شرارة الانتفاضة الثالثة تطرق أبواب فلسطين
بقلم: حمزة إسماعيل أبو شنب
بين الفينة والأخرى تتعالى الأصوات "الإسرائيلية" المحذرة من انتفاضة
فلسطينية في الضفة الغربية بعد فشل مسار التسوية والخشية من الدخول مرة أخرى في دوامة
الصراع المباشر بين الفلسطينيين والاحتلال، يبدأ بالحجارة ويتطور إلى أن يصل إلى العمل
المسلح معيداً إلى الأذهان مشهد الانتفاضتين: الأولى عام 1987 والثانية عام 2000.
وعلى الجانب الفلسطيني لا يختلف المشهد كثيراً وإن كان بصورة معكوسة، فهو يتحدث
بأن الخيار الأفضل الآن للتعامل مع الاحتلال هو العودة للكفاح والمقاومة بكافة أشكالها،
فترتفع النداءات الداعية لإطلاق شرارة الانتفاضة للانقلاب على الواقع المتردي في الضفة
الغربية والقدس.
دوافع اندلاع انتفاضة:
بالرغم من أن الانتفاضتين الأولى والثانية انطلقت شرارتهما نتيجة حوادث بعينها
؛ فالأولى انفجرت بعد دهس مجموعة من العمال من قبل شاحنة "إسرائيلية" قُتِل
على أثرها 7 عمال، والثانية كانت بعد زيارة أريل شارون للمسجد الأقصى مما استفز الجماهير
الفلسطينية، ولكن في كلتي الحالتين كانت هناك ظروف وعوامل سابقة شكلت هذه الدفعة لدى
الفلسطينيين، وما تمر به الضفة الغربية هذه الأيام مشابه إلى حد كبير الظروف السابقة،
ولعل أبرز العوامل والظروف تكمن في :
أ. تواصل عملية الاستيطان في الضفة الغربية ومدينة القدس بشكل غير مسبوق مما
يهدد الوحدة الجغرافية ويقسمها إلى كيانات منفصلة ومواصلة بناء الجدار الفاصل بين الضفة
الغربية والاحتلال.
ب. التهويد المستمر والمتواصل ضد مدينة القدس وعملية التهجير وطرد السكان العرب
منها، بالإضافة إلى أزمة الأغوار في محاولة إسرائيلية لفرض الأمر الواقع على حلول التسوية.
ت. الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين الإسرائيليين على أهالي القرى الفلسطينية
مما يلحق الضرر بالسكان ويلحق التلف بالمحاصيل والأشجار.
ث. غياب الأفق السياسي وفشل مسار التسوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال
في ظل تعنت اليمين الإسرائيلي - والذي من المتوقع أن يبقى في سدة الحكم بعد انتخابات
هذا العام - وانعدام الخيارات الفلسطينية الرسمية وانحصارها في المفاوضات التي فشلت
في تقديم إنجاز فلسطيني يقنع الشارع.
ج. تردي الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية بعد الوعود بتحسينها بعد مؤتمر
أنابوليس للسلام في الولايات المتحدة عام 2007، مما سبب إشكالات عديدة وتذمراً بين
المواطنين الذين خرجوا قبل أشهر في مظاهرات عمت مدن الضفة الغربية ضد سياسات حكومة
فياض الاقتصادية والغلاء.
ح. الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية والتي أصبحت عاجزة عن صرف
رواتب موظفيها، مما قد يضعف السلطة المركزية في حال استمرت، ويفتح الباب أمام إضرابات
تشل عملها فتصبح غير قادرة على ضبط الأوضاع الميدانية.
خ. حالة الغليان الشعبي الناتجة عن العوامل السابقة مجتمعة، مما يولد لديهم
طاقة قد تنفجر في أي لحظة ضد الاحتلال، كما حصل في الخروج ضد الحكومة في الضفة الغربية،
بسبب الاحتقان الشديد الذي تعيشه.
د. تداعيات نجاح المقاومة في قطاع غزة في صد العدوان في الحرب الأخيرة، بالإضافة
إلى تداعيات الربيع العربي والتظاهرات السلمية التي خرجت ونجحت في إسقاط الأنظمة.
