"عين الحلوة"
والصراع المقبل
بقلم: خالد ممدوح العزي
يعيش
مخيم عين الحلوة الفلسطيني في لبنان، حالياً، حالة من الخوف والرعب والذعر، بسبب الحملات
الإعلامية المسعورة التي تستهدفه، وتستهدف أمن الجوار، ما يعرضه إلى أزمة أمنية تكاد
أن تكرر سيناريو مأساة مخيم نهر البارد، ومخيم اليرموك في سورية، بحيث عبثت بهذين المخيمين
جماعات مسلحة إرهابية، حمّلت سكانهما فاتورة كبيرة من الخسائر والتدمير والإصابات الجسدية.
مخيم
عين الحلوة عاصمة الشتات الفلسطينية، كما يصفه فلسطينيو لبنان، ويعيش فيه أكثر من
130 ألف فلسطيني، بالإضافة إلى الفلسطينيين اللاجئين من سورية، وهم حوالى 30 ألفا.
إنّ
تعرض المخيم لهذه الهجمة الأمنية يعني، بصراحة، انتهاء الوجود الفلسطيني في لبنان،
كما الحال في سورية والعراق، وبالتالي، شطب موضوع اللاجئين وحق العودة من القاموس السياسي
العربي.
فالإعلام
اللبناني يشن حملاته الهادفة على المخيم، متهما أهله بالإرهاب تارة، واحتضان الإرهابيين
الفارين من وجه العدالة والقانون تارة أخرى، لا سيما أن التوقيت يأتي في ظل الحملة
الصهيونية التي تتعرض لها مدينة القدس وأهلها، من المستوطنين الصهاينة. في الوقت الذي
توافقت فيه اللجنة السياسية العليا المشتركة لكل الفصائل "الوطنية والإسلامية"
في مخيم عين الحلوة، على تشكيل قوة أمنية عسكرية، في الأول من مارس/آذار الجاري، انتشرت
في المخيم، مهمتها حفظ أمن المخيم والمواطن، إضافة إلى أمن الجوار، بمباركة لبنانية
أمنية وسياسية.
لكن
الخوف من تكرار السيناريوهات الأمنية في المخيم بات هاجس كل فلسطيني مقيم في المخيم،
ما دفع الأهالي إلى الخروج في مظاهرات واعتصامات، عرفت باسم المبادرات الشعبية والسياسية،
منددين بالجو الأمني الذي يفرض نفسه على المخيم وأبنائه، محاولا إدخالهم في صدام مع
الدولة أو مع الجوار.
حملت
هذه المبادرات رسائل أرسلت إلى الدولة وأجهزتها الأمنية من خلال الخطباء، أن المخيم
لن يوجه سلاحه إلا باتجاه إسرائيل، لأنها الهدف المركز للشعب الفلسطيني والعربي، وكذلك
كانت رسائل حادة من القوى الإسلامية للفارين، شادي المولوي والشيخ أحمد الأسير، تطالبهما
بالخروج من المخيم في حال وجودهما في المخيم، لأن أهل المخيم لا يمكن أن يتحملوا أعباء
وجودهما فيه، وتعريضه لأخطر أزمة منذ عملية التهجير القسرية عام 1948.
وعلى
الرغم من التنسيق الأمني اللبناني مع كل الفصائل الفلسطينية في المخيم، وفي ظل الإطباق
العسكري الكامل للقوى الأمنية على كل مداخل المخيمات، يبقى السؤال الذي يدور في أذهان
كل الفلسطينيين واللبنانيين: كيف أدخل المولوي والأسير إلى المخيم، ولماذا؟ في وقت
كانت الدولة تحاصرهما عسكرياً في أثناء قتالها الأسير في عبرا السنة الماضية، والمولوي
في طرابلس الشهر الماضي.
ولكن،
لا يمكن لأحد معرفة الإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة الغامضة التي تعكر المزاج الأمني
اللبناني، على الرغم من تقارير الصحافة، وترويجها الدعائي هذه المواضيع، والتي تشكل
أزمة فعلية في طريق العلاقات اللبنانية الفلسطينية، إلا إذا كانت هناك خيوط دولية،
أعلى من لبنان وفلسطين، تحاول تعكير المزاج وتطوير المواجهة بين الشعبين، وهل اتخاذ
القرار الفعلي بذلك في كواليس السياسة العالمية بتصفية القضية الفلسطينية تدريجياً،
وخصوصاً في ظل حملة التحالف على الإرهاب الدولي ضد "داعش" في سورية والعراق،
مستغلين المخيمات لهذه الأجندات الدولية؟ فالحس الوطني يتطلب من الجميع الانتباه إلى
طبيعة الموضوع الذي تم رسم أهدافه مسبقا من خلال متورطين بالإرهاب، وخارجين عن القانون
اللبناني، كالمولوي والأسير، وآخرين، لتنفيذ أهداف بعيدة تنتهي لمصلحة العدو الصهيوني،
وعلى حساب حق العودة.
لذلك،
فإن التنسيق الجدي والفعلي بين المؤسسات اللبنانية والفلسطينية (الأمنية والسياسية)
ضروري، لتلافي هذا المخطط البشع، والعمل الجاد من السلطة اللبنانية على الإمساك بوسائل
الإعلام اللبنانية التي تصب الزيت على النار على الهشيم، فالملف معقد جداً، ويجب التسوية
السريعة من المعنيين، بعيداً عن وسائل الإعلام، وعن تقارير المخبرين والمرتشين الفاسدين
الذين يعرضون المخيم والجوار لهزة أمنية، ومواجهة عسكرية لا يحمد عقباها.
المصدر:
العربي الجديد