عدم بدء إعمار غزّة قد يدفع حماس إلى
الحرب مجدّداً
عدنان أبو عامر
لم يتعاف الفلسطينيّون في غزّة من جراح الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لا
سيّما عشرات الآلاف منهم ممّن هدمت منازلهم، ولم يتمكّنوا من بنائها مجدّداً، وهم
لا يزالون في مراكز الإيواء. كما أنّ المعابر على حالها، لم يطرأ عليها تحسّن،
والفلسطينيّون في القطاع المحاصر لم يشعروا بأنّ بنود اتّفاق وقف إطلاق النار دخلت
حيّز التنفيذ على الأرض.
تباطؤ الإعمار
في ظلّ هذه الظروف الآخذة في التدهور في غزّة، خرجت تصريحات متوالية
لقادة كبار في حماس، يهدّدون بإمكان انفجار الوضع في غزّة بسبب عدم تطبيق اتّفاق
وقف إطلاق النار، سواء في ما يتعلّق بعدم البدء بإعادة الإعمار، أم استمرار إغلاق
المعابر، وعدم تسوية موضوع موظّفي غزّة في صورة نهائيّة.
وقد ورد التهديد الأبرز على لسان القيادي الكبير في حماس محمود الزهار في
حديث صحافيّ في 27 تشرين الأوّل/أكتوبر، حين ألمح إلى إمكان العودة إلى القتال مع
إسرائيل، إذا استمرّت في التلكّؤ في الاستجابة إلى المطالب الفلسطينيّة، محمّلاً
إيّاها المسؤولية عمّا اعتبره أيّ خلل في الوضع الأمنيّ الحاليّ.
وأوضح نائب رئيس المكتب السياسيّ لحماس موسى أبو مرزوق، في حوار صحافيّ
في 21 أيلول/سبتمبر أنّ الحركة لا تريد حرباً أخرى مع إسرائيل، لكنّ مزيداً من
القتال سيصبح لا مفرّ منه ما لم يتمّ إنهاء إغلاق المعابر الحدوديّة لغزّة مع مصر
وإسرائيل، على الرغم من أنّهم لا يريدون العودة إلى الحرب.
وقد صعّدت حماس من لهجتها تجاه ما تعتبره تباطؤاً في إعادة إعمار غزّة
بعد الحرب الأخيرة، خصوصاً مع حلول فصل الشتاء، وتضرّر بعض المناطق التي اجتاحها
الجيش الإسرائيلي، خصوصاً خزاعة جنوب قطاع غزّة. ونظّمت في 5 تشرين الثاني/نوفمبر
مسيرة حاشدة أمام مقرّ الأونروا في غزّة، حضرها "المونيتور"، وردّد
أنصارها هتافات ضدّ الخطّة الدوليّة للإعمار، واعتبروها سياسة إذلال للفلسطينيّين.
لكنّ الملفت في التخوّفات من انفجار الموقف في غزّة، ما ورد على لسان
مدير عمليّات الأونروا في غزّة روبرت تيرنر في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، حين حذّر من
اندلاع حرب جديدة إذا استمرّ الحصار، وعدم البدء في إعادة الإعمار، وتزايد الإحباط
واليأس والغضب لدى الفلسطينيّين.
ودعا عضو المكتب السياسيّ لحماس خليل الحية، في ندوة في مخيّم النصيرات
في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أصحاب المنازل المدمّرة إلى الثورة الشعبيّة، والمطالبة
بحقوقهم، وحمّل مسؤوليّة تعطّل الإعمار لإسرائيل، والسلطة الفلسطينيّة والأونروا،
وحذّرها من انفجار شعبيّ.
على الصعيد الميدانيّ، لاحظ "المونيتور" أنّ حماس دأبت خلال
الأسابيع التي تلت انتهاء الحرب الأخيرة على إقامة احتفالات شعبيّة لتكريم عائلات
شهداء الحرب، كان آخرها احتفال نظّمته في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، في حضور معظم
قادتها الكبار.
وفي الاحتفال ذاته، أكّد متحدّث عسكريّ باسم كتائب القسّام أنّ سلاحها في
خير، وهي مستعدّة لمواجهة إسرائيل، التي تحاول سرقة فرحة النصر من الشعب
الفلسطينيّ، بتأخير إعادة إعمار غزّة وتعطيله.
