عن تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان!
بقلم: لمى خاطر
ثارت ثائرة السلطة في رام الله بعد نشر المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تقريرها حول واقع سجون الأجهزة الأمنية في الضفة والانتهاكات التي مورست بحق المعتقلين، والتي تسببت على مدار السنوات الماضية في استشهاد ستة منهم تحت التعذيب، فضلاً عمن أصيبوا بعاهات أو أمراض نتيجة ما تعرضوا له من تعذيب شديد. وكانت حجة السلطة في دفاعها عن نفسها واستنكارها التقرير أنها لا تمارس أي شكل للتعذيب في سجونها، وأن المنظمة تمارس الدجل وتستهدف النيل من سمعتها بالتعاون مع جهات مشبوهة!
وغني عن القول هنا أن تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن التعذيب في سجون السلطة يتحدث عن الفترة ما بين 2007 و 2012، وبالتالي لا يجوز اتهام المنظمة بالكذب والتآمر على السلطة لمجرّد أن التعذيب خفّ أو توقّف خلال العامين الأخيرين، وهو فعلاً خفّ لكنه لم يتوقف، وبات مقتصراً على من يعتقلون على خلفية المقاومة وحيازة السلاح، أي كلّما كان نشاط المعتقل السياسي أعلى ضد الاحتلال فإنه يتعرض لمعاملة أسوأ في السجون، أما إذا كان مقاوماً للاحتلال بالسلاح فإن جسده يغدو مستباحاً لكلّ أشكال التعذيب إلى أن يتم انتزاع الاعترافات منه حتى لو كانت غير صحيحة وانتزعت تحت ضغط الألم!
وحتى لو افترضنا أن التعذيب توقف تماماً خلال العام أو العامين الأخيرين، فإن المجاهدين والمناضلين الذين عذبوا خلال الحقبة السوداء من 2007 وحتى 2011 هم بشر ولهم حقوق، ومنهم من أصيب بعاهات دائمة جرّاء التعذيب في سجون السلطة على خلفية نشاطه ضد الاحتلال، وحقوق هؤلاء لا تسقط بالتقادم، تماماً كما أن جريمة المنفّذين لا تسقط إن توقفوا عن ممارستها!
أما أخطر ما ورد في تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهو ما كان معلوماً بالضرورة، ولكن يتجاهله كثيرون أو لا يرون له قيمة، فهو الجزء المتعلق بتبادل الأدوار بين الأجهزة الأمنية والاحتلال في اعتقال نشطاء المقاومة والتنكيل بهم، وتبادل ملفات التحقيق في سياق مشروع التنسيق الأمني!
فلم يعد سرّاً القول إن هناك تبادلاً فعلياً للأدوار في ملاحقة النشطاء والتحقيق معهم، وحين يسارع الاحتلال لاعتقال ناشط أفرجت عنه أجهزة السلطة فإن ملف قضيته يكون قد سبقه إلى دائرة مخابرات الاحتلال، أما الأجهزة الأمنية فلا يتورع عناصرها عن سؤال المحررين من سجون الاحتلال عند استجوابهم في المقرات الأمنية عن سبب اعتقال الاحتلال لهم. وهنا فإن ثمة اختلالاً بشعاً في المفاهيم الوطنية التي تدعي السلطة صونها، غير أنه نادراً ما يتم التطرق لهذه القضية في التداول الإعلامي في خضمّ الانشغال الزائد عن حدّه برمي كلّ سلبية في دائرة الخصومة الفتحاوية الحمساوية، رغم أن الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في الضفة لا علاقة له بهذه الخصومة، بل هو ينفّذ ما عليه من استحقاقات ضمن دائرة خصومة الاحتلال والمقاومة، حيث يبدو هذا الدور مكرّساً بالكامل لخدمة الاحتلال في مواجهة المقاومة!
لم تصدق أجهزة السلطة قديماً في تبريرها لجرائمها الأمنية، ولا يتوقع منها أن تصدق اليوم وهي تنفي بالجملة كلّ ما ورد في تقرير المنظمة العربية، رغم أنه يحتوي على شهادات موثّقة عديدة، بل كيف يتوقع أصلاً من أجهزة السلطة الإقرار بحدوث الانتهاكات التي تحدّث عنها التقرير؟ فالاعتراف كفيل بتجريدها من وطنيتها وأخلاقها، وليس فقط من مهنيتها، لأن من يحارب مقاومي شعبه وهو ما زال تحت الاحتلال لا يمكن أن يكون طاهر اليد أو سويّ المسير أو وطنيّ الرسالة!