عساف سفير فلسطين... من المخيم للعالمية
بقلم: احمد حنون
لم تكن الرحلة سهلة ولم تكن الطريق ممهدة معبدة،
كانت قاسية وصعبة بصعوبة فصول النكبة التي استمرت على الشعب الفلسطيني، لم يكن حلمه
وطموحه يتجاوز اسوار غزة المحاصرة او الضفة المغلقة او القدس المعزولة، باحثا عن فرصة
يحظى بها ليثبت قدراته او جهة ترعى صوته الرائع، محمد عساف نال بجدارة لقب محبوب العرب
مدعوما بأكثر من 60 مليون صوتا كأعلى اصوات ممكن يحظى عليها اي رئيس بالعالم، ترسم
بحفر غائر لحنا امميا يحكي ملحمة اللجوء والتشرد والنكبة وتعزف موسيقى المخيم الذي
يعاني، و الذي كان الرئيس الراحل ابو عمار يتغنى به وببطولاته من مخيم جنين جراد الى
مخيم رفح جراد وبمخيم بلاطة مخيم الحصار الذي قال وصفه الرئيس ابو عمار بعد حصار طويل
لمخيم بلاطة سنة 1986 بان شدودوا الحصار على الحصار وجباليا وليس حصرا، ووصولا الى
مخيمات لبنان وغيرها التي شكلت رصيد القضية الدائم وعنوان معركة الوعي و الذاكرة والتطهير
العرقي، في مواجهة حرب الاسرلة والتهويد، تعزيزا لحكاية الصمود والتحدي والحفر بالصخر
حتى بزوغ الشمس، ويحكي للقمر كل امنياته وذكريات الوطن الجميل قبل ان يتحول المخيم
وتتحول غزة الى ملحمة وطنية في وجه المحتل،ليجسدها محمد عساف ابن 23 ربيعا من مواليد
1/9/1990م, يدرس الصحافة في جامعة فلسطين، باغانيه الوطنية ليغني للكوفية والحرية والنصر
ولغزة وللقدس والاسرى واللاجئين والعرب والوحدة الوطنية، ليصبح نجما فنيا واعلاميا
ووطنيا، ومع ذلك فانه مطلوب ان تمهل ولا نتوقع من عساف كل شيء فهو مثلنا قد فوجيء بالنقلة
التي حدثت بحياته وارجو ان لا نحمله اكثر مسؤوليات اكبر وان نتمنى النجاح خالصا له،
وان ننشغل في بانتاج محمد عساف جديد في كافة الميادين.
تاخر بدراسته شأنه شأن ابناء المخيمات العصاميين
الذين كدوا وتعبوا الى ان تنفسوا الصعداء، بعد نضال طويل لاكمال تعليمه ولا زال، مثله
مثل الطلبة الذين يعملون فصلا ليدرسوا الفصل الدراسي الذي يليه، عساف الابن الأوسط
بين إخوته وهم أربعة بنات وثلاثة أخوة، لعائلة لاجئة تسكن في مخيم خانيونس، عائلة تعاني
من الفقر وصعوبة الحال تنتظر مساعدات الانروا.
وبذلك فان عساف يكون اول سفير فلسطيني من داخل المخيم
وللمخيم وليس سفيرا لفلسطين فقط وانما سفيرا للنوايا الحسنة للامم المتحدة، فهو بحق
طيب القلب وحسن النوايا، لم يكن ليصل اليها عساف لولا تميزه في برنامج عرب ايدول.
غراندي لعساف :"هذا السفير الرائع كل الصفات
به ويجب أن نكون فخورين لأنه الآن مشهور على مستوى العالم،ويجب أن نقول أن في هذا المكان
الصعب كل الأشياء ضد النجاح، في هذا المكان نجح محمد وأصبح مشهورا جداً، وأنا قلت لمحمد
إنه سيكون مدافع قوي عن اللاجئين.
صحيح ان عساف جاء في زمن الانقسام الفلسطيني لكن
كان مفعوله ساحرا في توحيد الفلسطينيين. ولعساف ثلاث بطاقة اللجوء التي حملتها عائلته
منذ 65 عاما والبطاقة التي منحه اياها الشاب الذي يذكر ويشكر رمضان ذيب ابو نحل الذي
يدرس الهندسة في مصر، آثره على نفسه فكان نعم الايثار، وبطاقة ثالثة ربما تكون الاولى
هو موهبة وصوت عساف.
تعدى عساف الفضاء الفني والفلسطيني فتحرك العرب
مناصرين ومساعدين، توكل كرمان، الناشطة الحقوقية والحاصلة علي جائزة نوبل للسلام: قالت
ان الفنان محمد عساف استطاع أن يوحد خلفه غزة والضفة وكل المدن الفلسطينية ويمكن القول
بإن الفن وحدهم بقدر ما فرقتهم السياسة.
