عين الحلوة: تداعيات خطيرة على الساحة
بقلم: ميشال نصر
خلافا لكل المرات، وعلى الرغم من خطورتها
التي فاقت كل المرات السابقة ، لم تحظ الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة بالاهتمام
الذي يوازي اهميتها، حيث سرقت الاضواء الاحداث التي كانت تشهدها ساحة رياض الصلح ،
رغم اجماع الكثيرين على خطورة وجسامة تداعياتها على مجمل الوضع اللبناني نظرا لارتباطها
بالوضع الاقليمي المتحرك.
ففي الخريطة الميدانية للمعارك في مخيّم
عين الحلوة، فان الاشتباكات العنيفة، التي شهدت عمليات كر وفر، بين المراكز وفي الشوارع
والأزقة،اندلعت لاسباب غامضة حتى الآن، عمليا، مع تبادل الطرفين الاتهامات ببدئها،
والتي استُخدمت فيها قذائف الهاون من عيار 81 ملم للمرة الاولى، والقنابل المضيئة،
اضافة الى الاسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة من دوشكا وعشرات قذائف الار بي جي، دارت
في حي الصفصاف والشارع الفوقاني وبستان القدس، حيث تحاول جماعة «جند الشام» الالتفاف
من بستان القدس على معاقل «فتح» في البركسات وعلى مقر القوة الامنية الفلسطينية المشتركة
في الشارع الفوقاني ، حيث تمكنوا من قتل احد ضباط فتح، فيما يواجه «الجند» مجموعات
تابعة «للينو» في حي حطين، مستهدفين حيّ الطوارئ بالأسلحة الرشاشة وقذائف الـ «أر بي
جي» من منطقة «التعمير»، كذلك دارت اشتباكات في حي عكبرة داخل المخيم، في مقابل شن
عناصر «فتح» مدعومين من قوات رئيس التيار الاصلاحي في الحركة العميد محمود عبد الحميد
عيسى هجوماً على حي الطيرة في الشارع الفوقاني، حيث معقل بلال بدر، بعدما توسّعت رقعة
الاشتباكات، وصولا الى حي حطين عند الطرف الجنوبي.
وتشير المصادر الى ان الجولة الاخيرة كشفت
عن سلسلة حقائق ابرزها:
- نجاح «حماس» في حجز موقع مهم لها، كطرف
وسط مفاوض، على حساب عصبة الانصار التي يتنازعها تياران، الاول مؤيد للشباب المسلم
،والثاني، ملتزم بالتعهدات المقطوعة للدولة اللبنانية.
- تماسك فصائل فتح بكل تلاوينها سياسيا
وامنيا وعسكريا بشكل غير مسبوق وسط تنسيق تام بين اللجنة المركزية في رام الله ومن
يمثلها في المخيمات من قيادات ، وقائد القوة الامنية المشتركة اللواء منير المقدح،
والعميد محمود عيسى، ما ادى الى تقطيع اوصال المخيم ومنع تواصل السلفيين مع بعضهم البعض،
إضافة إلى إعاقة حركتهم وشل قدرتهم على الالتحام.
- وجود تنسيق كامل بين المجموعات السلفية
المتشددة في المخيم و«عصبة الانصار»، التي اشارت التقارير الامنية الى مشاركة عناصرها
في صد تقدم فتح باتجاه الصفصاف، رغم اجماع «جناحيها» على ضرورة عدم اطلاق النار باتجاه
الجيش اللبناني.
- تقاسم الوساطات بين، فصائل منظمة التحرير
الفلسطينية باتجاه فتح، حماس والقوى الاسلامية باتجاه الاسلاميين المتشددين، فضلا عن
دور مبهم للقيادة العامة والجهاد الاسلامي، بعدما نجحت مصالحة تحييد الاخيرة برعاية
«حماس» و«حركة امل».
- دخول جهات امنية لبنانية بشكل مباشر على
خط التفاوض والاتصالات موجهة رسائل «قاسية»، الى احد القياديين الفلسطينيين، للالتزام
بالاتفاقات التي يجري التوصل اليها، بعدما عمد اكثر من مرة الى اسقاط اتفاقات وقف اطلاق
النار عبر تحريك مجموعاته.
