عملية
الخليل..القراءة العسكرية والنتائج العملية
د. عدنان أبو
عامر
ما زال
الإسرائيليون والفلسطينيون في حالة مفاجأة لم يستفيقوا منها بعد، عقب عملية الخطف
التي استهدفت 3 مستوطنين قرب الخليل جنوب الضفة الغربية مساء 12/6، بعد أن أعلنت 3
منظمات مسئوليتها عن العملية وهي: "أحرار الخليل، الدولة الإسلامية في العراق
والشام، كتائب شهداء الأقصى"، لكن الفلسطينيين لا يأخذون هذه الإعلانات على
محمل الجد، كما صرح بذلك "للمونيتور" مصدران أمنيان في غزة والضفة، لعدم
وجود بنية تحتية لهذه التنظيمات تؤهلها للقيام بمثل هذه العملية المعقدة.
وتأتي العملية
لتثبت مصداقية توقعات "المونيتور" في تحليله المنشور عن وجود خطط
فلسطينية لخطف إسرائيليين، لما حصل عليه من نوايا قوية داخل حماس لإبرام صفقة
تبادل مع إسرائيل، كما حصل في صفقة شاليط، مما فتح شهيتها على صفقة جديدة، للإفراج
عمن تبقى من أسرى في السجون الإسرائيلية.
وفي ضوء
الإضراب عن الطعام الذي أعلنه الأسرى منذ أكثر من 50 يوماً، وتحذير المخابرات
الإسرائيلية من عملية خطف لتحريرهم، قبل شهر واحد فقط من حصول العملية الأخيرة!
إخفاق أمني
العملية
الجديدة تأتي في سياق عمليات خطف إسرائيليين حصلت السنوات السابقة، لمبادلتهم
بأسرى فلسطينيين، بعد أن أخفقت المفاوضات في الإفراج عنهم، لاسيما المعتقلون ذوي
المؤبدات العالية، الذين لا سبيل للإفراج عنهم إلا من خلال صفقات التبادل، كما
يعتقد الفلسطينيون.
الجديد في
العملية أنها خطفت 3 إسرائيليين دفعة واحدة، وتحت مرأى ومسمع الجيش الإسرائيلي،
مما دفع وزير الدفاع "موشيه يعلون" للاعتراف بالقول: "العملية وقعت
أمام الرادار العسكري"، مشيراً للإخفاق الأمني.
وقد سارعت
إسرائيل صباح الأحد 15/6 على لسان رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"
لتحميل حماس المسئولية، متوعداً إياها برد قاس، تمثل بحملة اعتقالات طالت مائة من
قياداتها وكوادرها في الضفة الغربية.
فيما اتهم
عدنان الضميري، الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة، حماس بما وصفه
"السعي لتفجير الأوضاع، وجرها لمربع العنف والفوضى، لإعادة بناء أذرعها
العسكرية".
لكن أبو عبيدة
الناطق العسكري باسم كتائب القسام اكتفى بالقول أن "العملية تؤكد للاحتلال
الإسرائيلي أنه لن يهنأ طالما بقي مقاوم فلسطيني بالضفة".
فيما نفى سامي
أبو زهري الناطق باسم حماس الاتهامات، "واصفاً إياها بالغبية، وذات بُعد
استخباراتي، واعتقالات إسرائيل في الضفة تستهدف كسر شوكة الحركة، معتبراً التصعيد
يعكس حالة التخبط لدى إسرائيل".
مصدر رفيع
المستوى في حماس من غزة قال "للمونيتور": "حماس فعلاً لا تعلم
الجهة التي تقف خلف العملية، لأن هناك فصلاً بين الجناحين العسكري والسياسي في
الحركة، السياسيون يصدرون تعليماتهم للعسكريين لإنهاء ملف معاناة الأسرى،
والميدانيون لهم حرية اختيار الزمان والمكان والتفاصيل العملياتية، مذكراً بما حصل
في خطف الجندي "شاليط" عام 2006، حين علم قادة حماس السياسيين بالعملية
من وسائل الإعلام."
وأضاف:
"في الوقت ذاته، لو تأكدت أن العملية لحماس الأيام القادمة، فهي تمنح الحركة
هدية من السماء، كما قال، لأنها بحاجة لها، بعد أن زعم الكثيرون أن شعبيتها تراجعت
بين الفلسطينيين في غزة بعد تجربة الحكم، وما قيل عن نجاح الجيش الإسرائيلي في
تفكيك خلاياها في الضفة".
وقد تحدث
"المونيتور" في تحليل سابق، عن جهود حماس القادمة لتعزيز شعبيتها،
واستعادتها، من خلال عملية عسكرية كبيرة، وتحديداً تنفيذ عملية خطف لإسرائيليين،
من خلال عدد من تصريحات قادتها.
"المونيتور" علم أن هناك قراراً
داخل حماس بالامتناع عن أي حديث إعلامي خاص بالعملية، خوفاً أن تفسره إسرائيل بأنه
إعلان مسئولية الحركة، وبدأت بعض القيادات السياسية تغيب عن الأنظار، بعد اتهام
إسرائيل المباشر لها.
