القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

عين الحلوة والوجود الفلسطيني في لبنان تحت التهديد


أحمد الحيلة

توقّف الاقتتال في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا، مساء الخميس الفائت، بين حركة فتح والأمن الوطني الفلسطيني من جهة وتنظيمي الشباب المسلم وعصبة الأنصار من جهة أخرى، بتدخل مباشر من رئيس البرلمان اللبناني رئيس حركة أمل السيد نبيه برّي، بعد لقائه أولا بوفد حركة حماس بقيادة الدكتور موسى أبو مرزوق، ومن ثم لقائه تاليا بوفد حركة فتح، أحد أطراف النزاع في عين الحلوة، بقيادة السيد عزام الأحمد، حيث أُعلن عن اتفاق جديد برعاية السيد برّي، يؤكّد وقف القتال فورا، وسحب المسلحين، وعودة النازحين، ومساعدتهم وإعادة تأهيل المخيم، على أن يجري تسليم المطلوبين المتهمين بقتل اللواء العرموشي، قائد الأمن الوطني الذي قُتل نهاية تموز/ يوليو الماضي في جولة الاشتباكات الأولى، إلى السلطات اللبنانية ليأخذ القضاء مجراه في التحقيق والمحاسبة.

يُعدّ هذا الاتفاق الأوّل من نوعه برعاية أحد أهم المرجعيات السياسية والرسمية اللبنانية، بعد فشل الاتفاقات السابقة كافة، التي جرت برعاية تحالف القوى الفلسطينية والأمن العام اللبناني، لوقف القتال بين حركة فتح والشاب المسلم، ما يشير إلى أن الأحداث في عين الحلوة والاقتتال في الجولة الثانية أخذ منحا تصعيديا خطيرا، قد يطال أمن الدولة اللبنانية ومصالح المواطنين اللبنانيين انطلاقا من عين الحلوة، لا سيّما بعد استهداف المجموعات المسلحة التابعة لحركة فتح أحد نقاط تمركز الجيش اللبناني حول المخيم وإصابة 5 من عناصره، ناهيك عن تأثير الأحداث على حركة التنقل بين الجنوب وبيروت، مرورا بمدينة صيدا التي شهدت شللا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا.

هذا الاتفاق على أهميته، لا زال محل اختبار؛ لأن أحداث عين الحلوة، كما يبدو، ليست أحداثا فلسطينية محلية بحتة، فليس جديدا وجود عناصر الشباب المسلم وعصبة الأنصار في عين الحلوة، بل إن وجودهم يعدّ جزءا من خارطة القوى في المخيم، ما يعني أن أحداث عين الحلوة ليست إلّا صورة سطحية لمشهد آخر، وأهداف باتت أبعد من مجرد خلافات بين فتح وعناصر إسلامية، خاصة أن حركة فتح ومجموعاتها المسلحة هي من تتحمل مسؤولية اندلاع الأحداث بدءا من الجولة الأولى، بقتلها أحد عناصر الشباب المسلم المدعو محمد الصدّيق فرهود في 29 تموز/ يوليو الماضي، على يد أحد منتسبيها، قُبيل اغتيال اللواء العرموشي في اليوم التالي، إضافة إلى أنها لم تتوقف عن حشد العتاد والسلاح والعناصر من خارج المخيم، وإطلاقها شرارة الاقتتال في الجولة الثانية التي اندلعت في السابع من هذا الشهر، ومن ثم عدم التزامها بوقف إطلاق النار بموجب الاتفاق الذي عقدته، يوم الأربعاء الماضي، مع حركة حماس كوسيط بينها وبين الشباب المسلم وعصبة الأنصار.

لعلّ تعاظم وتكرار عدم التزام عناصر حركة فتح المسلّحة بوقف إطلاق النار تحت سمع وبصر قياداتها السياسية، هو ما دفع السيد نبيه برّي إلى اللقاء بموسى أبو مرزوق أولا، وإرجاء لقائه بعزام الأحمد إلى ما بعد تعهد الأخير بإلزام مجموعات حركة فتح المسلّحة بوقف القتال، التزاما بأي اتفاق سيرعاه السيد نبيه برّي، ما وضع حركة فتح وعزام الأحمد بصفته مرجعية الساحة اللبنانية في مواجهة رئيس البرلمان اللبناني الأقرب إلى الملف الفلسطيني، الذي يمكن له أن يؤثّر على حركة فتح ومرجعياتها السياسية والعسكرية في لبنان.