موانع تفجر الانتفاضة:
بالرغم من توفر الظروف المواتية لانطلاق شرارة انتفاضة جديدة في فلسطين إلا
أن هناك بعض العوائق في وجهها تحول بين تفجرها أو فشلها في حال تفجرت، ونخلص هذه الموانع
بالتالي :
أ. عدم رغبة السلطة الفلسطينية في إشعال أي انتفاضة على غرار سابقاتها وتمسكها
بالحلول السلمية مع الاحتلال، مما يدعوها إلى عدم توفير أي غطاء أو مساندة لأي انتفاضة
قد تنشأ، على عكس انتفاضة الأقصى وفرت قيادة السلطة بزعامة أبو عمار الغطاء في البداية
ولكنها كانت أقوى من أن يُسَيطر عليها ودفع عرفات ثمن ذلك من خلال تهميشه ومن ثم سمه.
ب. غياب القيادة الفلسطينية الفاعلة القادرة على قيادة أي انتفاضة جديدة نتيجة
إنهاك هذه القيادات بالاعتقالات وهرمها، ورغم ذلك مازالت تسيطر على القرار التنظيمي
للفصائل مما غيب القيادات الشابة القادرة على العمل والقيادة.
ت. الحضانة الشعبية غير متوفرة في الوقت الحالي بسبب قوة الإجراءات القمعية
التي تلاحقهم من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية إذا قامت بمساعدة الناشطين الميدانيين.
ث. التنسيق الأمني المتواصل بين السلطة الفلسطينية والاحتلال رغم فشل العملية
السياسية وتوقف الاتصالات بين السلطة والاحتلال، إلا أن التنسيق بل التعاون يشكل عقبة
في نجاح الحراك الشعبي.
وعلى الرغم من التأثير الذي تحدثه هذه الموانع إلا أنه يمكن تجازوها أو الالتفاف
على بعضها في ظل توفر الأجواء التي تساعد على إشعال الانتفاضة، فسرعان ما يمكن أن تنتج
قيادات شابة قادرة على القيادة، وكذلك الأمر ينعكس على الحضانة الشعبية التي تتفاعل
مع تفاعل الأحداث، وهذا ينطبق على العناصر الأمنية التي تنحاز في المواجهات إلى جانب
الشعب.
سيناريوهات المرحلة المقبلة:
السيناريو الأول : عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات في ظل الأحاديث المتزايدة
عن المبادرات القادمة لإحياء عملية السلام بين السلطة والاحتلال، حيث جرى الحديث عن
المبادرة الأمريكية الفرنسية، كما صرحت قيادات فلسطينية عن مبادرة عربية تقوم على إطلاق
المفاوضات لمدة ستة شهور بعد الانتخابات "الإسرائيلية"، يرافقها تجميد للاستيطان
خلال هذه الفترة، لذلك تم استباق هذه الأجواء بقرارات استيطانية فصلت شمال الضفة عن
جنوبها و جعلت هامش المناورة أوسع مما كان عليه في السابق، وتُخرج نتنياهو من دائرة
الخلاف مع الإدارة الأمريكية في الولاية الثانية لأوباما بعد خلافات بين الطرفين في
الولاية الأولى، وهذا أفضل الخيارات للسلطة للخروج من مأزقها المالي والسياسي ويتماشى
مع الاستراتيجية التفاوضية لها.
السيناريو الثاني: اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية والقدس تخلط الأوراق لدى
الاحتلال وتُخرج قيادات جديدة قادرة على المناورة مع الاحتلال، في ظل الخشية
"الإسرائيلية" من الجبهتين المصرية والسورية، حيث نجدها تسارع في إنجاز السياج
الأمني على الحدود مع هاتين الدولتين، ويمكن الاستفادة من الحراك الأردني الذي يمتلك
الحدود الأطول مع دولة الاحتلال، وهذا الطرح قابل للتطبيق وقد يندلع نتيجة أي حدث أو
اعتداء يكون سبباً لحدوثه.
السيناريو الثالث : بقاء الحالة على ما هي عليه واستمرار الضغط على السلطة الفلسطينية
التي لا تمتلك الخيارات، من خلال الدعم المالي المتقطع مما يجعل جل تفكير القيادة الفلسطينية
محصوراً في صرف الرواتب والأنشطة اليومية.
السيناريو الرابع : انفراط عقد السلطة الفلسطينية بشكل مركزي أو ضعفها بشكل
كبير، مما يولد قيادات أمنية ترتبط مصالحها مع الاحتلال قادرة على الحفاظ على الأمن
وضبطه داخل المدن الفلسطينية، وهذا يعتبر من أفضل الخيارات للاحتلال وإن كان عمره الزمني
قصيرا، فهو يعتبر أخطر السيناريوهات الممكن حدوثها إذا توفر له الدعم المالي الذي يقدم
من الإدارة الأمريكية، لأنه سيكون بمثابة جيش لحماية الحدود دون سقف سياسي بعد نجاح
الاحتلال في تجربة إعادة الإدارة المدنية بمنح آلاف التصاريح لسكان الضفة الغربية للتوجه
للقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وربط المواطن بهذه الإدارة من خلال استخراج
الأوراق الرسمية والثبوتية له دون التنسيق مع السلطة، فالاحتلال مستعد لخيار الإدارة
المدنية، إلا أن هذا الجيش نجح حالياً في فرض الأمن والتنسيق والتعاون مع الاحتلال
ولكن بغطاء سياسي من السلطة.
لم يتم الحديث عن مجريات المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حماس وفتح لأنها
لن تؤثر كثيراً على المعطيات في الشارع الفلسطيني أو تحدث تغير حقيقي على الأرض إن
انجزت.
كيف نُنجِح انتفاضة جديدة:
لابد من العمل على إنجاح الانتفاضة الفلسطينية وهي أفضل الخيارات الممكنة خلال
المرحلة المقبلة بدلاً من العودة إلى تجارب المفاوضات مرة أخرى وكسر حالة الصمت لمواجهة
العملية الاستيطانية والتهويد المستمر، لذا فإن إنجاح الانتفاضة يتطلب :
أ. إجماعاً فلسطينياً على أن الانتفاضة هي المخرج الوحيد للحالة الفلسطينية.
ب. تصعيد قيادات شابة كان لها دورها في الجامعات الفلسطينية والعمل الميداني
خلال الانتفاضة الأولى وإزاحة القيادات الهرمة عن المشهد والاحتكاك مع العدو.
ت. تفعيل العمل الشعبي الجماهيري ضد حواجز الاحتلال والمستوطنين والاشتباك
معهم.
ث. وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وإطلاق يد المقاومة المسلحة بالتزامن مع
العمل الجماهيري.
ج. الاستفادة من أجواء الخوف لدى الاحتلال الذي يحاصر نفسه بالسياج الأمني،
وتفعيل الدور العربي للدول المجاورة بشكل جماهيري بحيث تشكل ضغطاً شعبياً كبيراً على
الاحتلال.
إن السيناريو الأول و هو العودة للمفاوضات هو أقرب السيناريوهات للمرحلة المقبلة
؛ لرغبة الأطراف في الحفاظ والإبقاء على السلطة ودعم محمود عباس في موقع المفاوضات،
لأن الاحتلال لا يريد أن يواجه انتفاضة جديدة في ظل الظروف المحيطة به، بعد تراجع العلاقات
مع مصر ودورها في مساندة و دعم الفلسطينيين في العدوان الأخير على غزة، والأوضاع المتدهورة
على الحدود السورية، مما دفع الاحتلال للإسراع في بناء سياج أمني عازل خشية تسلل مجموعات
جهادية كما فعلت مع مصر، كما ستحاول الإدارة الأمريكية دفع عجلة السلام في المنطقة
العربية وهذا لا يقلل من احتمالات اندلاع انتفاضة جديدة.
إن الأسابيع القادمة ستكون كفيلة بتحريك الشارع الفلسطيني تجاه الانتفاضة، ولكن
الخشية من العودة مرة أخرى إلى مربع المفاوضات، وفهم الرسالة الجماهيرية التي عبر عنها
مشهد انطلاقة حركة فتح في غزة على أنها استفتاء على برنامج المفاوضات من قبل السلطة
في ظل الأحاديث المتكررة عن المبادارت العربية أو الأمريكية الفرنسية بعد الانتخابات
"الإسرائيلية" في نهاية يناير، فلمن ستكون الكلمة: للشارع الغاضب أم للمفاوضات؟
المصدر: المركز الفلسطيني
للإعلام