القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

سور عين الحلوة العظيم

سور عين الحلوة العظيم

بقلم: طوني خوري

شهد لبنان في الآونة الاخيرة مفارقة شغلت أوساطه السياسيّة والامنية على حد سواء. ليس الحديث بالطبع عن تشكيل الحكومة، انما عن الحائط الامني الذي يتم بناؤه حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. وحين يسمع المرء بعض الاصوات التي تتصاعد مندّدة بهذا الجدار، يخال نفسه وكأنه امام "سور الصين العظيم"، ووصلت الوقاحة بالبعض الى حدّ تصوير هذا الاجراء على أنه مماثل لما يقوم به الاسرائيليون ضد الفلسطينيين في أراضيهم المحتلة.

ألم يجد هؤلاء المُضَلِّلين والمُضَلَّلون في الوقت نفسه، ان المقارنة لا تصحّ لا بالشكل ولا بالمضمون؟ الم يجدوا ان تشبيه الجيش اللبناني بالجيش الاسرائيلي هو إهانة لهم قبل ان تكون إهانة للجيش وللبنان؟ هل الاراضي الفلسطينية المحتلّة باتت تضم "إرهابيين" كما يضم المخيّم إرهابيّون باعتراف الفصائل الفلسطينية المعنيّة بالأمن في هذا المخيم؟ وهل يقمع الجيش اللبناني اللاجئين في المخيم كما يقمع ويقتل منهم الجيش الاسرائيلي في أراضيهم المحتلّة؟ هل باتت أرض مخيم الحلوة فلسطينيّة وهل احتلّها الجيش اللبناني ويمارس تعسّفاً بحق سكانها؟.

مهلاً ايها القوم، أفيقوا من غيبوبتكم وابدأوا بسؤال انفسكم اسئلة منطقيّة بعيدة عن محاولات التجييش وشدّ العصب، وكسب بعض الاصوات لتتمكنوا من التشدق على وسائل الاعلام (وهي للمفارقة ايضاً... لبنانية).

ما الذي دفع الجيش البناني الى مباشرة بناء هذا السور الامني؟ الجواب يعرفه القاصي والداني على حدّ سواء، وهو كما ورد في بيان قيادة الجيش لحماية المدنيين الفلسطينيين وحماية المدنيين اللبنانيين في الوقت نفسه. وبعد نكبة العام 1948 ووصول مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان، لم يقُم الجيش اللبناني مرة ببناء مثل هذا الحائط الأمني، وحتى بعد احداث مخيم نهر البارد التي سقط فيها للجيش 168 شهيداً اضافة الى الجرحى رووا بدمائهم ارضاً لبنانية تغلغل فيها الارهاب، لم يصرّ الى اقامة حائط أمني حول المخيّم. هذا الامر إنّما يعني ان الفصائل الفلسطينية داخل عين الحلوة ليس باستطاعتها فرض النظام على كامل المخيم، وبالتالي كان لا بد من اتخاذ قرار يحفظ المدنيين في كل من الجانبين.

لم يقم الجيش بتدابير بحق الفلسطينين الآمنين، والا كان اقام حزاماً امنياً وعزل المخيّم بشكل كامل، فتطال النتائج "الصالح والطالح" معاً، ولكن لم يكن هذا الهدف. ولا الهدف من الحائط الامني عزل المخيم، لانه لا يلفّه كله، بل اجزاء منه تهدّد بتسلّل الإرهابيين منه وإليه.

وأمّا بالنسبة الى قمّة السخافة التي تدّعي ان الحائط هدفه انتهاك حرمة المنازل، فهل في رؤوس أصحاب هذا الادعاء الفارغ مثلهم ذرة اقتناع بأن عناصر الجيش اللبناني الذين يضحون حياتهم يومياً، هدفهم "التلصص" على نساء وفتيات المخيّم، فأقاموا الحائط الامني لهذه الغاية؟

ألم يلحظ احد ان اصوات مؤسّسات حقوق الانسان والمنظمات الدوليّة التي تعنى بالفلسطينيين وبأوضاعهم الاجتماعية وحتى بعض الامنيين الفلسطينيين ايضاً والسلطة الفلسطينية، لم تجد ممارسات قمعيّة في هذا الحائط الامني او ممارسات "تعسفية" يقوم بها لبنان؟ هل كلهم باتوا جميعاً مشاركين في تهمة "التلصّص"؟

بين ما تقوله قيادة الجيش وما يقوله بعض الخبثاء، فإن الإخيتار واضح وهو تصديق قيادة الجيش، لانها المعنيّة بكل نقطة دم قد تُراق في المستقبل (لاسمح الله) لجنودها، وليس المطلوب ان نشهد عمليّة جبانة أخرى يقع ضحيتها شهداء للجيش لنشهد معركة نهر بارد جديدة انما هذه المرة في عين الحلوة.

كرامة المدنيين الفلسطينيين محفوظة، ولكن لا يطلبنّ احد من لبنان وجيشه حفظ كرامة الإرهابيين الذين يستغلّون المخيم ويتلطّون بين سكانه، لانه طلب مرفوض ومردود الى أصحابه سلفاً. ان أي قرار تتخذه قيادة الجيش في موضوع مخيّم عين الحلوة وغيره من المخيمات، لا يأتي عن عبث، ولا يكون دون مروحة اتّصالات سياسيّة مكثفة داخلية وخارجية، وهو يهدف اولاً واخيراً الى حماية لبنان وشعبه، وهو يحظى بالتالي بدعم هذا الشعب.

قد يكون الجدار الامني أثار حفيظة المتضرّرين منه، وهم بالدرجة الاولى الإرهابيون الذين تلمّسوا مدى صعوبة التسلّل من والى المخيم بفضل الاجراءات الجديدة، لذلك علَت اصواتهم المباشرة وغير المباشرة لوقف هذه الخطوة، ليشكلوا ضغطاً على الجيش تحت ستار اجتماعي-انساني هم بعيدون عنه كل البعد، فهل سينجحون؟

المصدر: النشرة