«ستراتفور» وسيناريوهات
الحرب الجديدة: نسخة معدّلة عن «الرصاص المسكوب»
مع استمرار الغارات الإسرائيلية على غزة، تثار أسئلة حول احتمالات أن
تتخذ التطورات الميدانية منحى تصاعدياً يفضي إلى الانتقال من عملية جوية إلى هجوم برّي،
وهو أمر يتوقف على الأهداف التي وضعتها "إسرائيل" للعملية.
وفي تقرير حول التطورات الأخيرة في غزة، سعى الخبراء في معهد «ستراتفور»
لرسم سيناريوهات للحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة، انطلاقاً من التجارب المستفادة
من الحرب الأخيرة على القطاع في نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009، والتي أطلقت عليها
"إسرائيل" تسمية عملية «الرصاص المسكوب».
ويشير التقرير إلى ان وقف الهجمات الصاروخية كان الهدف الأول لعملية
«الرصاص المسكوب»، التي بدأت بعمليات جوية استتبعت باجتياح بري.
وبما أن الهدف المعلن من عملية «عمود السحاب» الإسرائيلية الحالية على
غزة مطابق للهدف المعلن من عملية «الرصاص المسكوب»، فإن التقرير وجد أن تحليل التطورات
الميدانية للعملية الأولى قد يقدم صورة أولية للشكل الذي قد تتطور من خلاله العملية
الحالية.
وبات معروفاً أن "إسرائيل" خاضت عملية «الرصاص المسكوب» على
مرحلتين: العملية الجوية والهجوم البري.
المرحلة الأولى، أي الحملة الجوية، دامت قرابة الأسبوع، وقد استهدفت طرق
نقل الصواريخ، وأماكن تخزينها، ومنصات إطلاقها، بالإضافة إلى مواقع أخرى تم تحديدها
في ضوء التطوّرات الميدانية. وهذا يشبه إلى حد كبير ما يقوم به الجيش الإسرائيلي حالياً
من خلال الغارات الجوية (بشكل رئيسي)، وعمليات القصف البحرية والبرية.
أما المرحلة الثانية، أي الهجوم البري، فقد شمل مسرحين ميدانيين مختلفين
في غزة: في الجنوب، تحركت الوحدات العسكرية الإسرائيلية، واتخذت مواقع لها في منطقة
رفح والطريق السريع رقم 4، وذلك بهدف قطع خطوط الإمداد اللوجستية المستخدمة من قبل
حماس باتجاه الشمال (مديــنة غزة). كذلك لجأت "إسرائيل" في هذه المرحلة إلى
القصــف الجــوي والبحري لتأمين المنطقة الحدودية بين غــزة ومصر، حيث يقع محور فيلادلفي
(صلاح الديــن) الاستراتيجي.
وعلى المحور الشمالي، توغلت القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة من جهة
الشمال، ومن جنوب شرق مدينة غزة. هذه التوغلات ساهمت في عزل مدينة غزة، و«تطهير» مواقع
إطلاق الصواريخ، وأيضاً في اتخاذ مواقع «دفاعية» قرب المناطق المأهولة.
بعد هذا التحرك الأولي، تم استقدام قوات إضافية لرصد مواقع إطلاق الصواريخ
وتدميرها، وأيضاً للسيطرة على مواقع الربط اللوجتسي والبنى التحتية للمقاومة الفلسطينية.
وكان لافتاً، أن القوات الإسرائيلية لم تنفذ عمليات توغل عميقة في المناطق المكتظة
بالسكان (كما هي الحال في مدينتي غزة ورفح) وذلك لتجنب خسائر في صفوف جنودها.
وعليه، فإن سيناريوهات العملية البرية المحتملة في غزة ستكون مشابهة في
تصميمها وتكتيكاتها لتلك التي تم اعتمادها خلال عملية «الرصاص المسكوب»، ذلك أن تلك
العملية، بحسب إسرائيل، كانت ناجحة من الناحية العملياتية، وأيضاً بالنظر إلى تشابه
الأهداف بين العملية السابقة والعملية القائمة حالياً.
لكن ثمة اختلافين مهمين بين العمليتين: الاختلاف الأول، هو على المحور
الجنوبي، فخلال عملية «الرصاص المسكوب» كانت قوات الأمن المصرية (في عهد الرئيس حسني
مبارك) تحكم السيطرة على رفح، ما سهل على القوات الإسرائيلية السيطرة على محور فيلادلفي.
أما حالياً، فثمة نظام مختلف جداً في مصر، ما يثير تساؤلات بشأن مدى استعداد القاهرة
لدعم العملية البرية. ومعروف أن مصر أعلنت قبل يومين أن معبر رفح سيبقى مفتوحاً، وهو
أمر قد يدفع الوحدات الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات إضافية لقطع خطوط التموين من جنوب
قطاع غزة إلى مدينة غزة. وهذا يعني أن القوات الإسرائيلية ستكون في حاجة إلى احتلال
المنطقة الحدودية بين مصر وغزة، ذلك أن عمليات القصف البحري والغارات الجوية لن تكون
قادرة على تحقيق الهدف المنشود.
هذه المتغيرات، ستفرض أيضاً على "إسرائيل" توسيع نطاق التحركات
العسكرية مقارنة بعملية «الرصاص المسكوب»، وستجعل القوات الإسرائيلية في وضع غير مريح،
بالنظر إلى أنها ستكون على تماس مباشر مع القوات المصرية في سيناء.
الاختلاف الثاني، يتعلق بالشمال، فاستخدام صواريخ «فجر-5» يعني توسيع
مجال «تطهير» مراكز إطلاق الصواريخ. وخلال عملية «الرصاص المسكوب» جرى التركيز على
مدينة غزة والمناطق المحيطة كبقعة «تطهير». أما اليوم، فالأمر يتطلب التعامل مع بقعة
أكثر اتساعاً تمتد حتى مخيم النصيرات. ومن الناحية النظرية، يتطلب هذا الأمر عزل مناطق
واسعة في غزة، ما يعني أن الجيش الإسرائيلي سيكون في حاجة إلى مزيد من القوات ومزيد
من الوقت لتنفيذ خطته.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة نقاط تشابه واختلاف بين العمليتين من الناحية التكتيكية،
فخلال الهجوم البري الذي رافق عملية «الرصاص المسكوب»، دخلت القوات الإسرائيلية قطاع
غزة خلال الليل، وأقامت طرقات ومفترقات خاصة بها، وقد تم الاعتماد في ذلك على مهندسين
عسكريين، ومعدات ضخمة شملت جرافات «دي 9»، وفرق من الكلاب لتأمين المنطقة، ما جنب القوات
الإسرائيلية خسائر بشرية محتملة تنجم عن الألغام والعبوات.
وفي حال القيام عمليات توغل مشابهة خلال العملية الحالية، فمن المتوقع
أن يستخدم الجيش الإسرائيلي التكتيكات ذاتها. لكن المقاومة في غزة لن تكرر بالتأكيد
الأخطاء السابقة، إذ من المتوقع أن تستخدم تكتيكات مختلفة لإلحاق مزيد من الخسائر في
صفوف القوات الغازية.
يذكر أنه خلال جولة القتال الحالية، تحدثت تقارير عن استخدام المقاتلين
في غزة لصواريخ محمولة مضادة للطائرات. وإذا تأكدت هذه المعلومات، فإن القدرة على تأمين
الدعم الجوي ستكون محدودة. ويضاف إلى ذلك عنصر آخر وهو استخدام المقاومة للصواريخ المضادة
للدبابات.
(عن معهد «ستراتفور»)
المصدر:
السفير