عندما تواجه حماس
السلطة الفلسطينيّة و"إسرائيل" في الضفّة الغربيّة
عدنان أبو
عامر
منذ أن قامت حركة
حماس بما تسمّيه "الحسم العسكري" في قطاع غزّة في أواسط حزيران/ يونيو
2007 عبر السيطرة عليه وطرد السلطة الفلسطينيّة منه، بات واضحاً أن السلطة ستنتقم
منها في الضفّة الغربيّة وذلك عبر شنّ حملات اعتقال مكثّفة على مدار الساعة، الأمر
الذي دفع الحركة إلى اعتبار اختطاف قياداتها وأنصارها وتعذيبهم هجوماً وتصعيداً
أمنياً مزدوجاً من قبل السلطة وإسرائيل.
وقد وصل الأمر بقيادي
كبير في حماس في غزّة أن وصَف لـ"المونيتور" ما تقوم به السلطة ضدّ
الحركة في الضفّة، بأنه محاولة يائسة لاستئصالها كلياً وتجسيد للتنسيق الأمني مع
إسرائيل، وذلك في ضوء ارتفاع أعداد المعتقلين التابعين للحركة إلى مئات موزّعين
على عدد من سجونها التابعة لجهازَي المخابرات العامة والأمن الوقائي في الضفّة.
إلى ذلك، اطلع
"المونيتور" على وثيقة داخليّة لحماس تظهر أن السلطة تواصل اعتقال أكثر
من 72 عنصراً منها. وقد شهد العام الجاري 440 اعتقالاً سياسياً بحقّ ناشطين وأنصار
لها بالإضافة إلى 920 استدعاءً أمنياً طالت أسرى محرّرين وطلبة جامعات وصحافيّين
وأئمّة مساجد ومدرّسين. ولعلّ أبرزهم،
وجدي العاروري وإسلام حامد وعاطف الصالحي وأيوب القواسمي وعبدالفتاح شريم
وعلاء ذياب وأمين القوقا.
الخلايا النائمة
دأبت حماس على إصدار
تقارير دوريّة تظهر حجم الأضرار التي تتسبّب بها حملات السلطة ضدّها في الضفّة.
وقد شملت الكثير من الانتهاكات كالاعتقال واقتحام المؤسّسات الخيريّة وإغلاقها
والتسبّب بضرب المسيرة الجامعيّة عبر التدخّل في شؤون الطلاب وتحويل بعض الجامعات
إلى مواقع أمنيّة عسكريّة، بالإضافة إلى ما يرافقه من اقتحام للمنازل وتخريب
للممتلكات الخاصة والعامة، وصولاً إلى عمليات الخطف وإطلاق النار على الأفراد.
وقد أثّرت إجراءات
السلطة وممارساتها ضدّ حماس سلباً على بنيتها التنظيميّة، وباتت أجهزة الأمن
الفلسطينيّة تلاحق أي نشاط سياسي أو عمل جماهيري، وذلك بسبب خوفها من سيطرة الحركة
على الضفّة كما حصل في غزّة في ضوء تحذيرات استخباريّة إسرائيليّة مفادها أن ما
توصف بـ"الخلايا النائمة" في الضفّة تلقّت أوامر من قيادة الحركة
بالاستعداد للسيطرة عليها.
لكن مسؤول سياسي في
حماس في الضفّة كشف لـ"المونيتور" أن إجراءات السلطة وعلى الرغم من
فداحتها وخطورتها، إلا أنها لا تؤثّر كثيراً على اعتماد الحركة ما وصفه
بـ"البنية التنظيميّة السائلة" التي لا تحتاج بناءً هرمياً واضح
المعالم، ما يجعل الدور التنظيمي قائماً عبر الجهد الفردي إذا غابت البنية
القياديّة، بالإضافة إلى رسوخ الحركة من خلال عدد كبير من الشخصيات المحسوبة عليها
في الضفة من غير المنتمين إليها تنظيمياً.
أضاف المسؤول الذي
فضّل عدم الكشف عن هويّته في حديث إلى "الموينتور" أن ما يساعد حماس في
الضفّة على النهوض من الضربات الأمنيّة الموجّهة إليها من قبل السلطة وإسرائيل، هو
بروز الصف الشبابي لقيادة نشاطاتها من دون الحاجة إلى الرجوع إلى مستويات قياديّة
منظّمة. وعلى الرغم من اعترافه بأن تلك الضربات نجحت في تفكيك بنية الحركة، إلا
أنه أوضح أنها فشلت في ردع محاولاتها لإعادة ترتيب القواعد التنظيميّة ونقلت مستوى
القيادة إلى الصف الرابع والخامس فيها.
الهروب إلى الأمام
إلى ذلك، فإن المراقب
لسلوك حماس في غزّة يلحظ أنها تمرّ بأزمة حقيقيّة بعد فقدانها حليفها الأكبر في
مصر عقب عمليّة عزل الرئيس محمد مرسي، ما دفع بعض نشطاء معادين لها إلى إطلاق حركة
"تمرّد" الداعية إلى إسقاط حكمها في غزّة. وكان "المونيتور"
قد تناول هذه الدعوة في مقالة سابقة.
لكن الناطق الرسمي
باسم حماس الدكتور سامي أبو زهري نفى أي بعد جماهيري لحركة "تمرّد"،
باعتبارها حراكاً حزبياً منظماً تقوده حركة فتح في سياق الصراع السياسي مع حماس
مستعينة بأطراف أخرى. وقد وصفه بمخطّط فتحاوي يحاول التستّر بزيّ شعبي، قائلاً
إنها محاولات يائسة لن تفلح بتحقيق أهدافها.
لكن ردّ الفعل الأقوى
على هذه الدعوات جاء على لسان أمين عام مجلس الوزراء في غزّة عبد السلام صيام،
الذي دعا إلى "التمرّد" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي و"من يتعاون
معه"، ملمحاً بذلك إلى السلطة في الضفّة.
وقد نفى المسؤول في
حماس في حديثه إلى "المونيتور"، تخطيط الحركة لإطلاق تظاهرات ضدّ السلطة
في الضفّة، بسبب ما قال إنه تشديد للقبضة الأمنيّة على الحركة من قبل الأجهزة
الأمنيّة الفلسطينيّة في الضفّة.
وهو ربما ما دفع
الحركة إلى التفكير في الاتجاه الآخر أي إسرائيل، وقد أعلنت الاستخبارات
الإسرائيلية اكتشاف خلايا عسكريّة تابعة لحماس نسبت إليها عمليات إطلاق نار
والإعداد والتخطيط لعمليات خطف جنود وتصنيع عبوات وصواريخ، موزعة ما بين مدينتَي
رام الله والخليل.
وبالفعل، شدّد
المسؤول المذكور لـ"المونيتور" أن المقاومة المسلّحة هي الورقة الأقوى
في يد حماس، معتبراً ساحة العمل العسكري في الضفّة أبرز ساحات المواجهة المباشرة
مع إسرائيل إذ إن غزّة محاصرة. كذلك، يمكنها القيام هناك بإسناد بشري ولوجيستي
وإعلامي.
وفي الأيام الأخيرة،
كشف النقاب إسرائيلياً عما قيل إنه مساعٍ سوريّة-إيرانيّة لنقل أسلحة إلى الضفّة
عبر الأردن وبناء قدرات عسكريّة فيها، ما يمثل تهديداً لإسرائيل. ويأتي ذلك
بالتزامن مع عودة العلاقات بين حماس وإيران. وقد كشفت السلطات الأردنيّة عمليتَي
تهريب أسلحة منفصلتَين قامت بهما مجموعة مؤلّفة من خمسة سوريّين في مدينة مادبا
بالقرب من العاصمة عمان. وتشمل الأسلحة صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض-جو
وبنادق، كانت وجهتها النهائيّة مدينة الخليل جنوب الضفّة التي تعتبر معقل حماس
الأبرز هناك.
وعلى الرغم من أن
المسؤول في حماس الذي تواصل معه "المونيتور" رفض تأكيد أو نفي هذه
المعلومات كونها تكتسي طابعاً سرياً، إلا أن ذلك لو ثبت فعلاً سيساعدها على تقويض
نفوذ السلطة المنخرطة في مفاوضات مع إسرائيل. وذلك على الرغم من عدم سهولة الأمر،
إذ تسيطر حركة فتح على الضفّة وتقوم قواتها الأمنيّة بين الحين والآخر باعتقال
أعضاء من حماس.
ويبقى أن تشديد
إجراءات السلطة من جهة والمراقبة الإسرائيليّة من جهة أخرى، لم يمنعنا حماس من
استخدام "الشبكات المحليّة" لتنفيذ عمليات في شوارع الضفّة وأزقتها،
فتمكّنت من نصب كمائن للدوريات العسكريّة الإسرائيليّة في الأشهر الماضية. ومن
الممكن أن تتزايد عمليات الهجوم على دوريات الجيش بالزجاجات الحارقة والقنابل
اليدويّة، بالإضافة إلى إطلاق النار ورمي الحجارة على مواقعه.
المونيتور، 25/8/2013