل"، وإنَّما إلى "إقليم الدولة العربية"، وِفْقَ ما تَضمَّنهُ قرار الأمم المتحدة الرقم 181، فاللاجئ يعود إلى منزله، وإلى وطنه، أو إقليم دولته، في الوقت نفسه، أي أنَّ "الحل الدولي الشرعي" لمشكلة اللاجئين يَسْتَمِدُّ مقوِّماته مِنَ "القرارين في وحدتهما وتكاملهما".

وبَعْدَ حرب 1967، اختلف مفهوم "العودة"، فـ"العودة" أصبحت تعني حق اللاجئ في العودة إلى حيث كان بين سنتي 1948 و1949؛ ولكن ضِمْنَ "إقليم دولة إسرائيل"، فـ"خطُّ الرابع مِنْ حزيران 1967" أصبح هو الأساس في مفاوضات حل مشكلة الحدود بين الدولة اليهودية وجيرانها.

أمَّا الآن فأُقيم جدار "سياسي- استراتيجي" يمنع اللاجئين مِنَ "العودة "إلى منازلهم" في إسرائيل"، وأصبح "حق العودة" يعني "نظرياً ليس إلاَّ" حق كل لاجئ فلسطيني في "العودة إلى الدولة الفلسطينية المقبلة"، التي يشمل إقليمها كل قطاع غزة، ولا يشمل كل الضفة الغربية، فالولايات المتحدة سمحت لإسرائيل بأنْ تضمَّ إليها مِنْ أراضي الضفة الغربية كل ما يُلبِّي حاجتها إلى "الاستيطان المركَّز"، و"بناء الجدار الأمني"، وتأكيد حقها المزعوم في أنْ تظل "القدس الموحَّدة" عاصمتها الأبدية؛ وإنْ ضُمَّن هذا مبدأ "تبادل الأراضي".

وفي "الحل النهائي" لمشكلة اللاجئين لن نرى، أيضاً، لا "التوطين" ولا "الوطن البديل"، فـ"الدولة الفلسطينية المقبلة" لن يكون لها إقليم إلاَّ الضفة الغربية وقطاع غزة. أمَّا "التوطين" الصريح "للاجئين أو لبعضهم" والتدريجي فسيتَّخِذُ ذاك الإقليم مسرحاً له، فالدولة الفلسطينية هي، وحدها، "أرض الميعاد" بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

وإلى أنْ يصبح ممكناً عملياً وواقعياً جَعْل "الدولة الفلسطينية" أداة حلٍّ لمشكلة اللاجئين و"حق العودة"، لا بدَّ مِنْ "مرحلة انتقالية"، ينتقل فيها الفلسطيني "في الخارج" مِنْ حال "اللاجئ" إلى حال "المواطن "في الدولة الفلسطينية""، فـ "صفة اللاجئ في خارج الوطن" يمكن، ويجب، أنْ تنتهي قَبْلَ، ومِنْ أجل، إنجاز الحل النهائي لمشكلة اللاجئين.

وهذا إنَّما يعني أنَّ اللاجئ "أي ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الخارج" يجب أنْ يصبح في وضع "حقوقي وقانوني واقتصادي واجتماعي ومعيشي وإنساني" يحمله على "الصبر" في "المرحلة الانتقالية طويلة الأجل"، وعليها؛ وإذا "عاد" إلى الدولة الفلسطينية، بَعْدَ قيامها بسنة أو بسنوات، فسيعود إليها بصفة كونه "لاجئاً في وطنه".

لقد قُلْنا، غير مرَّة، إنَّ جوهر وأساس الحل "المُمْكِن واقعياً الآن" لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين هو أنْ تُمَكَّن الدولة الفلسطينية المقبلة من أن تكون، من الوجهة العملية والواقعية، وليس من الوجهة النظرية فحسب، دولة للشعب الفلسطيني بأسره، وأن يبدأ "الحل النهائي" لهذه المشكلة بالنقل الفوري للمخيَّمات الفلسطينية في الخارج إلى أراضي الضفة الغربية، فـ "جغرافية" المشكلة، أي مشكلة اللاجئين، يجب أن تتغيَّر أوَّلاً، فَلِمَ لا "تُنْقَل" المشكلة "مع المخيَّمات الخارجية وقاطنيها" إلى إقليم الدولة الفلسطينية، قبل، ومن أجل، أن تُحَل، أو أن يبدأ حلها النهائي، فإنَّه لإنجازٌ فلسطيني تاريخي وعظيم أن يُعْمَل على تَمْكين الدولة الفلسطينية من نقل المخيَّمات الفلسطينية في الخارج، مع أهلها، إلى أراضيها، فـ "اللجوء" في داخل "الوطن" هو أفضل بكثير من "اللجوء" في خارجه.

ومع تغيير "الموقع الجغرافي" لظاهرة "اللجوء"، يُصبح مَمْكِناً أكثر من ذي قبل إنجاز حلٍّ نهائي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فقبول حلِّ نهائي للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني، قوامه الجغرافي "فلسطين الصغرى" يجب ألاَّ يفضي إلى "تصغير" الشعب الفلسطيني ديمغرافياً.

