القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

على مشارف ذكرى العيّاش!

على مشارف ذكرى العيّاش!

بقلم: لمى خاطر

سبعة عشر عاماً هي تلك المسافة الفاصلة بين اللحظة الراهنة والعام الذي اغتيل فيه الشهيد يحيى عيّاش، المهندس القسامي الأبرز الذي انتقل بمقاومة الكتائب خطوة متقدمة وواسعة، كانت تبدو في معايير تلك الأيام أسطورية وفذّة!

لم يكن يحيى عيّاش اسماً لشهيد عابر للبطولة، أو رمزاً لثائر دوّخ الاحتلال، وتفّوق عليه في حرب الأدمغة ووسائل التمويه ومباغتات ضرباته وحسب، بل مدرسة لثقافة شاملة ما كانت حكراً على المهندس وحده، بل كان هو أيقونة التدليل عليها، لكن المدرسة العياشية استوعبت في صفوفها رتلاً لا نهاية له من المقاتلين والمفكّرين الثائرين والمهندسين الذين تلوا المهندس وحملوا أرقاماً تسلسلية عبر تاريخ المقاومة اللاحق لاستشهاده، وصار لقب المهندس يشير إلى تلك النماذج الفريدة التي تنتجها المقاومة الإسلامية، وتكون ذات خصائص متميزة تؤهّلها لأن تتخطى حدود المستحيل وتهزم اليأس وتتجاوز انسداد الأفق وشحّ الإمكانات، ويتجلّى نتاجها المقاوم عن عمليات نوعية ترصّع سجلّ تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال، وتدمغ مشروعه بندبات لا تُمحى!

ظاهرة (المهندسين) في كتائب القسام، انفردت بها الضفة الغربية، ليس لأن غزة لا تمتلك ما يحاكي هذه التجربة، لكن لأنّ المقاومة في غزة ترجمت نفسها عبر تنظيم حديدي كبير يكاد يقترب من توصيف الجيش، وما عادت خلايا متفرّقة، بل تجربة عريقة يتراكم رصيدها، كما إنجازاتها وسلاحها ووسائلها وتكتيكاتها.

ورغم كل هذا، يظلّ لظاهرة (يحيى عيّاش) خصوصيتها، ولزمنها ألقه، فهي ترتبط بفكرة التفوّق والنهوض المقاوم في وقت شحّ الإمكانات وندرة العقول المُجيدة صنع المتفجرات، وهي كانت إيذاناً باسترداد الفلسطيني ثقته بنفسه وبسواعد مقاتليه، وهي علامة بدء حرب الاستشهاديين مع الاحتلال، لا كحالة نادرة، بل كظاهرة ممتدة ومتواصلة من بداية التسعينيات، وهي الظاهرة التي ظلّ كيان الاحتلال عاجزاً عن مجابهتها كثقافة أو محاكاتها بسلاح مشابه مضاد.

كان (يحيى عيّاش) رمزاً سكن الوجدان الفلسطيني الجمعي وحاز على مساحة واسعة من التقدير فيه قبل استشهاده، ومنذ أن كان الفلسطيني يتابع أخبار مطاردة الاحتلال له، مع أخبار بصماته المقاومة التي ظلّ يسجّلها حتى تم اغتياله، فكان وقع استشهاده أليماً وقاسياً لأن الشعب الفلسطيني بعمومه استشعر مع استشهاده الخسارة، وأحس بمرارة الفقد، إلى أن جاءت سلسلة عمليات الردّ على اغتياله، والتي بدأ معها تشكُّل تلك القناعة بأن اغتيال قادة المقاومة لا ينهيها، ولا يفني ريحها، ولا يجتثّ بقاياها القابلة للتجدّد!

وهذا العام؛ يبدو هناك اهتمام خاص بإحياء ذكرى رحيل المهندس، ولعلّ هذا من بركات انتصار معركة (حجارة السجيل) التي جدّدت في نفوس الناس ثقافة المقاومة، وأحيت بريقها والشوق لأيامها، خصوصاً في الضفة الغربية التي ما زالت تنتظر عياشها، أو مهندسها التالي لتعيد تصويب بوصلة الصراع، كما كانت تفعل دوما!