سؤال فلسطيني
ساطع نور الدين
غالباً ما تجري مناقشة التغيير القريب في سوريا من زاوية اثره على محور المقاومة والممانعة الممتد من طهران حتى غزة مرورا ببيروت، من دون التوقف عند مفاصل اخرى تقع خارج هذا المحور لكنها تلتصق به بشكل مباشر، واهمها المفصل الفلسطيني الذي يتمركز في رام الله ويبدو بعيدا عن تحدي المخيمات الفلسطينية الموجودة على الاراض اللبنانية التي كانت دمشق مرجعيتها الرئيسية منذ خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982.
زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المقررة إلى بيروت غدا الثلاثاء، تطرح هذا السؤال بالتحديد، حول المرحلة الانتقالية التي يعيشها اللبنانيون بقلق بالغ في انتظار ما ستؤول اليه الازمة السورية، والتي لا يستثنى منها فلسطينيو لبنان، وسوريا حيث وضع الوجود الفلسطيني منذ اللحظة الاولى في قفص الاتهام، وسقط شهداء فلسطينيون وما زالوا يسقطون في مختلف الانحاء السورية، بحسب ما كشف مسؤول فلسطيني رفيع من رام الله مؤخرا.
التورط الفلسطيني في الازمة السورية مفتعل، وهو لا يتعدى بعض ردود الفعل الطبيعية على حملات الامن السوري التي لا تميز احدا. لكن ذلك لم يحل دون ان يشعر الفلسطينيون في سوريا بانهم فقدوا الكثير من حصانتهم التقليدية، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية التي لم تعد تنفع كثيرا، لا سيما في اعقاب خروج قياداتهم من دمشق، وانتقال بعضها إلى بيروت، حيث الامان النسبي الموقت، وحيث يثير اللبنانيون والفلسطينيون على حد سواء معضلة الفراغ في المخيمات وسبل سده، قبل ان تتحول مجددا إلى مركز لهز الاستقرارين اللبناني والفلسطيني، وربما ايضا لتغيير قواعد اللعبة على الحدود الجنوبية.
في المخيمات الفلسطينية اكثر من سؤال، يتفاقم مع حقيقة ان الوجود الفلسطيني في لبنان يتعرض لواحدة من اسوأ حالات الحصار والذل والهوان في العالم كله، بناء على تجربة الماضي المريرة، التي يعاد انتاجها اليوم بأشكال مراوغة، ابرزها الصراخ اللبناني المرتفع دائما حول رفض التوطين (والذي سيرتفع اكثر فأكثر خلال زيارة عباس بيروت) والذي يهدف إلى تفادي البحث في الحقوق المدنية الفلسطينية وايضا إلى تجنب البحث في السلاح الفلسطيني الذي ينتمي إلى حقبة لبنانية فلسطينية غابرة، والذي يفترض انه لم يعد له مكان او دور لا في خارج المخيمات ولا في داخلها. وهذا ما يريده ويتمناه الشعبان اللبناني والفلسطيني بغالبيتيهما.
بديهي القول ان الصراع على المخيمات او بالاحرى على مرجعية الوجود الفلسطيني في لبنان كله سيفتح من جديد، وسيكون جزءا من الصراع المقبل على موازين القوى اللبنانية. السلطة الفلسطينية ليست العنوان الوحيد، لكنها يمكن ان تصبح مجددا العنوان الرئيسي، في ضوء الانهيار المرتقب لقوى الرفض والتطرف الفلسطيني... اذا ظلت السلطة قائمة، بعد معركة انتزاع الاعتراف بالدولة المستقلة من الامم المتحدة في ايلول، التي سيخوضها لبنان صفا واحدا مع الفلسطينيين.
المصدر: جريدة السفير اللبنانية