سيناريو
الاغتيالات
لكن مصادر
"المونيتور" الخاصة أوصلته لناشط عسكري من حماس شارك سابقاً بخطف جندي
إسرائيلي في غزة في سنوات التسعينات، وقدم تحليله الميداني لعملية الخليل، قائلاً:
"عملية من هذا النوع معقدة أمنياً وعسكرياً، يقف خلفها تنظيم كبير ذو أذرع
ميدانية تساعد الخاطفين بنقل المخطوفين، وتوفير الملجأ الآمن لهم، وإيصال الغذاء
والفراش، والتشديد في الاحتياطات الأمنية، ويمكن تصور أي تنظيم فلسطيني لديه كل
هذه البنية التحتية لتوفير هذه الاحتياجات".
وأضاف:
"العملية تحمل سهولة وصعوبة في آن واحد معاً، فالجغرافيا العسكرية للضفة يمكن
فيها إخفاء جنود أو مستوطنين فترة زمنية طويلة نسبياً بسبب المناطق الجبلية
الوعرة، ومنطقة الخليل بالذات تحظى فيها حماس بشعبية جماهيرية كبيرة، مستدلاً على
ذلك بعائلات "القواسمي والجعبري والرجوب"، التي تضم المئات من عناصر
حماس ومؤيديها، لكن نقطة ضعف الضفة تتمثل بالانتشار العسكري الإسرائيلي المكثف،
والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وهذا تحدي أمام الجهة الخاطفة".
وحول مخاوف
إسرائيل من نقل المختطفين إلى قطاع غزة، قال هذا الناشط العسكري الميداني:
"أنت تحتاج لمعجزة للقيام بذلك، فالمسافة بين الخليل وغزة تصل في المتوسط 50
كم، مليئة بالحواجز العسكرية، والقيام بهذه المهمة تحفها المخاطر وإمكانية الكشف
بصورة كبيرة، خاتماَ حديثه: يمكن نقل المختطفين من الخليل لغزة فقط عبر طريقة
واحدة: البلوتوث!".
المثير في
الأمر أن الخطف تم بالضفة، لكن أصداءها ترددت بغزة، وبادرت إسرائيل لقصف عدة أهداف
تابعة لكتائب القسام بمدن مختلفة من القطاع ليلة 14-15/6، ونشرت بطاريات منظومة
القبة الحديدية في مدن إسرائيل الجنوبية، تحديدا أسدود وعسقلان، تخوفاً من إطلاق
صواريخ فلسطينية.
ورغم أجواء
الاحتفال في حماس بالعملية، لكن مخاوفها تزداد، كما قال ذات المسئول في الحركة
"للمونيتور" بأن "تذهب إسرائيل نحو استعادة تضرر ردعها بعد
العملية، بتوجيه ضربات مؤلمة قاسية لحماس، قد تصل حد اغتيال بعض القادة السياسيين
والعسكريين، لجباية ثمن باهظ للعملية، مع مزاعم أن التعليمات بتنفيذها صدرت من
غزة".
لكن أسامة
حمدان رئيس العلاقات الخارجية في حماس، الذي "استبعد شن عملية ضد غزة، قال
أنه وارد لتصدير فشل إسرائيل الأمني بالضفة".
واعتبر مشير
المصري الناطق باسم الكتلة البرلمانية لحماس أن "أي تصعيد عسكري ضد غزة
مغامرة عبثية، لن تؤدي لمعلومات أمنية حول المخطوفين، وأقصر الطرق لإنهاء الحادثة
الإفراج عن الأسرى".
الغائب في
الأحداث، هي السلطة الفلسطينية التي اتهمها "نتنياهو" بالمسئولية عن
العملية بسبب مصالحتها مع حماس، وقد رفضت السلطة هذه الاتهامات، بل أعلنت رسمياً
تعاونها مع أجهزة الأمن الإسرائيلية في عمليات البحث عن المخطوفين.
لكن مسئولاً
سياسياً فلسطينياً في السلطة حذر بحديث خاص "للمونيتور" أن
"إسرائيل قد تستغل العملية لتنفيذ أجندة سياسية يمينية تتخلص مما تبقى من
السلطة بالضفة، على غرار عملية السور الواقي في 2002، باجتياح عسكري كامل بحجة
البحث عن المخطوفين، وفي نفس الوقت تقضي على مقدرات السلطة".
أخيراً.. من
المبكر الحديث عن سيناريوهات إسرائيل وحماس تجاه تطورات عملية الخليل، لكن الأجواء
التي لمسها "المونيتور" داخل حماس تشير أنها أمام مواجهة جديدة مع
إسرائيل، ستكون أكثر قسوة من سابقاتها، أياً كانت نتيجة العملية، ناجحة كما تأمل
حماس لإبرام صفقة التبادل، أو كما تأمل إسرائيل العثور على مواطنيها، فالثابت أن
المواجهة قادمة لا محالة على كل الاحتمالات.
المونيتور،
16/6/2014