عوائق الانتفاضة الثالثة
بقلم: مؤمن بسيسو
يختزن الوضع الفلسطيني
كل مبررات التفجير والاشتعال التي تشكل الأرضية المواتية لانتفاضة ثالثة تخلط الأوراق
وتقلب الموازين.
قد تكون قضية الأسرى
عنوان وأساس الحراك الفلسطيني الراهن، لكن القضايا الفلسطينية مجتمعة تشكل برميل بارود
قابل للانفجار في أية لحظة، وما تنتظره هو مستصغر الشرر فحسب.
يصعب وضع سيناريو
قطعي بمآلات الأحداث الراهنة التي تعم الضفة الغربية إثر استشهاد الأسير عرفات جرادات
في سجون الاحتلال، إذ تبدو كل الخيارات مفتوحة على مصراعيها بفعل تقلبات الظروف وكرّ
الأحداث، وقد يحمل كل يوم جديدا ذا بال يعزز أو ينسف ما حملته سابق الأيام.
ومع ذلك فإن الاتجاه
العام لتقديرات الموقف السياسي والميداني على أرض الضفة يشير إلى قرب انحسار المواجهات
الدائرة، وصعوبة تمددها أو تطورها إلى انتفاضة ثالثة بحكم العديد من العوائق والاعتبارات.
العائق الأول سياسي
وأمني بامتياز، فقد اتخذت قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية قرارا بتهدئة الأوضاع ومنع
انتشار المواجهات، واستجابت بشكل سريع للتحذيرات الصارمة الصادرة عن حكومة الاحتلال
التي أرفقت مع تحذيراتها أموال الضرائب الشهرية المحتجزة لإنقاذ السلطة من أزمتها المالية.
ولعل المتابع للخطاب
السياسي والإعلامي للسلطة يلحظ بوضوح درجة الانقلاب في السياسة والموقف في إطار التعاطي
مع الأحداث والاحتجاجات الجماهيرية الدائرة، فقد رفعت السلطة سقف مواقفها خلال الفترة
الماضية لجهة غض الطرف عن الأحداث وتبريرها وطنيا، إلا أنها لم تلبث أن اعتبرتها فخا
(إسرائيليا) منصوبا، ومحاولة (إسرائيلية) مكشوفة لجرّ الفلسطينيين إلى مربع التصعيد
(الإسرائيلي) عقب التحذير (الإسرائيلي) الرسمي الصادر عن نتنياهو وتحويل الأموال قبل
عدة أيام.
قدرة السلطة وأجهزتها
الأمنية تبدو عالية على منع تطور الأحداث، فهي تدرك أن وجودها كسلطة وكيان إداري مرتبط
بمدى التزامها بحفظ الهدوء وضمان الأمن (الإسرائيلي) في إطار الالتزامات الواردة ضمن
التعاون الأمني القائم بين الطرفين، وأن الإخلال بهذه المعادلة كفيل بتعريض مستقبل
السلطة للخطر وزجها في فم التنين كما يقولون.
وبين هذا وذاك، فإن
السلطة ومن ورائها حركة فتح ليست في وارد منح الضوء الأخضر للهبة الشعبية بالتواصل
والاستمرار خشية دخول حركة حماس على خط المواجهات والاحتجاجات بشكل واسع، ما ينبئ بفقدان
السيطرة وتغيّر المعادلة واختلاط الأوراق، وبالتالي عودة حماس إلى مركز الفعل والمبادرة
على أرض الضفة من جديد.
العائق الآخر نفسي
ومعنوي، إذ لا زال موروث الانقسام طاغيا على بنية ومحددات السلوك الشعبي الفلسطيني،
ويترك أسوأ الأثر، نفسيا ومعنويا، على حجم ودرجة ومستوى التفاعل الجماهيري مع القضايا
الوطنية الكبرى.
وهكذا، فإن القدرة
على استنهاض الشرائح والقطاعات الشعبية الخاملة تبدو ضعيفة نسبيا في ظل أجواء الانقسام
الحالية، ما يجعل الفعل الجماهيري الراهن قاصرا على ردود الفعل وحبيس الموجات الارتدادية
التالية للممارسات والسلوكيات (الإسرائيلية) المتعاقبة.
بيئة الانقسام التي
يغلب عليها المحدد الأمني في الضفة الغربية لا تشكل المناخ الأمثل لاندلاع الانتفاضة
الثالثة، فيما تشكل بيئة المصالحة والتوافق الوطني، أيا كانت درجتها، المحفز الأهم
وعنصر الدفع الأبرز لإنضاج مواجهة شعبية حقيقية قابلة للاستمرار وتحدي إجراءات ومخططات
الاحتلال دون تردد أو انكسار.