عساف يخير حماس بين نموذجي "طالبان وأردوغان"!
بقلم:
عدنان أبو عامر
بصورة غير
متوقعة، شغل الفنان الفلسطيني الشاب محمد عساف، كل الفلسطينيين، على اختلاف
مناطقهم الجغرافية، في الداخل والخارج ومخيمات اللجوء، ومختلف توجهاتهم السياسية
والفكرية من علمانيين وإسلاميين، وبغض النظر عن أوضاعهم المالية: فقراء وأغنياء.
وهو ما يشجعنا
على إيراد أرقام ذكرتها شركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية "جوال"، قالت
فيها أنه تم إرسال أكثر من مليون و400 ألف رسالة منذ بداية برنامج "آراب
آيدول"، بما قيمته مليونين و250 ألف شيكل، ما يعادل 680 ألف دولار، في بلد
متوسط دخل الفرد السنوي فيها ما يقارب الألفي شيكل، يعني 600 دولار!
المؤيد
والمعارض
إلى جانب البعد
الفني والجانب الترفيهي لما بات يسمى "ظاهرة عساف"، فقد أثار الشاب دون
أن يقصد نقاشات حادة داخل صفوف عناصر حماس ومرجعياتهم الدينية، بين مؤيد ومعارض،
مرحب ورافض، كأي قضية اجتماعية انشغلت بها حماس في الآونة الأخيرة، تناولت مظاهر
الأسلمة في المجتمع الفلسطيني، مثل تأنيث التعليم، قانون العقوبات، وغيرها، وقد
أثارها "المونيتور" في تقارير سابقة لمراسليه في غزة.
لكن ما حصل مع
عساف كان أمراً مغايراً بالنسبة لأوساط كبيرة في حماس، لأنه استطاع أن يفرض
"حظر تجول" حقيقي يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع خلال الشهرين الماضيين
من العام الجاري 2013، بحيث بدت شوارع قطاع غزة فارغة في الساعات الأولى من المساء
ترقباً لفوز الشاب، وتقدمه على منافسيه.
ومع إعلان فوزه
عملياً مساء السبت الأخير الموافق 22/6/2013، عمت الاحتفالات مختلف الأراضي
الفلسطينية، واعتبر العديد من الفلسطينيين أن فوزه ليس شخصياً، وإنما له بعد وطني
حين وجه لحظة تتويجه بلقب "عرب آيدول" التحية للأسرى والشهداء، وارتدائه
للعلم الوطني.
قواعد حماس
التنظيمية في ظاهرة عساف عاشت حالة استقطاب فكرية حادة بين نموذجين قائمين على
الساحة السياسية الإسلامية: "طالبان" في أفغانستان بأقصى الشرق التي
تبنت مفاهيم متطرفة متشددة، ولها بعض الوجود، ولو قليلاً لدى الجماعات السلفية في
فلسطين، و"أردوغان" في تركيا الذي يتمتع بحضور كبير واسع في قواعد حماس
وكوادرها وقياداتها، ويرغبون فعلاً باستنساخ نموذجه الإسلامي الذي يصفونه
بـ"المودرن"!
وهو ما دفع
بالقيادي البارز في حركة حماس يحيى موسى، النائب في المجلس التشريعي، وأحد رموزها
المعتدلين والأكثر انفتاحاً، بأن بارك لعساف، واعتبره كفاءة وطنية يمكن الاستفادة
منها في الفن الملتزم الذي يدافع عن القضية والشعب، مما جلب عليه انتقادات شديدة
غاية في القسوة من قبل عناصر حماس.
في رأيي
الشخصي، أن عساف حظي بمشاهدة في أوساط حماس لأكثر من دافع، منها الفضول الذي دفعهم
لمعرفة كيف استطاع شاب لم يتجاوز بعد 25 عاماً أن يستقطب حوله ملايين الفلسطينيين،
واعتبارهم لأغانيه أنها تتحدث عن فلسطين والأسرى والمعاناة، كما أن البعد الديني
المحافظ لدى قطاعات معينة في شباب حماس لم تعد "حديدية"، أو ملتزمة
كثيراً، كما صرح لي بذلك أحد المسئولين في الحركة، انطلاقاً من تأثرهم بما وصفه
بـ"الغزو الثقافي"، الذي تمارسه الفضائيات العربية في السنوات الأخيرة.
بل إن مسئولاً
حكومياً بارزاً في حماس أبلغني شخصياً أنه دخل ذات يوم على بيته، فوجد أبناءه
وبناته يشاهدون البرنامج، ولم يجد من عساف إلا كل احترام والتزام، لأنه لم يصافح
المطربتين الشهيرتين "نانسي عجرم وأحلام" اللتان كانتا ضمن لجنة التحكيم
للبرنامج!
الغزو الثقافي
أكثر من ذلك،
فقد امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بآراء لمقربين من حماس لم تنكر على
الشاب موهبته الغنائية، وطموحه الشخصي بالفوز في مسابقة عالمية، فقد أكد عبد
السلام هنية، النجل الأكبر لرئيس حكومة حماس على حسابه الشخصي في
"الفيسبوك" أن عساف قيمة تستحق الاحترام والتقدير.
ودعا فوزي
برهوم، الناطق باسم حماس، إلى عدم الإساءة له أو تجريحه، فالشاب من فلسطين، وعاش
غزة وحصارها، والحروب التي شنت عليها، وهو من عائلة طيبة وكريمة ومحترمة ومعروفة.
