رحلة الهجرة والموت من مخيّمات لبنان.. إلى إيطاليا
«عيد الأم» يطلُّ على الأمهات الفلسطينيات حزيناً
وخجولاً
بقلم: ثريا زعيتر
يطلُّ عيد الأم خجولاً وحزيناً على الأمهات الفلسطينيات
في مخيّمات لبنان.. فالأم التي أضحت رمزاً للنضال والمعاناة معاً، أصبحت تأنُّ من الوجع
منذ نكبة فلسطين في العام 1948 حتى اليوم، لا تفارقها المأساة بفقدان الأب أو الزوج
أو الأخ أو الأخت أو أكثر من فرد من أفراد من العائلة في مسيرة نضالية طويلة، حيث تتحوّل
المناسبات إلى محطات للوجع وتعميق الإحساس بالغياب والفراق، الذي يقضي على كل شعور
بالفرح...
ويزداد هذا العام على الأمهات الفلسطينيات في
عيدهن عذاب يتمثّل بمأساة غرق العشرات من اللبنانيين والفلسطينيين من مختلف مخيّمات
لبنان في رحلة هجرة غير شرعية من ليبيا إلى إيطاليا عبر مركب صغير لا تتوافر فيه أبسط
شروط النجاة، وهي رحلة امتدّت من مخيّمات الفقر إلى السودان، ومنها إلى ليبيا عبر الصحراء،
والمغامرة باتجاه إيطاليا عبر المركب، قبل وقوع الكارثة، فنجا مَنْ نجا، وغرق الكثيرون،
ولا أحد يعرف مصير الآخرين، والحصيلة نحو 50 غريقاً بينهم فلسطينيون من مخيّمَيْ البدّاوي
والجليل، ونجاة 7 من أبناء مخيّم عين الحلوة، وفقدان ثامن هو محمود المحمد، الذي رجّحت
المعلومات أنْ يكون قد غرق...
لقد كشفت رحلة الموت عن «سماسرة»، همّهم فقط الربح
الوفير، جرى استدعاؤهم من قِبل القوى الأمنية في مدينة صيدا على أمل أنْ يُقفل باب
الهجرة والموت عند هذا الحد...
«لـواء صيدا والجنوب» ينقل روايات الناجين، وما
حلَّ بهم في رحلة الهجرة من لبنان هرباً من الفقر والعوز، إلى السودان، فليبيا، باتجاه
إيطاليا، موجّهاً التحية بمناسبة عيد الأم.. لأجمل الأمّهات اللبنانيات والفلسطينيات
الصابرات على مُصابهن، اللواتي ما زلن ينتظرن عودة فلذات أكبادهن، كي تكحّل كل أم عينيها
بعودة ولدها مع حلول كل مساء...
دموع الفراق
{ لم تتمالك ابتسام السعدي، والدة نور دحابرة،
إبن الـ 21 عاماً أعصابها عندما علمت بما حصل لفلذة كبدها، فانهارت وقد أصابها المرض،
فقالت والدموع في مقلتيها: «ها هو عيد الأم أطلَّ علينا حزيناً، ففي حين أنّ كل الأمهات
يحتفلن مع أولادها، نحن أمهات فلسطين لا نعرف معنى للفرح أبدأ، وكأنّه كُتِبَ علينا
القهر والحزن طول عمرنا».
وأضافت، وهي تتابع أنباء نجاة ولدها بقلب الأم،
التي كانت تحلم بأنْ ترى ابنها عريساً، بينما هو قد رأى الموت بعينيه: «لم يكن قرار
نور سهلاً على قلبي، بأنّه سوف يتركني ويبتعد عنّي كي يهاجر، لكن البطالة في المخيّمات
وقلّة الحيلة دفعتا به إلى ذلك، رغماً عنه، فقد كان يعمل في الجفصين وبالكاد يؤمّن
قوت اليوم، وغالبية الأيام كان عاطلاً عن العمل، إلى أنْ قرّر الهجرة، رغم كل المخاطر،
فنحن الفلسطينيون محرومون من أبسط الحقوق، فلا يحق لنا العمل في لبنان، ولو كان لنا
وطن لما حلّت بنا كل هذه المصائب».
وتوقّفت قليلاً، لكن دموعها لم تتوقّف، وقالت:
«من كثرة الظلم وعدم إعطائنا الحقوق المدنية وإجازات العمل، أقلّها كي نعيش بحياة كريمة،
قرّر أولادنا الهرب، والموت في البحر، والإنسان وحظّه، والحمد لله أنّ حظ ابني كان
كبيراً لأنّ الله أنقذه».
رحلة عذاب
{ حكاية نور دحابرة، الناجي من غرق المركب، هي
واحدة من عشرات الحكايات، حيث شرح لنا تفاصيل
المأساة عبر الهاتف، فقال: «لقد خُدِعنا، أبلغونا في لبنان، بأنّه سوف يتم نقلنا في
رحلة عبر الطائرة إلى السودان، ومنها بباص إلى ليبيا، ومنها إلى سفينة كبيرة باتجاه
إيطاليا، لكنّنا تفاجأنا بأنّنا نشتري موتنا بسبعة آلاف دولار أميركي، وكل الرحلة كانت
عذاباً بعذاب، والذي لا يعجبه يموت بإطلاق النار عليه، ونُجبر على الصعود إلى المركب
عنوةً وبقوّة السلاح».
