القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

صار لنا دولة!

صار لنا دولة!

بقلم: لمى خاطر

كانت هذه العبارة الأبرز التي ترددت على ألسنة مسؤولي السلطة في الضفة الغربية عقب منح فلسطين عضوية بصفة مراقب في الأمم المتحدة، كما كان لها مفعول السحر لدى الفئة التي تبحث فقط عن مناسبة للاحتفال، وعن أي إنجاز حتى لو كان معنوياً ومتواضعاً لتنفخ فيه وتخلع عليه أوصاف المعارك الدبلوماسية، ثم تجعل من يوم التصويت على القرار مناسبة وطنية ينبغي الاحتفاء بها كل عام من الآن وصاعدا!

إن كان لنا أن نتجاوز عن الاعتبارات السياسية السلبية التي تحدث عنها الكثير من المحللين، وإذا ما اعتبرنا أن الحصول على العضوية غير الكاملة في الأمم المتحدة هو إنجاز حقيقي كونه يفيد في بعض الجوانب خصوصاً ما يتعلق بإمكانية مقاضاة الاحتلال لدى محكمة الجنايات الدولية على جرائمه (القادمة)، إلا أن الامانة واحترام الذات ثم الجمهور كانت تقتضي من مسؤولي السلطة ألا يبالغوا لهذا الحدّ في تمجيد الخطوة وإيهام الناس بأنها انتصار حقيقي، وأن هناك دولة بالفعل قد نالها الفلسطينيون بمجرد التصويت على الطلب!

لن يتغير أي شيء على الأرض تبعاً لهذه الخطوة، ولن تنجح أية جهة عالمية في إجبار الاحتلال على تفكيك مستوطنة واحدة ولا حتى رفع حاجز من الضفة الغربية، وليس هناك من سيلزم إسرائيل بالعودة إلى طاولة المفاوضات؛ على اعتبار أن هذه هي الغاية القصوى التي تسعى لها سلطة الضفة كما يبدو، وعند بلوغها فلن تتورع عن إتخام وعينا بوجبة جديدة من الأكاذيب حول إنجازها التاريخي الثاني!

إن المأزق السياسي الذي وجدت السلطة نفسها فيه بعد انتصار المقاومة في غزة يدفعها تلقائياً إلى الاستماتة في محاولات جلب الأضواء لنفسها، والحديث عن (مكتسبات) حققتها عبر ما تسميه نضالها السياسي، وهي اليوم حين تتحدث عن المصالحة إنما تتحدث عنها باعتبارها محطة للتوحد من أجل استكمال هذا الشكل من النضال الذي يبدو أن السلطة لا تجيد غيره وليست معنية بسواه!

هكذا جرى دائماً تمييع إنجازات المقاومة، وصرف الأنظار عن كارثية الخيارات البديلة لها، لكننا واثقون أن الأمر لن ينجح دائما، فهذه المرة ما زالت كلمة المقاومة هي الأعلى وهي التي باتت محلّ إجماع شعبي غير مسبوق، وإن كان هناك مجال لتوافق فلسطيني في هذه المرحلة، فلا بدّ أن يكون توافقاً وطنياً لا سياسيا، أي أن واقع السلطة ينبغي أن يكون هو جوهر الحوار، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة إلزامها بإعادة النظر في ارتهاناتها والتزاماتها الأمنية المختلفة، وبالكفّ عن استدعاء خيار المفاوضات وفقاً لمزاجها وتكتيكاتها المفترضة.

وإن كان قد غدا للفلسطينيين دولة بالفعل فلا بد أن يكون (دستورها) الوطني أول ما يتم بحثه، ولا بد من الانطلاق من مرجعية وطنية واضحة وشاملة وممثلة للكلّ الفلسطيني، وإلا فليستكمل كلّ فريق مساره منفرداً ولنترك للتاريخ أن يقرر من ذا الذي يسطّر الإنجازات ويتقدّم بالقضية ويصنع لحظات الانتصار الحقيقية!