عدوى سرطان الجدران
بقلم: بسام صالح
في الزمن الغابر،
وخوفا من الغزوات الخارجية، اقامت المدن اسوارا تحيط بها من الجوانب الاربعة. فهناك
سور عكا الذي شكل قلعة صمدت امام الغزوات البربرية وعجز نابليون عن دخولها ورمى طاقيته
وهو يقول لتدخل طاقيتي حيث عجز نابوليون. وهناك سور الصين العظيم، وكانت معظم المدن الايطالية تملك اسوارا تحيط بها
اصبحت مجرد اثار لتاريخ مضى واندثر. وهناك العديد من بلدان العالم شيدت هذه الاسوار
في زمن لم يعرف معنى الطيران والصواريخ فكانت تحمي سكان تلك المدن، ولكن ذكاء المحاربين
القدماء من الاغريق قدموا للعالم تجربة اخرى بما يعرف بحصان طروادة والذي غدى مثلا
يذكر في حالات الغدر والخيانة.
وفي العصر الحديث
فرضت القوى النافذة في هذا العالم اسوارا جديدة
ثقافية واقتصادية واجتماعية، لتفصل بين الطبقات الاجتماعية او بين شعوب ما يسمى بالعالم
المتحضر وشعوب العالم الثالث او ما يطلقون عليها ادبا الدول النامية على طريق التطور.
وكان هناك حائط برلين الذي فصل المانيا الاتحادية عن المانيا الشرقية التي كانت تدور
في فلك موسكو، واحتفل العالم قبل اكثر من عشرين بتحطيم هذا الجدار واستعادة المانيا
لوحدتها.
وبينما عالم النفاق
الغربي كان يحتفل بسقوط حائط برلين، وانتهاء حقبة من تاريخ الانسانية، وبدء مرحلة العولمه،
كان هناك من بدأ بتشييد جدار اخر جدار الفصل العنصري، النفاق الغربي لم يفتح فمه بكلمة
ضد هذا الجدار بحجة انه جدار امني لحماية الاسرائيليين من "الاعتداءات" الفلسطينية.
ونسي او تناسى وتجاهل ان حربتهم الامامية اسرائيل هي من احتل ارض الفلسطينين وشردهم
تحت ارهاب السلاح والمجازر بعيدا عن ارضهم وبيوتهم واملاكهم.
اليوم يبدو ان
العديد من الدول بدأت باقامة الجدران الفاصلة بتطبيق النموذج الاسرائيلي وحججه الباهية،
فالولايات المتحدة الامريكية، اقامت سورا عازلا على طول الحدود مع المكسيك، واسرائيل اقامت اسوارا على الحدود مع لبنان خاصة
عند بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني. واقامت سورا اخر على حدودها مع مصر في سيناء.
وهناك من تحدث عن سور بحري في مياه غزة الفلسطينية.
سرطان الاسوار
والجدران وصل الى لبنان، وليس لاقامة جدارا لحدوده مع دولة مجاورة، وانما ليقيمة على
جزء من اراضه ليفرض طوقا مغلقا على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، والسبب حسب
ما تقوله السلطات اللبنانية هو لاسباب امنية !!! قد نفهم الاشكاليات التي تعرض ويمر
بها هذا المخيم، ولكننا لا نستطيع ان نفهم اقامة مثل هذا الجدار الذي يضيف اشكاليات
جديدة بدلا من العمل على حلها بفتح المجال امام اللاجئين كبشر اولا بحقهم بحياة كريمة
وفتح مجالات العمل وحق التملك امامهم للخروج من حالة الفقر والعطالة الدائمة عن العمل،
فالفلسطينيين في لبنان لا يريدون ولا يرغبون بالتوطين في هذا البلد الشقيق، فهم يعشقون
بلدهم فلسطين ويحلمون بتحقيق حقهم بالعودة
الى وطنهم وبلادهم وبيوتهم التي ارغموا على الخروج منها.
نتساءل كغيرنا
لماذا هذا التضييق على الفلسطينيين في لبنان ونتساءل ايضا لماذا الصمت على اقامة مثل
هذا الجدار الذي يغلق المخيم الفلسطيني ليصبح شبيها بمعسكرات النازية؟ اين الاحزاب
اللبنانية التي تتغنى باسم فلسطين والقضية الفلسطينية ؟ الحجج الامنية الواهية في بلد
تخترقه مختلف اجهزة الاستخبارات في العالم، هل انحسر امن لبنان بمخيم فلسطيني يشار
اليه باصبع الاتهام المتهم بانه بؤرة لعدم الاستقرار في لبنان؟
ونتساءل ايضا عن
مصير الاتفاقات او التفاهمات الامنية الفلسطينية اللبنانية لحفظ سلامة وامن المخيمات؟
وهل يتوجب علينا ان نستذكر ونذكر ما حدث في مخيم نهر البارد، بعد تدميره بالكامل وكيف
فرض على اهل المخيم ومن يزورهم ان يقدم طلبا لقيادة الجيش اللبناني للسماح بالدخول
او الخروج من المخيم؟ ومازالت نفس الاجراءات تفرض على المتضامنين الدوليين الذين يقومون بزيارة المخيم وكاننا نعيش
في دولة داخل الدولة . انه لمن المخجل ان ان تصبح للمخيمات حدود وهي لا تزيد عن كيلومتر
مربع يكتظ بها عدد السكان لدرجة لا تطاق ولا يتحملها انسان.
نقولها باعلى الاصوات
وبملىء الحناجر كفى ظلما واضطهادا بهذا الفلسطيني الذي يصحوا وينام ويموت وبجانبه مفتاح بيته في فلسطين ليتركه ورثة لابنائه واحفاده. اننا نستهجن ان تتعامل
الحكومة اللبنانية مع التواجد الفلسطيني كملف امني كما تتعامل اسرائيل مع الفلسطينيين
كمسألة امنية فقط . شعبنا الفلسطيني في لبنان لن يقبل باي بديل عن العودة الى فلسطين،
وعندها سنترك لكم مخيماتنا حدائق تملؤها الازهار والرياحين. شاكرين لكم استضافتكم الطويلة
والتي لم تكن ابدا خيارنا بل ارغمنا عليها الزمن.