ويستعيد دحابرة لحظات الموت، قائلاً: «سرنا في
البحر نحو ساعتين، ثم تعطّل المركب، وبدأت مياه البحر تدخل إليه، وكان معنا ابن عمي،
وهو أخصائي ميكانيكي، فقام بإصلاحه، بينما كان القبطان من الجنسية التونسية، وكان في
حالة سكر شديد، ونام غير مبالٍ، ثم بدأنا بالغرق منذ الساعة الرابعة فجراً حتى الخامسة
مساءً، وحتى الآن لا نعرف مَنْ قضى غرقاً ومَنْ نجا، كل ما أعرفه أنّه كان على متن
المركب نحو 240 شاباً، نجا منهم معنا 96 ولا نعرف مصير الباقين، هل أصبحوا جثثاً؟ أم
نُقِلوا إلى معسكرات الاعتقال؟ أم إلى المستشفيات؟، وستتّضح الأمور خلال أيام، لكنها
في النهاية رحلة عذاب وموت».
الموت مجاناً
{ ويروي حسن صقر من مخيّم البص في صور، الذي كان
يعمل صيّاداً حكايته قائلاً: «غالبية الذين قرّروا السفر بهذه الطريقة كانوا يظنّون
أنّ الهجرة أفضل من واقع المخيّمات في لبنان، فقد دفعتُ 5 آلاف دولار أميركي إلى سمسار
سوري يُدعى «أبو علي»، وسافرت إلى الشارقة، ومنها إلى السودان، والتحقتُ ببقية الشباب
في رحلة ليبيا، ولا أعرف ما إذا كانت هناك علاقة بين سماسرة صيدا وهذا السوري، المهم
أنّ الرحلة كانت شاقة ومميتة، توزّعنا على عدد من المنازل، وبدلاً من توفير الطعام
لنا، قمنا بشرائه حيث صرفت نحو 350 دولاراً خلال 28 يوماً ثمناً للطعام، لأنّ ما كان
يُقدّم لنا لا يؤكل على الإطلاق».
وأوضح أنّ «المركب كان صغيراً، ويتّسع في حدّه
الأقصى لـ 200 شخص، لكن ركبنا فيه نحو 240 شخصاً، وقد تفاجأنا بأنّ هناك مهاجرين من
السودان والحبشة وإرتيريا في قعره، وعندما بدأت المياه تدخل إليه، هرعوا إلى الخارج،
فاختل توازن المركب وبدأ يغرق، فيما البارجة الكندية القريبة لم تكن مجهّزة لإنقاذنا،
حتى جاءت البوارج الحربية الإيطالية، وبدأت بنقل المهاجرين، فتوزّعنا على أكثر من بارجة،
ولم نعد نعرف مصير بعضنا البعض، ولا مَنْ مات، ولا مَنْ عاش، إنّها معاناة لا توصف».
وختم قائلاً: «إنّني أنصح كل مَنْ يريد الهجرة،
ألا يُقدِم على ذلك، حتى لا يكون عرضة للنصب والموت، ويدفع ثمن موته بيده، وربّما بالدين
مثلي، على الأقل إذا مات في مخيّمات لبنان، هناك مَنْ يقوم بدفنه وقراءة الفاتحة على
روحه، هنا كل شيء غريب حتى دفن الموتى».
حصيلة وكارثة
{ وأكد رامي الجنة، الموجود في إيطاليا، والذي
واكب عمليات الإنقاذ أنّ «السلطات الإيطالية أبلغت السفارة الفلسطينية رسمياً عن وقف
عملية البحث على 50 جثة، وهم لا يعرفون العدد الحقيقي لمواصلة البحث، خلافاً لما يكون
عليه الأمر في الطائرة أو رحلة شرعية، مُسجّل فيها العدد والأسماء»، مشيراً إلى أنّه
«حصلت كارثة إنسانية، فالشاطئ يبعد عن مكان غرق المركب 150 كلم، ودرجة الحرارة تزيد
على 27 تحت الصفر، وفرص النجاة تكاد تكون شبه معدومة».
القاضي رمضان يدّعي على مسهّلي السفر غير الشرعي
أولى النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي
رهيف رمضان اهتماماً بملف تسهيل سفر عدد من الأشخاص بطريقة غير شرعية إلى ليبيا ما
أدى إلى غرق عدد منهم وفقدان آخرين.
وأصدر القاضي رمضان مذكرات توقيف وجاهية بحق كل
من: الفلسطينية حسيبة الحسين واللبنانيتين غنوة أبو زينب وريتا رزوق، وغيابياً بحق
السوداني محمد المكاوي بالجرم المرتكب.
المصدر: اللواء