عن إدارة غزة
بقلم: عدلي صادق
تطفو حكاية "الإدارة الذاتية في قطاع غزة"
على سطح السجال بين الناطقين باسم حركتي فتح وحماس. يقول الأولون إنها مؤامرة فصل قطاع
غزة وإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، ويقول الأخيرون إن هذا ليس في الحسبان، وعندما
يكون وارداً، سيُطرح على المجموع الفلسطيني، للأخذ به أو رفضه.
ليست هذه المرة الأولى، التي تغشى فيها مثل هذه
المقاربة الفضاء الفلسطيني. فكلما اشتد الحصار، أو حلَّ الانسداد؛ كانت أطرافٌ دولية
تطرح صيغة للعيش في قطاع غزة، في شكل رؤيةٍ للحل، ملغّمة بالسياسة وبمقاصد التصفية
لمشروع استقلال الفلسطينيين على أرضهم. فعلى امتداد سنوات اللجوء والشقاء، منذ
1948، طُرحت مشروعات عدة لإدارة حياة الفلسطينيين في إطار خطط للتوطين وإعادة الإسكان،
أو في إطار خطط للإدارة المحلية، كان هدفها جعل اللجوء مريحاً ومواتياً، وبديلاً للحق
في الوطن.
نركّز، هنا، على مقارباتٍ جرى البحث فيها وتداولها،
مع بدء الفصل الأخير (لا يزال قائماً) من محنة قطاع غزة حصراً، أي بعد أن فشلت
"أوسلو"، واندلعت انتفاضة الأقصى. ومعلوم أن المحتلين صبوّا ناراً إغراقية
على قطاع غزة وسكانه، في موجاتٍ متتابعةٍ من العدوان الوحشي، فأصبح السؤال من حول قطاع
غزة، وفي العالم، كيف يمكن إنهاء هذه الحال المأساوية، مع الأخذ في الاعتبار أن الفلسطينيين
في غزة يتطلعون إلى انعتاقٍ من الاحتلال، وهذا أمر يمكن تلبيته بالتحايل، أي بدون استقلال
حقيقي، وبدون السياسة. فبدءاً من عام 2002، جرى تنظيم ورش عمل في إسبانيا وبريطانيا،
تناقش تفصيلات إقامة إدارة ذاتية في قطاع غزة، وكان من بين الحضور تسوويون ينتمون لمنظمة
التحرير الفلسطينية، خابت آمالهم من "أوسلو"، فشاركوا بصفاتهم الشخصية، مستفيدين
من حال الحرب والفوضى.
في محنة غزة راهناً، ومن ثغرات مشروع المصالحة،
وبتوظيفٍ ماكرٍ لوضعية الحصار الخانق، وبطريقةٍ موصولةٍ بالورقة السويسرية، التي وضعت
خطة إعادة هيكلة الجهاز الوظيفي في قطاع غزة، لاستيعاب بعض "فتح" وبعض
"حماس"، وتحويل المستبعدين من الجهاز الوظيفي إلى مشروعاتٍ صغيرة، وإلى حرف
وأشغال وفرص عمل أخرى تنشأ؛ تولى الأوروبيون، من خلال سويسرا، العمل على مشروع تأسيس
إدارة محلية لقطاع غزة. ذريعتهم في ذلك أن وحدة الكيانية الفلسطينية استعصت على من
يسعون إليها. وقد سمع الناس عن ورقةٍ سويسريةٍ، وأخذوا علماً بأنها تتعلق بمصير وظائف
العاملين، من دون الاطلاع على فحواها كاملاً. وبادر كاتب هذه السطور إلى ترجمتها كاملة،
ونشرها في الصحف الإلكترونية الفلسطينية. وبدا واضحاً أن صياغة الوثيقة اتكأت على مفردات
المبادرة المصرية (14\7\2014) لوقف إطلاق النار، بعد العدوان الشامل الأخير على قطاع
غزة، وعلى صيغتها المعدّلة، التي جرى على أساسها وقف العدوان يوم 26\8\2014. ففي تلك
المبادرة، جرى تثبيت مبدأ الوقف المديد للنار وتكريس الهدنة، وتلك كانت الخطوة العاجلة،
أما الخطوات الآجلة، والتي اتكأ عليها الأوروبيون، وكان ينبغي العودة إلى المفاوضات
غير المباشرة في القاهرة للتفاهم على تفصيلاتها؛ فتتعلق بإعادة الإعمار، وإنشاء ميناءين،
بحري وجوي، في إطار خطة الرفع التام للحصار، وبحث تسليم "حماس" أشلاء جنود
إسرائيليين قتلوا في الحرب!
كأنما فشل المجتمع الدولي في إلزام إسرائيل باستكمال
شروط وقف النار، قد انعكس من الجانب الأوروبي، في شكل مشروع آخر، لتأطير قطاع غزة في
ما يشبه الكيان المنفصل، الذي تتوفر له أسباب حياة طبيعية، وتساعد على طرحه، حال الاختناق،
التي باتت عليها غزة بحماسها وفتحها وسكانها.
يتعين على "فتح" و"حماس"
العمل معاً، لتلافي صيغ كهذه، بدءاً بفتح ثغرة في الجدار، لكي تعزز الأولى صدقية خطابها
حول وحدة الكيانية الفلسطينية ومشروعها، والحرص على غزة، وتبرهن الثانية على صدقية
تعفّفها عن مشروعات التصفية، وتشبثها برؤيتها طبيعة الصراع، وزهدها في حكم غزة، ووفائها
لمصالح الناس فيها.
المصدر: العربي الجديد