ولا يمكن ان ننسى مواقف الفنان اللبناني الكبير
راغب علامة - الوطنية - صاحب مقولة الصاروخ لعساف والفنانة المحبوبة نانسي عجرم صاحبة
مقولة انا ساصوت لعساف،وفنانة الخليج الاولى احلام التي ارسلت تحياتها لفلسطين التي
انجبت عساف وكانت عواطفها وتعليقاتها وتشجيعها الكبير له، وكذلك الفنان حسن الشافعي
صاحب مقولة المسطرة الذي عدل على مقولة شرين عبد الوهاب التي قالت انه ظاهرة كل خمسين
سنة مرة لا يتكرر ليقول انه يأتي كل 500 سنة، اعلن عساف انحيازه للمخيم ولكل ماهو جميل
من الغناء العربي والوطني ملتزم رزين يشبه فناناتين كبار مثل كاظم الساهر وراغب علامة،
وعلى طريق الشاب خالد في العالمية الفنية، لكن الظروف تفرض عليه ان يكون اكثر من مطرب
ومغني وفنان في اطار العالمية ذلك لانه انسان يحمل معاناة شعب الخيام ولسان وطنه بالحرية
والعودة والاستقلال.
ولا يمكن ان ينسى ابناء شعبنا ما قاله
عساف:" بانه سيبقى فلسطيني وابن مخيم خانيونس
ولن يستطيع احد شرائه أو تغييره " كيف لا والمخيم الذي شكل ثقل النضال الوطني.
في حين لم يستطع الكاتب إلياس خوري المرتبط بالقضية
الفلسطينية الا ان يعلن بان " محمد عساف مناسبة لتذكيرنا بأن الحرية هي مرادف
للابداع، وان المقاومة ليست تجهما وسوداوية وشعارات فارغة ويأسا، بل هي افق تصنعه الكلمة
والموسيقى والحكاية.المقاومة فعل حرية، والمقاومون لا يستشهدون ويؤسرون الا ليقولوا
انهم "يستحقون الحياة".
لاول مرة اجد نفسي اتحدث عن نفسي واروي قصتي وانا
اكتب عن المخيم وعن حجم المعاناة التي واجهها عساف وحجم الصعاب التي تواجه ابن المخيم
في طريق تحقيق هدفه والوصول اليه، سوا من المنافسة الداخلية او المهارات التي يتطلبها
والصعوبات التي تعترض طريقه للنجاح ذلك لان الفرد والاسرة هم المسؤولون وحدهم عن تفوقهم
وعن تخطي الصعوبات، فالانتقال من النخبة الى المخيم الى المدينة للمحافظة او على مستوى
الوطن امر شاق ومحفوف بالصعاب، وان كانت هذه هي قصة نجاح تخفي خلفها جهد وكد وكدح،
افخر ان اسرد معاناة مشتركة يشترك فيها ابناء المخيم.
لقد شهد الجميع لعساف بأثر رجعي، لصبي لم يتجاوز
العاشرة من عمره على الغناء بهذه المقدرة، ليس فقط بصوته وانما بوصف عساف كشاهد على
المعاناة ليطرح قضيته قبل صوته كظاهرة شبابية في الوقت الذي يهمش فيه الشباب، وان وصول
عساف يعد اكثر صعوبه بسبب عدم وجود جهة ترعى وتساعد وتساند المتمييزين والموهوبين،
وبحق فانه لا بد ان تشكر شبكة MBC وطاقم برنامج ارب ايدرل، لان الوصول للشهرة لشاب من مخيم ليس بالامر السهل
فهناك تحديات كبيرة وعوائق وموانع تحول ولا تساعد على الوصول اضافة للمنافسة العالية
فما بالكم اذا كانت المنافسة على مستوى الوطن العربي بكامله، برنامج مسابقات غنائي
حظي بما حظي به من تغطية اعلامية وصلت العالمية فتحدثت عنه وعن موهبته صحف ومحطات غربية
وحتى القنوات الاسرائيلية تناولته كظاهرة فلسطينية ساطعة، تشير الى فلسطين مختلفة تقاوم
بالفن الذي يختصر أزمانا للوصول الى تحقيق نتيجة.
غنى محمد لفلسطين وحينما غنى علي الكوفية اصبحت
نشيدا عربيا اخر في الوطن والمغترب فلا تكاد ترى فضائية عربية او حفلة زفاف او سهرة
عربية او فلسطينية تمر بدون ان تلوّح الكوفية عاليا واينما ذهبت بصوت عساف، صوت يغني
للحب ويغني للحياة والامل وللوطن رغم الالم.
ولا يمكن ان يكون الانصاف قرين هذا المقال اذا لم
يتم الحديث عن اسرة عساف وخصوصا الام ام شادي عساف التي تمثل ارادة فلسطين - واكثر
المؤمنين المشجعين المقتنعين بموهبة ابنها محمد - وعزيمة لا تلين، شأنها شأن ام رأفت
والدة الاسير سامر العيساوي وشقيقته شيرين العيساوي كنموذج في الصمود الوطني والتحدي
للسجان، ليعيد للام مكانتها الحقيقي كداعمة للارادة الفلسطينية وللانجاز والتمييز في
ظل عدم توفر المؤسسة الراعية للتميز والابداع والانجاز، ليبقى التمييز ظاهرة فردية
تنشأ دونما رعاية مثل وردة تنبت بين الصخور.
ومع ذلك انضم الجهد الرسمي لاحقا لرعاية عساف وقدم
ما قدم من دعم في عملية التصويت وباهتمام مباشر من الرئيس محمود عباس، بحاجة له كل
متميز ومبدع فلسطيني لان عدم منح التمييز الايجابي لمن يستحقون امر يستحق التوقف عنده
بشكل جدي.