- وجود خطوط حمراء امام فتح من غير المسموح
تخطيها ، يعتقد البعض انها مرتبطة بحسابات اقليمية خارجية تبدأ في سوريا ولا تنتهي
في الخليج.
- العنف غير المسبوق في القتال والاسلحة
النوعية قياسا لحجم المخيم التي تم استخدامها.
مصادر فلسطينية مطلعة كشفت ان «مخيم عين
الحلوة على قاب قوسين من ان يكون تحت سيطرة المجموعات المتطرفة وذلك بعد تراجع قوة
فصائل «حركة فتح» على الصمود في وجه الهجمات التي تشنّ عليهم، ما دفع بالحركة وبالتعاون
مع السلطات الامنية اللبنانية باستقدام عشرات المقاتلين المدرّبين من مخيمي الرشيدية
والبرج الشمالي في منطقة صور، بطريقة سلسة وبعيداً عن الضجيج الاعلامي، في خطوة احترازية
في حال توسع الاشتباكات ، وتعزيزا لمواقعها، بعدما بادر «جند الشام» الى التقدم باتجاه
هذه المواقع وفقا لخطة منظمة وبتكتيك هجومي واضح، لافتة الى ان ما يحصل خطير للغاية
وستكون تداعياته كبيرة على لبنان ككل، كاشفة ان الحركة استجابت لمساعي التهدئة اللبنانية
والفلسطينية على مضض، بعدما وجدت نفسها بين حدي عدم الرد الحاسم، وبين خوض معركة صعبة
مكلفة غير مضمونة النتائج، لا سيما ان القرار المركزي كان بالتريث مع إجراءات جديدة
تتدحرج وفق التطورات الامنية، مع الاخذ بالاعتبار للوضعين الداخليين الفلسطيني واللبناني.
في المقابل ترى اساط قيادية في فتح ان الوضع
ممسوك من قبل الحركة بمختلف «اجنحتها»، بعدما نجحت خلال الاشتباكات الاخيرة في حصر
رقعة تواجد الاسلاميين والتضييق عليهم ووقف تمددهم ، مشيرة الى ان الجماعات الاصولية
تبلغت رسالة قوية وواضحة مفادها ان قادتها في متناول يد الحركة، بعدما نجحت قوة منها
في مداهمة المبنى الذي كان يتواجد فيه بلال بدر، دون ان تقوم بقتله او اعتقاله افساحا
في المجال امام مساعي التهدئة المبذولة من قبل اكثر من طرف، مسيرة الى ان اوامر القيادة
من رام الله واضحة بضرورة حسم المعركة وإنهاء ظاهرة «جند الشام» .
من جهتها اكدت مصادر سياسية صيداوية تبلغها
من المراجع الرسمية المعنية، ان الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة عززت من وجودها
ومن اجراءاتها تحسبا لاي امتداد للمعارك، معززة مواقعها المطلة والمشرفة على المخيم
، جازمة بان الجيش يسيطر بالكامل على الوضع في محيط المخيم وليس هناك من مخاوف على
المناطق المحيطة به، باستثناء عمليات القنص التي تطال بعض الطرقات القريبة من مناطق
الاشتباكات، رغم غمزها من قناة الانقسام في الراي بين القادة العسكريين والامنيين في
التعامل مع الوضع القائم، كاشفة ان السفارات الاجنبية في بيروت تتابع بدقة الاحداث
الجارية جنوبا، وسط التساؤلات عما اذا كان هناك من ارتباط بين ما يجري وبين توقيف الشيخ
أحمد الأسير، أو هي لتحويل النظر عن الداخل اللبناني، خاصة بعد توقيف الاجهزة الامنية
اللبنانية لمجموعة فلسطينية الاحد الماضي قادمة من الشمال بهدف احداث الاندساس بين
محتجي رياض الصلح لاحداث اعمال شغب.
في تبسيط للامور ، تعيد جولات القتال التي
يشهدها مخيم عين الحلوة الى الاذهان صورة طرابلس ومحاور جبل محسن - باب التبانة، حيث
الكثير من العوامل الاجتماعية والسياسية المشتركة، رغم التعقيد الابرز في ملف عين الحلوة
المرتبط بملف التوطين. فهل تستمر الجولات لتبلغ العشرين قبل ان يجري الحسم؟ام ان عين
الحلوة سيبقى «التنفيسة» للساحتين اللبنانية والفلسطينية؟
المصدر: الديار