صنّاع تصريح بلفور
ظاهر صالح
ذكر برفسور التاريخ
اليهودي ماير فيرتي في تحليله عن صناع تصريح بلفور في بحث عام 1970، بريطانيا أرادت
فلسطين، أرادتها بقوة لمصالحها الخاصة، وليست الصهيونية من جلبتهم إلى هذا البلد. ويضيف
بأنه لو لم يكن الصهاينة موجودين في تلك الأيام، لكانت بريطانيا قد اخترعتهم!
لقد اعترف وايزمن
في وقت لاحق بأن بريطانيا هي التي حركت الصهيونية، حين قال: ألم تكن الحكومة البريطانية
هي التي كانت تشجعنا في ذلك الوقت 1917 – 1918، وهي التي كانت تشجعنا على أن يكون الانتداب
لبريطانيا العظمى، لست أبالغ في هذا، بل هم الذين شجعونا على أن نجلب شعبنا، وشجعونا
على إخراج أفضل ما لدينا؛ لأننا وثقنا بكلمة بريطانيا، وهي بالنسبة لنا الصخرة التي
سنبني عليها فلسطين.
لقد استغرق أمر
الصياغة للتصريح عدة أسابيع من المفاوضات من قبل لجنة من الصهاينة واستشاروا أيضًا
البريطانيبن في الحكومة ومن أهمهم مارك سايكس ورونالد جراهام، حيث ساهم كلاهما في صياغة
المسودة قبل تقديمها إلى بلفور رسميًا في 18 يوليو (تموز) 1917، كانت نصوص الحركة الصهيونية
تذكر كلمات مثل: المنظمة الصهيونية، الاستعمار، والحكم الذاتي للصهاينة تحت الانتداب..
وهي كلمات اختفت مع التعديلات البريطانية!
من المفارقات أن
واحدة من مسودات تصويح بلفور التي كتبتها الحركة الصهيونية بخط اليد على ورق فندق إمبيريال
في لندن، عرضت في المزاد العلني في نيويورك عام 2005 بقيمة تجاوزت 800 ألف دولار.
نص الرسالة الرسمية
من اللورد روتشيلد
إلى آرثر بلفور في 18 يوليو 1917 مؤكدًا: أنني أخيرًا باستطاعتي إرسال النص الذي طلبته،
وأنه إن أمكن للحكومة أن ترسل لي رسالة ضمن الخطوط أدناه بعد الموافقة من الحكومة ومنك.
فإنني سأسلمها للاتحاد الصهيوني، كما جاء في مقدمة الرسالة، وأن المعارضين للصهيونية
من اليهود البريطانيين، خصوصًا قد بدأوا حملة واسعة ضد وطن قومي لليهود الصهاينة في
فلسطين.
والجدير بالذكر
أن الإشارة الأخيرة حول المعارضة اليهودية للصهيونية قبل إصدار التصريح، هو أمر تحاول
الحركة الصهيونية دائمًا طمسه منذ تأسيسها وحتى اليوم، فاليهود الذين يقفون ضد الصهيونية
بالمرصاد يضعون الصهيونية في مأزق يصعب عليها الخلاص منه.
وقد عدّل بلفور
وعدد من المساعدين البريطانيين للويد جورج نص التصريح، وتم مناقشته مع الحركة الصهيونية
قبل عرضه أول مرة على مجلس الوزراء البريطاني، ومن الذبن ثبت مساهمتهم في إدارة لويد
جورج في تحرير نص التصريح السياسي ألفريد ميلنر الذبن كان الساعد الأبمن للويد جورج
خلال 1916 و 1918، والسياسي البريطاني الاستخباراتي والصحافي ليو آميري المولود في
الهند لأم يهودية، والذي كان يعمل في سكر تاريا لويد جورج وهو من شجّع الصهيوني زئيف
جابوتنسكي على تأسيس فيلق يهودي مع الجيش البريطاني المتجه إلى فلسطين عام 1917، كما
تم إرسال عدد من المسودات عبر قنوات مكتب الحرب البريطاني إلى أمريكا، وبالتحديد إلى
اللجنة السياسية الصهيونية الأمريكية، وتم الاستفادة من ملاحظاتهم.
كتب ناحوم سوكولوف
في كتابه تاريخ الصهيونية أنه أثناء صياغة تصريح بلفور، أن كل فكرة تولد في لندن كانت
تختبر من قبل الحركة الصهيونية في أمريكا، وكل مقترح من أمريكا يلقى اهتمامًا شديدًا
في لندن، ولذلك لخص القيادي الصهيوني ستيفن وايس أن تأليف تصريح بلفور لم يكن فرديًا،
بل جماعيًا.
وعرضت مسودات التصريح
على حكومة الحرب البريطانية آنذاك في أربعة اجتماعات عقدت خلال سبتمبر – أكتوبر
2017، وقرأ آرثر بلفور على مسامع الحاضرين في أحد الاجتماعات رسالة كامبون أية رسالة
الخارجية الفرنسية للصهيونية التي صدرت في يونيو.
كان هناك اعتراضات
قوية من قادة يهود بريطانيبن معارضين للصهيونية على فكرة ونص التصريح، ثم التعبير عنها
في جميع الاجتماعات التي نُوقش فيها نص التصريح وفي 6 أكتوبر أرسل نص تصريح بلفور المقترح
لتسعة يهود، ستة صهاينة منهم صموئيل ووايزمن وسوكولو وروتشيلد أي من شاركوا في صياغة
التصريح وثلاثة يهود ضد الصهيونية لطلب ملاحظاتهم مكتوبة.
كتب اليهود غير
الصهاينة والمعارضون للصهيونية بكل قوة واقتدار، منهم الرابي والسياسي والأكاديمي اليهودي
البريطاني والقيادي في مجلس اليهود البريطانيبن فيليب ماجنس الذي كتب رسالة طويلة جاء
فيها: أن اليهود لايجمعهم إلاّ الدين، ليسى لديهم آمال قومية تجاه أرض (إسرائيل)، وبالتالي
فإن فكرة وطن قومي لليهود غير مرغوبة وغير دقيقة.
وتم تجميع الملاحظات
في داخل وزارة الخارجية البريطانية، لكن الصوت غير الصهيوني لم يشمل ثقلًا حقيقيًا
في تغيير وجهة نظر بريطانيا حول إصدار التصريح وجوهره، كما تم طلب مشورة الرئيس الأمريكي
مرتين على مسودات نص التصريح خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 1917، في المرة الأولى قال الرئيس
الأمريكي: إن الوقت ليس ناضجًا للإعلان، ثم وافق عليه في المرة الثانية طالبًا أن تبقى
معلومة اطلاعه على نص التصريح سرية لا علنية! إلاّ أن بلفور أعلم حكومة الحرب البريطانية
في الاجتماع أن الرئيس الأمريكي مؤيد للتصريح، وأنه أرسل برقية بموافقته على نص تصريح
بلفور يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1917، وتم تدوين ذلك في محضر الاجتماع.
المصدر: ساسة
بوست