في هذا السياق، اضطر عزام الأحمد أمام الضغط الذي ساهمت فيه حركة حماس عبر تكثيف اتصالاتها بالمرجعيات اللبنانية، إلى قبول وقف إطلاق النار برعاية السيد برّي، بعد أن اجتمع الأحمد مع قيادات حركة فتح في بيروت، وحمّلها غاضبا مسؤولية الفشل في القضاء على عناصر الشاب المسلم، رغم حجم الدعم الكبير، ماديا وبشريا، الذي تلقته مجموعات فتح المسلّحة وقوى الأمن الوطني الفلسطيني، خلال 50 يوما من الاشتباكات والاقتتال الذي طال أحياء مخيم عين الحلوة كافة.

هذا يرجّح بأن الأحداث كانت مفتعلة، وكان مخططا لها مسبقا، لتبدأ بعين الحلوة مع الشباب المسلم وعصبة الأنصار بذريعة محاربة "التكفيريين والإرهابيين"؛ حسب الرواية الفتحاوية التي تجد لها آذانا صاغية لدى العديد من القوى اللبنانية الكارهة للإسلاميين عموما، ولدى بعضها الكاره لعناصر الشباب المسلم، الذين يعدّون بقايا العائدين من القتال ضد النظام في سوريا، هذا ناهيك عن التخلّص من عناصر محسوبة على الشيخ اللبناني السنّي أحمد الأسير الحُسيني، المعروف بأحمد الأسير، الذي أشهر دعمه للمعارضة السورية عام 2011، واعتصم مع أنصاره في مدينة صيدا عام 2012 للمطالبة بنزع سلاح حزب الله.

إذن فشل حركة فتح ومسلحيها في القضاء على الشباب المسلم وعصبة الأنصار، وتعرّض المخيم لدمار كبير، ونزوح آلاف الفلسطينيين من عين الحلوة، أوقع حركة فتح ومرجعيتها السياسية في حرج ومأزق شديد أمام الشعب الفلسطيني، وأمام القوى والمرجعيات اللبنانية التي استشعرت خطورة تطور الأحداث على لبنان، الذي يقع فيه نحو 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين من شماله إلى جنوبه، وبات السؤال المطروح: ماذا لو تطورت الاشتباكات ووصلت إلى تلك المخيمات، وخرجت من نطاقها الجغرافي إلى المدن اللبنانية، ودخلت قوى خارجية على الخط، لتحقيق أهداف أمنية سياسية متعددة الاتجاهات؛ ومنها تهديد الوجود الفلسطيني في لبنان، الذي يشكّل رافعة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي المعني بتفكيك كل نقاط القوة والارتكاز داخل فلسطين وخارجها، التي تتكئ عليها المقاومة الفلسطينية في مواجهته، خاصة بعد رشقات الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين المحتلة في 6 نيسان/ أبريل 2023، واتهام حركة حماس بالمسؤولية عنها؟

حركة فتح وبدافعية احتكار المرجعية السياسية للفلسطينيين في لبنان، وتعارض مصالح سلطتها في رام الله، مع تعاظم قوّة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، دفعها لنقل المعركة إلى لبنان لخصوصيته التاريخية بالتوازي مع ازدياد نشاط أجهزتها الأمنية في الضفة الغربية، في رهان على قوّتها المدعومة من قوى تُراهن بدورها على خيارات سياسية مع الاحتلال؛ المستفيد الأول والأخير من أي اقتتال فلسطيني أو زعزعة أمن المخيمات أو أمن الدولة اللبنانية، ما يجعل وقف إطلاق النار في عين الحلوة في خطر، ما لم يتّحد الفلسطينيون ضد أي عابث بأمن المخيمات وبأمن الدولة اللبنانية المضيفة، التي عليها أيضا أن تقف بحزم ضد كل من يعبث بأمن لبنان، الذي يشكل أمن المخيمات جزءا منه، وإلا، فإننا قد نشهد جولة ثالثة قادمة تحت عناوين وذرائع شتى لإنفاذ مخطط للنيل من الفلسطيني في لبنان؛ ومن لبنان كأحد أهم دول الطوق الرافضة للتطبيع أو التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي.