القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

عندما يبتسم الرئيس.. يبكي اللاجئون

عندما يبتسم الرئيس.. يبكي اللاجئون

طارق حمود

اللاجئون الفلسطينيون على صفيح ساخن، وهذه المرحلة لايمكن أن تمر بدون تأثيرات مباشرة على هذه القضية العنوان والجوهر، إن سلباً أو إيجاباً ، وخطة كيري وماتسرب حولها باتت مقترحاً فعلياً يتم التعامل معه بالتحليل أوالقبول أو الرفض، بالأمس نتنياهو استبق الإعلان عن الخطة رسمياً بالقول أنه لن يقبل كل مافيها، وأنه سيتعامل بانتقائية معها، ومعروف أن أي مقترح سيقدم مهما كان مجحفاً وفي صالح الإسرائيليين فإن الإسرائيليين سيشبعوه جدالاً لكسب المزيد، إذ ليس مع الطرف الآخر ما يتحصن به أو ما يحمي به هزيمته ضد هزيمة أكبر

يدرك الأمريكيون ومعهم طرفي التفاوض من إسرائيليين وفلسطينيين أن اتفاق سلام نهائي لايمكن أن يكون عملياً بدون حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وعلى مدار سنوات التفاوض العبثي فشلت كل الأطراف في فكفكة هذه القضية، وتحولت المفاوضات التي لايملك الطرف الفلسطيني الرسمي سواها، اليوم تجتمع عدة مؤشرات وسلوكيات تقوم بها أطراف التفاوض لاستثمار التحولات الحاصلة بالمنطقة وخاصة في مصر وسورية كدولتين كان لهما التأثير الأكبر في القضية الفلسطينية ومساراتها، فالعقبة الكؤود في وجه اتفاق نهاائي هي قضية اللاجئين التي تبدو في ظروف استثنائية تتيح لأفكار الإلغاء والإزالة مجالاً لم يتوفر في أي وقت مضى، وهنا لن نفصّل في الظروف التي بات شرحها من تكرار المشاهدات اليومية التي نعيشها على شاشات الأخبار، وإنما من الأهمية بمكان وضع كل سلوكيات الأطراف المتفاوضة وخاصة الفلسطيني موضع التحليل.

إن استضافة أبو مازن لطلاب إسرائيليين في مبنى المقاطعة في الوقت الذي تطارد أجهزته طلبة الجامعات الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتزج بالعشرات منهم داخل أقبية التنسيق الأمني مع الاحتلال ليس بالمؤشر الكبير والخطير، فالشيء من مصدره لايستهجن، ولن نقف أمام تصريحات عباس حول عدم نيته إغراق "إسرائيل" باللاجئين، فهذا بات من محددات خطاب فتح الرسمية والمنظمة تجاه حق العودة، وتكرر كثيراً، إلا أن إشارة أبو مازن بيده أثناء حديثه عن حل قضية اللاجئين للطلبة الإسرائيليين كناية عن المال مع ابتسامة صفراء كانت تمثل أكبر الإهانات لسبعة ملايين لاجئ، فإبي مازن يدرك تماماً حال اللاجئ البائس اليوم من سورية ولبنان والأردن وغزة والضفة، ويدرك أن الظرف الحالي قد لايسمح لجائع أو مشرد أو طريد من اللاجئين أن يفكر بقيمة حق العودة سياسياً مقابل بضعة آلاف من الدولارت يمكن أن تضع حداً لمعاناة طفل جائع، أو عجوز مريض، أو شاب أغلقت كل الأبواب في وجهه، ويدرك محمود عباس أن التحولات في المنطقة وتأثيرها على اللاجئين بزيادة معاناتهم ومأساتهم ماهي إلا فرصة نادرة ينبغي اسثتمارها، ومن هنا لايستغرب أحد موقف سلطة التفاوض من مخيم اليرموك وحصاره، وتبني السلطة ومنظمة التحرير لرواية وتبريرات القتلة الذين يحاصرون اليرموك بالكامل، وتجاهل تام لخصوصية ظرف فلسطينيي لبنان، فقبل ذلك تبنت نفس السلطة والمنظمة رواية الجيش اللبناني الذي قام بتدمير مخيم نهر البارد ولايزال الآلاف من سكانه خارجه منذ العام 2007، هذه مواقف تأتي في سياق اقتناص الفرص، وأحياناً المشاركة بصناعتها، بهدف خلق ظرف موضوعي لتوقيع اتفاق سلام نهائي بعيداً عن إنجاز الحقوق الوطنية، لأن الظرف الموضوعي نفسه هو الذي سيجعل من الحديث عن الحقوق الوطنية على أنها حالة ترف لا أكثر، فالجائع والطريد والشريد لو ترك مأساته ليتحدث عن حق العودة سيكون في أكثر حالاته ترفاً، وعنوان المرحلة الحالية هي تحويل الحقوق الوطينة الثابتة إلى مفاهيم يعتريها الترف، هذا ما يمكن أن تدركه من خلال الحديث عن مفهوم حق العودة في وسط خيام اللاجئين المتنائرة في البقاع وبعلبك، ومراكز الإيواء في أكثر من بلد، وهذا منطق الأشياء، بل إن الحديث عن مفاهيم إتسترتيجية كحق العودة في ظل الظرف الحالي القاسي لفلسطيني سورية ولبنان خاصة لهو حالة ترف يمقتها كل من يعيش الحياة لقمة بلقمة ولحظة بلحظة من اللاجئين، إلا أن هذا لا يعفينا من مسؤولية تعرية صناع المأساة، وشركاء الجريمة التي ينبغي أن يكون مصيرها الفشل الذي رافق حياة هؤلاء طوال عمر مشروعهم السياسي، فالبطون الجائعة قد لاتفكر في أكثر من الطعام، لكنها الأكثر دراية فيمن يصنع جوعها، وهذا حالنا كلاجئين، ندرك حجم المعاناة التي نعيشها، والمأساة التي تعترينا، ولايسعنا التفكير بغير حلول تنقذ حياة أطفالنا ونسائنا، لكننا الأكثر دراية بصانعي المأساة.

قد يواجه اللاجئون الفلسطينيون خيارات صعبة خلال المرحلة القادمة، لكن المؤكد أن اتفاق سلام مهما كانت ضماناته ورهاناته غير قادر على تحويل حالة الخيار الفلسطيني المؤقت إلى ديمومة وعي في ذهن اللاجئ الذي يشعر بطعم انتمائه حين يعيش المحنة وحين يتجاوزها، واستثمار أية خيارات مرتهنة لظرف ما ستبقى غير قانونية، فضلاً عن كونها غير وطنية وأخلاقية، والظرف يمضي، وتبقى ذاكرة اللجوء حية ومستمر، وهو رهان الشعب الفلسطيني في كل مكان.

السبيل الأردنية