القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

عن الذين يقتاتون من المتاجرة بـ"النكبة"

عن الذين يقتاتون من المتاجرة بـ"النكبة"

بقلم: خير الله خير الله

من المفيد أن نتذكّر "النكبة". المشكلة أنّ هناك من يتذكّر "النكبة" ويسعى الى الاستفادة من دروسها، لكنّ هناك من هو مختص بالمتاجرة بها. المفارقة، أن اكثر من تذكّر الذكرى الخامسة والستين لـ"النكبة" الفلسطينية وسعى الى المتاجرة بها، كان بعض الانظمة العربية والوسائل الاعلامية التابعة لهذه الانظمة...أو لأنظمة اخرى غير عربية في المنطقة.

كانت الحجة الدائمة لهذه الانظمة، على رأسها النظام السوري، والوسائل الاعلامية التابعة لها أنه يجب أن لا ننسى فلسطين. انه شعار أكثر من ضروري، هذه الايّام، من أجل تغطية المجزرة التي يتعرّض لها الشعب السوري. احتكر النظام السوري لنفسه، طوال عقود، مهمّة وضع العراقيل في وجه أي جهد صادق يصبّ في خدمة القضية الفلسطينية وازالة جانب من الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني.

من يعلو صوته في ذكرى "النكبة" هو الانظمة نفسها التي تقتات منها والتي تسببت بما تلاها من نكبات، آخرها النكبة السورية التي سيتبيّن عندما تتكشّف آثارها أنها، مع النكبة العراقية، أكبر النكبات العربية نظرا الى أن افضال النظام السوري وخيراته لم تقتصر على سوريا نفسها وعلى السوريين، بل فاضت ايضا على اللبنانيين والفلسطينيين والاردنيين والعراقيين وحتى على اهل الخليج، على رأسهم أهل البحرين...

لعلّ اخطر ما رافق الاحتفالات بذكرى "النكبة" الفلسطينية غياب أي عملية نقد للذات على الصعيد العربي. ربّما كان الامر الوحيد الذي تعلّمه العرب من "النكبة" في السنة 2013 أن ليس في استطاعتهم بعد الآن تجاهل ما يفعله النظام السوري بشعبه وبسوريا ومدى خطورة هذا النظام على الاستقرار الاقليمي، بل على كلّ دولة من دول المنطقة. كان الموقف الاخير الذي اتخذوه في الامم المتحدة، عن طريق دفع الجمعية العمومية الى ادانة ممارسات هذا النظام، خطوة في الاتجاه الصحيح. انها من الاشارات القليلة التي تدلّ على أنهم تعلموّا شيئا من "النكبة" ومن أن "النكبة" ليست محصورة بفلسطين. ربّما أفضل ما تعلّموه أن ليس في الامكان التعايش مع نظام لا همّ له سوى ابتزازهم والتمهيد لنكبات جديدة من المحيط الى الخليج.

تخاذل العرب أمام ما فعله النظام السوري بلبنان. ساعدوه في بسط نفوذه على لبنان والتنكيل باللبنانيين. الى الآن، لا يوجد صوت عربي يطالب باطلاق اللبنانيين المحتجزين منذ سنوات طويلة في السجون السورية لاسباب لا تزال مجهولة. هؤلاء اللبنانيون هم من كل الطوائف والمناطق، جريمتهم الوحيدة رفضهم أن يكونوا عبيدا. الى الآن، لا يوجد صوت عربي يدين الدور السوري في زجّ الفلسطينيين في النزاعات اللبنانية، وقبل ذلك في الاردن، وجعلهم يلعبون دورا في القضاء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وشقّ المؤسسة العسكرية لمصلحة النظام السوري أوّلا وأخيرا.

لا يزال لبنان الى الآن، يعاني من تلك السياسة السورية التي كانت "نكبة" أخرى على اللبنانيين والفلسطينيين في آن. هل من يريد أن يتذكّر كيف عمل النظام السوري بشكل منظّم وممنهج على تهجير مسيحيي الاطراف الى الداخل اللبناني بغية تغذية النعرات الطائفية في الوطن الصغير؟ هل هناك من يريد الاعتراف بأنّه لم يرتفع صوت عربي يدين عملية نقل عناصر من "الحرس الثوري" الايراني الى لبنان بهدف تغيير الموازين في البلد لمصلحة ايران وتحويله امتدادا للمحور الايراني- السوري، بل ذيلا له؟

لا يمكن الاستخفاف بـ"نكبة" 1948 أو تجاهلها. انها لا تزال محطة اساسية ذات أهمّية تاريخية على الصعيد الاقليمي. ولكن ما هو ضروري أكثر من احياء تلك الذكرى، الاعتراف بأن في أساس "النكبة" غياب الوعي العربي لاهمّية الاعتراف بقرار التقسيم في حينه، ثم خوض حرب خاسرة سلفا مع الدولة الاسرائيلية التي اعلنت في العام 1948، من دون أي اخذ في الاعتبار لموازين القوى الحقيقية. أكثر من ذلك، لم يتعلّم العرب شيئا من عدوان 1956، وعجزهم عن فهم ظروفه والنتائج المترتبة عليه. كان عدم فهم حقيقة ما جرى في 1956 واعتبار هزيمة فرنسا وبريطانيا واسرائيل انتصارا عربيا ما أخذ العرب الى هزيمة 1967. ما زالوا يعانون من آثار تلك الهزيمة ونتائجها الى الآن!

بعد حرب 1967، كان هناك انقضاض على لبنان الذي فرض عليه اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. وكان في الوقت ذاته انقضاض على الاردن وكان هناك انقضاض مستمرّ على الفلسطينيين انفسهم عن طريق منعهم من ممارسة سياسة واقعية كان يمكن أن تؤمن لهم استعادة بعض حقوقهم...لو حظوا بالدعم العربي المطلوب بعيدا عن المزايدات.

في غياب القدرة على الاعتراف بأن "النكبة" ولدت نكبات، ليس مستبعدا أن يراوح الوضع العربي مكانه، بل أن ينزلق نحو الأسوأ. وهذا يعني في طبيعة الحال أن اليوم افضل من غد وأن غدا افضل من بعد غد. من يريد دليلا على ذلك، يستطيع الوقوف امام رقم مذهل مصدره الوكالات المختصة في الامم المتحدة. هذا الرقم هو أن مليونا ونصف مليون سوري، في أقلّ تقدير، صاروا لاجئين.

هل من لديه ادنى شك في أننا امام نكبة جديدة يسعى الذين يقفون وراءها الى تغطيتها باستعادة "نكبة" فلسطين؟ من قال ان فلسطين ليست تجارة؟ ستبقى فلسطين تجارة ما دام ليس هناك من يريد الاعتراف بأنّ لا بدّ من تسمية الاشياء بأسمائها، حتى لو جاء ذلك متأخرا. وهذا يعني أوّل ما يعني أن لا فائدة من استعادة "نكبة" 1948 في غياب الكلام الصريح عن النكبات التي تلتها ومسؤولية العرب في ذلك...

المصدر: المستقبل