القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

«صفقة القرن» والقضايا الفلسطينية الجوهرية

«صفقة القرن» والقضايا الفلسطينية الجوهرية


نبيل السهلي

بات من شبه المؤكد طرح التفاصيل المفترضة لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية في الشرق الأوسط المعروفة بـ «صفقة القرن» في بداية العام المقبل 2020 ، أي بعد الانتخابات الإسرائيلية المزمعة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الجاري. وستعمل إدارة ترامب خلال فترة استعداد «إسرائيل» للانتخابات الجديدة، على إقرار بعض القرارات الهامة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وسيكون أبرزها وضع السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وكذلك توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي تستضيفهم.

أجندة الصفقة

توضحت ملامح صفقة ترامب، بعد تصريحات عديدة من أركان إدارته، حيت تنص بنودها على أن البلدة القديمة في القدس ستكون تحت السيادة الإسرائيلية، ولكن ستكون هناك إدارة مشتركة مع الفلسطينيين والأردن، كما تشير الخطة إلى أن «معظم المناطق العربية» في القدس الشرقية ستكون تحت السيادة الفلسطينية. أما بخصوص المستوطنات في الضفة الغربية، فسيتم ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، بينما سيتم إجلاء أو تجميد بناء المستوطنات المنفردة.

وستتضمن الصفقة حل أمريكي للقضية الفلسطينية، عبر توفير أرض بديلة في شبه جزيرة سيناء لتُقام عليها دولة للفلسطينيين، وهو ما يرفضه الفلسطينيون. فالجانب الإسرائيلي يرفض حل الدولتين على أرض فلسطين التاريخية بل ويرى أن تلك الأرض لا تكفيه، وأنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.

واللافت أنه يأتي ذلك بعد إعلان إدارة ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وقطعها التمويل المالي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فضلاً عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن خلال العام الماضي 2018.

توطين وإعادة تهجير

أما جوهر الصفقة فيتعلق بملف توطين اللاجئين الفلسطينيين داخل الدول العربية، خاصة الأردن وسوريا ولبنان، ولهذا ثمة ضغوط على الدول العربية، وخاصة الأردن لوضع آليات تنفيذ على الأرض، بعد حصر أعداد اللاجئين وكيفية تغطية النفقات المالية واللوازم الأخرى التي تحتاجها الدول المستضيفة للإشراف على ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين. ويبدو أن الخطوة الأمريكية المقبلة المتمثلة بطرح وترسيخ التوطين هي جوهر وركيزة «صفقة القرن» التي تكثف الحديث عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

برزت مشاريع توطين عديدة بعد اتفاق إعلان المبادئ في أيلول / سبتمبر 1993، كان من أخطرها خطة أمريكية لتوطين خمسة ملايين فلسطيني في دول الشرق الأوسط والعالم، حيث أشارت الخطة إلى حلول لتوزيع حوالي خمسة ملايين فلسطيني في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وذلك حين طرحت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في مفاوضات الحل النهائي التي تتضمن قضايا جوهرية أخرى. وقال تقرير أمريكي استند في أهم إحصاءاته ومعالجته هذه القضية الشائكة إلى كتاب أشرفت على إعداده وطرحه في الأسواق الأستاذة الأمريكية في القانون الدولي في جامعة سيراكوز في ولاية نيويورك دونا إيرزت المهتمة بالصراع العربي – الإسرائيلي. وقال التقرير إن هناك خمسة ملايين و357 ألف فلسطيني في العالم من أصل 6 ملايين و275 ألفاً و800 نسمة، سيجري توزيعهم على دول المنطقة وبعض عواصم الغرب كحل نهائي للصراع العربي- الإسرائيلي.

فالأردن الذي يضم العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين البالغ مليوناً و832 ألفاً في بداية التسعينيات من القرن الماضي، سوف يكون مطالباً باستيعاب 168 ألفاً خلال سنوات، وليصبح العدد الإجمالي لديه مليونين، وفيما سوريا سترفع عدد لاجئيها الراهن من 325 ألفاً خلال الفترة المذكورة إلى 400 ألف، أي بزيادة 75 ألفاً، فإن لبنان سوف يكون مضطراً للاحتفاظ بنحو 75 ألفاً من أصل لاجئيه خلال الفترة ذاتها.

ووفق التقرير المذكور، سوف يفرض على إسرائيل إعادة 75 ألف لاجئ فلسطيني من الدول العربية ضمن حق العودة لمن أمكنهم أن يثبتوا أنهم سكنوا فلسطين قبل النكبة عام 1948، ومن لهم أقارب اليوم في الأراضي المحتلة. واقترح التقرير أن تمنح دول عربية أخرى المواطنية لنحو 519 ألف فلسطيني آخر يضافون إلى العدد الموجود لديها. أمّا دول الغرب وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فسوف يكون عليها تحمل عبء هي الأخرى، حيث يقترح التقرير أن تستوعب 90 ألف فلسطيني لاجئ بالإضافة إلى الذين لديها وليصبح العدد النهائي 542 ألفاً.

إغراءات مالية

وبالنسبة إلى فلسطينيي الضفة فإن الهدف المستقبلي هو زيادة عدد سكانها، وذلك عبر استقدام مقيمين في لبنان ودول أخرى، وعبر نقل 350 ألفاً من سكان القطاع أيضاً، وتعتبر عملية إعادة ونقل وتوطين الملايين الخمسة من الفلسطينيين المشروع الأضخم في التاريخ الحديث. واقترح التقرير الأمريكي أن تشارك دول الغرب وبعض الدول العربية في توفير الموارد المطلوبة لمهمة إعادة توزيع الفلسطينيين في العالم. وأما بالنسبة إلى مسألة تعويض الفلسطينيين الـ75 ألفاً، الذين يحصلون على حق العودة وفق التقرير في إطار التسوية الشاملة، فإن إسرائيل سوف تدفع هذه التعويضات، وذلك عبر التعويضات التي تطلبها من بعض الدول العربية مقابل أملاك اليهود الذين غادروها منذ احتلال فلسطين.

الثابت هو وجود مشروع توطين تملكه إدارة الرئيس ترامب ويقضي بتوطين أعداد من اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقاماتهم المؤقتة في الدول العربية المضيفة مع إغراءات مالية لتلك الدول بمليارات الدولارات تساهم بنحو (70) في المئة منها دول النفط العربية، في حين تساهم دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا بنسبة (30) في المئة، وما لا يمكن استيعابه من أعداد اللاجئين الفلسطينيين تتولى المفوضية تدبير هجرة الفائض منهم إلى مناطق جذب اقتصادي مثل كندا واستراليا وبعض الدول الأوروبية.

وبذلك يتم طي صفحة اللجوء الفلسطيني وحصر المسؤولية عن اللجوء بالمفوضية العامة لشؤون اللاجئين، لكن في مقابل ذلك هناك رفض فلسطيني شعبي وفصائلي للصفقة وبنودها، الأمر الذي يؤكد فشل تعميـمها وسـقوطها في المهد.