هذا "الحل"، وعلى ما يكتنفه من صعوبة إسرائيلية، لا يمكن أن يحظى بقبول فلسطيني عام، أو بقبول اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص، إلا إذا اشتمل على ما يمكن أن يجعل الفلسطينيين يفهمونه، وينظرون إليه، على أنَّه "مَدْخَلٌ" ليس إلاَّ للحل النهائي والتام لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ فـ"حق العودة" يبقى؛ لكن المخيَّمات في الشتات لا تبقى.

اللاجئ الفلسطيني، في هذا "الحل الانتقالي"، ومن غير أن يتخلى، أو يُجبر على التخلي، عن "حقِّه في العودة"، ينتقل من مخيَّمه في الشتات إلى إقليم دولته. وهذا إنَّما يعني أن يعيش اللاجئ الفلسطيني حالا مشابهة لحال اللاجئ الفلسطيني في الأردن، فهذا اللاجئ عَرَف المزاوجة بين حقوقه بوصفه مواطناً أردنياً وبين الاحتفاظ بحقِّه في العودة.

في هذا "الحل الانتقالي"، والذي لا يُفْقِد اللاجئ الفلسطيني المُنْتَقِل من مخيَّمه في الشتات إلى أراضي الدولة الفلسطينية حقه في العودة، يصبح اللاجئ الفلسطيني متمتِّعا ليس بـ"حقوق الإنسان" فحسب، وإنَّما بـ"حقوق المواطَنة" في الدولة الفلسطينية، التي بانتقاله إليها، وعلى هذا النحو، يَشْحَن حقُّه في العودة، والذي لم يتمكَّن من ممارسته بعد، بمزيد من "القوَّة الواقعية"، فبقاء المخيَّم في الشتات إنَّما يبقي اللاجئ واقعا بين مطرقة التهجير "أو الهجرة" إلى دول أوروبية "ودول أخرى" وسندان التوطين بصوره المختلفة.

لقد حان للفلسطينيين أن يتخطُّوا جدلهم القديم والمألوف في "حق العودة"، وأن يتَّفِقوا، من ثمَّ، على أهميَّة وضرورة تمييز مسألة "حق العودة" من مسألة "المخيَّمات في الشتات"، فإنهاء تلك المخيَّمات من خلال نقل أهاليها إلى أراضي الدولة الفلسطينية هو البداية الفعلية والحقيقية لحل مشكلة "حق العودة".

وإنِّي لعلى اقتناع تام بأنَّ اللاجئين الفلسطينيين، في غالبيتهم العظمى، هم أكثر فئات الشعب الفلسطيني "واقعية" بالمعنى السياسي، فمعاناتهم الطويلة المريرة، وظروف عيشهم القاسية، حنَّكتهم، وعلَّمتهم أنَّ "الحقوق" لا وزن لها، ولا أهمية، في عالم السياسة الواقعي، إذا لم تُضيَّق، في استمرار، الفجوة الواسعة بينها وبين "الحقائق الواقعة".

إذا كانت تلك هي "الحقيقة الأولى" فإنَّ "الحقيقة الثانية" التي يجب جعلها بقوَّة "الأولى" هي أنَّ تعذُّر "العودة إلى الديار" يجب ألاَّ يتحوَّل، في أمْرِ "التوطين"، إلى سهولة، أو استسهال؛ فالفلسطينيون في الأردن، ومن حيث المبدأ والأساس، يجب أن يُوطَّنوا؛ ولكن في إقليم الدولة الفلسطينية، وليس في الأردن.

إنَّه ليس بالأمر الذي يستأهل معاملته على أنَّه "حقيقة نهائية ثابتة" أنْ يبدي نصف الفلسطينيين في الأردن، أو أكثر أو أقل من نصفهم، رغبةً في البقاء حيث هم، أي في أن يظلوا، أو يصبحوا، مواطنين أردنيين، فإنَّ الجدِّية الأردنية والفلسطينية في محاربة "التوطين "فكرةً، وحلاًّ، وواقعاً"" يجب أن تَظْهَر وتتأكَّد من خلال تضافُر الجهود الأردنية والفلسطينية على تغيير "الأسباب الواقعية والموضوعية" لهذه "الرغبة"، وجَعْلِها تتراجع، في استمرار، أمام "الرغبة المضادة"، وهي الرغبة في أن يتوطَّنوا في إقليم الدولة الفلسطينية.

وهذا الذي أقوله، وأقول به، وأدعو إليه، لن يكون صادقاً في معانيه، وفي مقدَّمها الحرص على حقوق ومصالح الشعبين الشقيقين، إذا لم يكن حرباً على "فكرة التوطين المهذَّبة" التي يلبسونها لبوس الدعوة إلى "إنصاف ذوي الحقوق المنقوصة".

"عدم العودة إلى إسرائيل" يجب أن يَقْتَرِن بـ"عدم بقائهم حيث هم"، أي في المنافي العربية المجاورة؛ وهذا وذاك إنَّما يعنيان أن تقام الدولة الفلسطينية "في الضفة والقطاع" بما يسمح لها بأن تكون، فعلاً، لا قولاً فحسب، للشعب الفلسطيني بأسره. وأحسب أن ليس من سؤال يفوق أهميةً سؤال "ما الذي يمكن ويجب فعله وعمله من أجل أن تكون أو أن تصبح "الدولة" كذلك؟".

المصدر: العرب أونلاين