القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

طارق مصطفى يحكي عملية الأوّلي البحرية

طارق مصطفى يحكي عملية الأوّلي البحرية

بقلم: أحمد الحاج

ذهبوا ليعانقوا ظهر أرض وطنهم، فاحتضنتهم بأحشائها سنوات قبل أن تُخرجهم إلى أهلهم، وقد اطمأنّت بهم، واطمأنوا لمستقبل الطريق الذي خطّوه نحوها. خرجوا مقاومين من مخيم برج البراجنة لقتال الاحتلال الصهيوني، فعادوا مقاومين شهداء في عملية تبادل الأسرى. فتحي خليل ضاهر، نسيم حسين بيرقجي وعماد محمد شحيبر. ثلاثة من الشهداء كان مخيم برج البراجنة في استقبالهم، يستذكر أياماً خوالي كانت فلسطين كلها ووحدها هي الهدف، وهي الممرّ إلى الوحدة، حنين إلى أمجاد أيام كانت المقاومة هي الهوية، حتى تماهت مع كلمة فلسطيني.

عملية الأولي

طارق مصطفى، الأسير في عملية الأولي عام 1984، جاء ليشارك في جنازة من سقط معه في تلك العملية الشهيد فتحي خليل ضاهر. العديد من الصحف اللبنانية والفلسطينية والعربية طلبت من مصطفى أن يحدّثهم عن تلك العملية وتفصايلها، رفض ذلك تماماً "فلا يمكن أن أقبل على نفسي بأن أواجه الإعلام لأتحدّث عن بطولات صنعها شهداء تلك العملية بشكل أساسيّ”. التقينا طارق مصطفى فوافق على الحديث، بشرط أن يغفل قدر المستطاع الحديث عن دوره في تلك العملية، رغم أنه أصيب خلال تنفيذها واعتُقل.

يبدأ مصطفى بالحديث عن الاجتياح الإٍسرائيلي لجنوب لبنان، وخروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان، وما خلّفه ذلك من مرارة على جيل بكامله. وتفجّرت تلك المرارة غضباً في أوساط الفلسطينيين في لبنان بعد مجزرة صبرا وشاتيلا في 16/9/1982. شهداء كثر سقطوا من مخيم البراجنة على جبهات المتحف، المطار، خلدة وغيرها. كل تلك الظروف، إضافة إلى الكره الفطري للاحتلال، خلقت حالة لدى الفلسطينيين بضرورة الردّ، وإثبات أن طريق الثورة ما زال هناك من يسير عليه، واثقاً من الوصول. ثلة من أبناء مخيم برج البراجنة بدأوا يتدرّبون على السلاح وينتظرون أمر القيادة للإبحار إلى فلسطين؛ محمد زهير غندور، طارق مصطفى، فتحي خليل ضاهر، إضافة إلى الفرنسية فرانسواز هنري كستيمان وقائد العملية البطل السوري سمير أدهم البسري من الحسكة.

شرعوا جميعهم بالتدريب في البحر؛ الغطس، قيادة الزوارق، إنقاذ الغرقى، دورة في الإسعافات الأولية، إطلاق النيران والقذائف الصاروخية. حُدّد الهدف في مستعمرة "بيتاح تكفا” وهي التي تضم مركزاً للتحقيق مع المناضلين، وسجناً لاعتقالهم. التاريخ المقرّر كان 16/9/1984، في الذكرى الثانية لمجزرة صبرا وشاتيلا. صعدوا إلى الزورق، فخذلهم الموج العالي. تأجلت العملية أسبوعاً آخر.

في 23/9/1984 أبحر الأبطال الخمسة من منطقة الروشة، كان فتحي يضحك أكثر من الجميع، وكأنه ذاهب إلى عرسه. سار المركب لساعات ببطء، حتى لا يفطن العدوّ لتحرّكهم، أو ربما يستيقظ الموج فيخذلهم مرة أخرى. وصلوا إلى حدود منطقة الصرفند في جنوب لبنان. وكان الاحتلال ما زال جاثماً على أبواب بيروت. عادوا، لكنهم أبوا العودة من حيث انطلقوا، فلهفة الثأر والالتحام مع العدو جعلتهم ينزلون بقرب موقع الاحتلال في الأولي، على الحدود الشمالية لصيدا.

مباشرة، أطلقت المجموعة قذيفة بـ 7 باتجاه الموقع الإسرائيلي واشتبكت مع عناصره لساعات. قُتل جندي من جيش لحد، وجُرح ثلاثة جنود إسرائيليين من بينهم قائد موقع الأولي. على الجانب الفلسطيني سقط قائد العملية سمير البسري وكذلك الفرنسية فرانسواز كستيمان. أما فتحي خليل ضاهر فظل يقاتل حتى أفرغ ثلاثة جنود أسلحتهم الرشاشة بجسده، وسقط في نهر الأولى شهيداً. طارق مصطفى ومحمد غندور أُصيبا قبل أن يُعتقلا. وأُفرج عنهما في عام 1985 في إطار صفقة تبادل للأسرى.