لكن حماس في
المقابل استهجنت حالة التضخيم والمبالغة التي قامت بها حركة فتح، لظاهرة عساف،
واعتبار فوزه نهاية الاحتلال الإسرائيلي، مستدلين على ذلك برسالة الرئيس عباس التي
وجهها له، ومنحه لقب سفير النوايا الحسنة، معتبراً الفوز انتصاراً للشعب الفلسطيني
على طريق تحقيق حلمه بإقامة الدولة المستقلة!
كما ارتفعت
أصوات كثيرة من المقربين من حماس تنتقد "ظاهرة عساف"، واتهمت من يروجون
له بالسعي لتطبيق أجندة ثقافية غربية ضد الشباب الفلسطيني، وانضم لهم بعض العناصر
السلفية التي قالت في أحد منتدياتها: "مشاهد الفرح بفوز عساف تجيب على سؤال
نردده منذ أكثر من ستين عاماً: لماذا أذاقنا الله الذل على أيدي اليهود"؟!
وهنا لابد من
ذكر بعض الأسماء والشخصيات الدينية البارزة في حماس، ممن اعتبرت التصويت لعساف
حرام شرعاً، مثل د.سلمان الداية الذي يعتبر أبرز العلماء الشرعيين في قطاع غزة،
ويحظى باستقطاب كبير في صفوف عناصرها.
ولم يتردد
د.صالح الرقب، وزير الأوقاف السابق في حكومة حماس، وأحد الشخصيات الأكثر تشدداً
كما يصفه الكثيرون، عن القول أن عساف لا يشرفه أن يكون أحد أبنائه، لأنه يغني وسط
جمهور معظمه من النساء المتبرجات بصورة فاضحة، ويجلس مع فتيات سافرات بصورة
مبتذلة، يتبادل معهن الضحكات.
إدارة الاختلاف
واستكمالاً
لهذا الخط الرافض، فإن وسائل الإعلام التابعة لحماس، سواء قناة الأقصى الفضائية،
أو صحيفتي فلسطين اليومية، والرسالة نصف الأسبوعية، لم تمنح عساف التغطية التي
قامت بها وسائل إعلام أخرى، وأتت على نبأ فوزه بخبر ثانوي فرعي لا يكاد يقرأ، رغم
أن حكومة حماس قررت إقامة استقبال رسمي لعساف عند عودته في معبر رفح، من خلال وفد
رفيع المستوى من وزارة الثقافة، ما يعني عدم وجود موقف موحد من الظاهرة، لا مع أو
ضد، لا مؤيدة أو معارضة!
وقد بات من
الواضح أن هذا الموضوع الشائك أوقع حماس بمشكلة جدية على الصعيد الفكري بدرجة
أساسية، رغم أن الحركة لم تستهدف عساف نفسه، بل برنامج "أراب آيدول"،
لأنه يمثل -كما تقول هي- غزواً فكرياً وثقافياً، ويحتوي على مخالفات شرعية.
وفي نقاشات
داخلية في حماس، وبعض المنتديات الإعلامية المقربة منها، تمت الإشارة إلى ما قامت
به حركة فتح، خصم حماس اللدود، من حملة إعلامية دعائية جعلت من دعم عساف قضية
وطنية، ومناكفة ضد حماس، لأنها بهذه الطريقة فقط تستطيع الحفاظ على أنصارها حولها،
ما يعني أن أي ردة فعل من المحسوبين على حماس ضد عساف سيعطي القضية زخمًا قويًا في
الأوساط الفتحاوية.
ولذلك سادت
أوساط حماس القيادية حالة من الصمت إزاء الظاهرة، وما اعتبروه "الترفع عن
الدخول في مهاترات"، وحين سئل بعضهم عن رأيهم في ظاهرة عساف، أظهروا تحفظهم
من الناحية الشرعية على كل البرامج الغنائية، وعدم وجود مشكلة شخصية مع عساف،
لاعتقادهم أن أي إجابة تخرج عن ذلك ستورط حماس.
كما وصلتني
معلومات من مصادر مطلعة في حماس، أن أوساطها الفكرية وما تسميه "المحاضن
التربوية" تنشغل هذه الأيام بإجراء مراجعة حقيقية جادة لـ"ظاهرة
عساف"، التي نبهت الحركة إلى قصور الفكر التنظيمي لديها، والحاجة لفكر
جماهيري أوسع، ينظر لجوانب الاتفاق، ويراعي اختلافات الفلسطينيين، فليس مطلوباً
منهم أن يخضعوا لمقاييس حماس بشكل كامل حتى ترضى عنهم.
أختم سطوري هذه
بملخص حوار جمعني مع قيادي بارز وكبير في حماس، سألته عن المسألة برمتها فأجاب:
المجتمع الفلسطيني متنوع الآراء، متعدد التوجهات، مختلف الثقافات، وحماس لا تحكم
عناصرها فقط حتى تطبق عليهم قناعاتها الفكرية وتوجهاتها الأيديولوجية، بل تحكم
شعباً كاملاً فيه كل هذا الخليط المتنوع، ولذلك لا أجد مشكلة في وجود عساف وسواه
بيننا، ولا داعي لأن تكون حماس في حرج من هذه الظاهرة!
المونيتور،
1/7/2013