وحضر "المونيتور" احتفالاً لحماس في منطقة جباليا شمال القطاع
في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، تخلّله تخريج كتائب القسّام الفوج الأوّل من الجيش
الشعبيّ، بمشاركة 2500 شابّ، استعرضوا فنونًا عسكريّة، وقاموا بتدريبات على تفكيك
أسلحة خفيفة.
وقال أحد قادة حماس شمال القطاع محمّد أبو عسكر لـ"المونيتور"
إنّ "تخريج هذا الفوج يأتي لأنّهم على يقين بأنّ معركة التحرير مقبلة، وأنّ
اللقاء مع العدوّ الإسرائيلي وجهاً لوجه أصبح وشيكاً".
تسخين الجبهة
أمّا إسرائيل فوجّهت اتّهاماً لحماس بأنّها تجري تجارب بإطلاق صواريخ من
غزّة في اتّجاه البحر للمرّة السادسة منذ انتهاء الحرب أواخر آب/أغسطس الماضي، كان
آخرها في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، واعتبرته خرقاً لوقف إطلاق النار.
وفي وقت لاحق في الأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر، سقطت قذيفة صاروخيّة من
غزّة في اتّجاه جنوب إسرائيل، ردّت عليها الأخيرة بإغلاق معبري كرم أبو سالم
وإيريز جنوب قطاع غزّة وشماله.
وبصورة لافتة، عاد الطيران الإسرائيلي للتحليق بطريقة مكثّفة في الأيّام
الأخيرة في سماء قطاع غزّة، ممّا ذكّر الفلسطينيّين بأجواء الحرب.
وقال قائد ميدانيّ في كتائب القسّام فضّل عدم الكشف عن اسمه
"للمونيتور": "الكتائب على أتمّ الجهوزيّة لكلّ الاحتمالات لأيّ
مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، وللتصدّي لأيّ عدوان يفرض على غزّة، واتّفاق وقف
إطلاق النار لا ينصّ على عدم إجراء تجارب صاروخيّة أو ترميم قدراتنا العسكريّة،
فلدينا كامل الحقّ بأن نتجهّز لأيّ مواجهة مقبلة من خلال هذه التجارب".
لكنّ تزايد تهديدات حماس بإمكان العودة مجدّداً إلى المواجهة المسلّحة،
لم يلق موافقة كاملة من أوساطها القياديّة، حيث التقى "المونيتور" عدداً
من كوادرها، ممّن طلبوا عدم كشف أسمائهم، وأعربوا عن "قلقهم من إمكان اندلاع
مواجهة جديدة، لا تبدو الحركة جاهزة لها، والرأي العام الفلسطينيّ لا يريد حرباً
جديدة، والإقليم مواقفه معادية لحماس".
لكنّ القياديّ البارز في حماس أحمد يوسف، كان الأكثر صراحة حين أكّد في
حوار صحافيّ في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ إعادة الإعمار في غزّة تتطلّب
سدّ باب الذرائع الإسرائيلية من خلال تعليق العمل المسلّح سنوات عدّة، والتفرّغ
لإخراج الناس ممّا حلّ بهم جرّاء العدوان الإسرائيلي، لأنّ المرحلة المقبلة ليست
لقرع طبول الحرب، بل لجهود الإعمار وإعادة البناء.
كما استبعد وكيل وزارة الخارجيّة في غزّة غازي حمد، في حوار مع
"المونيتور" وصول الوضع في غزّة إلى حرب جديدة، مضيفاً: "لكنّ
تعثّر مسيرة الإعمار في القطاع، وعدم الإسراع فيه، قد يولّدان ردود أفعال غاضبة،
وحالة توتّر واحتقان، لكنّ ليس بالضرورة أن نصل إلى مرحلة الحرب المفتوحة".
وطالب حمد، وهو من الشخصيّات المعتدلة في حماس، بـ"ضرورة تحرّك
المجتمع الدوليّ لتسهيل فتح المعابر وإعادة الإعمار"، مشيراً إلى "وجود
أطراف تعرقل هذه الحلول تحت مسميّات غير مقنعة، خصوصاً أنّ العامل الإقليميّ
والتوتّر الحاصل في الدول المجاورة لفلسطين قد يمنحان إسرائيل مظلّة للاستفراد
بالفلسطينيّين في غزّة".
المونيتور، 11/11/2014