القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

عين الحلوة وغياب الحلول الناجعة

عين الحلوة وغياب الحلول الناجعة

بقلم: حسن منيمنة *

لا يزال صدى الشروع في بناء جدار اسمنتي حول مخيم عين الحلوة يثير سلسلة من ردود الفعل السياسية الداخلية والخارجية، فضلاً عن المواقف الشعبية. الأخطر في ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة الجدار المزمع بناؤه بجدار الفصل العنصري الذي أقامته سلطات الاحتلال في فلسطين. والأخطر أيضاً، انفلاش ذاك الإحباط المتراكم لدى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بعلاقتهم مع الدولة اللبنانية. فكيف لهم وهم أحد مكونات مدينة صيدا، نسيجها وتاريخها أن يشعروا بأنهم معزولون، مهمشون وبأحسن الأحوال يشكلون خطراً على أمن المدينة واستقرارها يجب احتواؤه؟

أيا يكن ما تم التوصل اليه في الاجتماعات والتصريحات والتبريرات، وتلك التي عقدت في غضون الأيام الماضية، بما في ذلك ما طرأ او يمكن أن يطرأ من تعديلات على المخطط الاصلي وغير ذلك، الا أن ضرراً قد حصل ما يوجب علينا التذكير بأن النقاش يجب أن يكون في مكان آخر: لماذا وصلنا الى هذه الحال؟ هو السؤال الواجب طرحه عند هذا المفصل. كيف سمحنا لأنفسنا كلبنانيين وفلسطينيين بأن يرى أحدنا الآخر كعنصري من جهة، أو كإرهابي محتمل من جهة اخرى؟

إن مسؤولية الدولة اللبنانية في هذا الاطار لا تقبل الجدال. فمنذ عام 2005 مع امساك الدولة بزمام الملف، وعلى رغم بعض التقدم الذي حصل مع تأسيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، بقي غض الطرف عن تدهور أوضاع المخيمات والتراخي في معالجة الشؤون الحياتية للاجئين الفلسطينيين السمة الغالبة. ترافق ذلك مع تحميل الأجهزة الأمنية مسؤوليات جساماً من دون ادارة سياسية مناسبة. ومع تثمين الجهد الذي تبذله تلك الأجهزة، ليس باستطاعتها في المقابل سوى أن تحاول حل جزء محدود من المشكلة، لأن المعالجة الشاملة لهذا الملف تتجاوز دورها ومهماتها، وهي مهمة تقع على عاتق الدولة والحكومة مجتمعة.

الفلسطينيون مسؤولون بالقدر نفسه عن حماية أمن المخيم وسكانه. ونقصد بعبارة الفلسطينيين هنا السلطة والسفارة وعموم الفصائل الفلسطينية. يستوي في ذلك من يتمتع بغطاء شرعي ديبلوماسي أو شعبي تنظيمي أو مسلح. ينسحب الأمر على اللجان الشعبية في المخيم واللجان الأمنية التي لم تكن حتى الآن على قدر المسؤولية المطلوبة. فتعدد المرجعيات وتضارب المصالح داخل كل طرف وبين الأطراف يحد من قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة.

الأمن الاستباقي يعزز التطرف

إن الجانب الأمني في موضوع مخيم عين الحلوة هو مكون محدود من قضية هذا المخيم، فيما المكونات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والتربوية هي الأصل. انطلاقا من ذلك فإن بناء الجدران لا يحل المشكلة بل يفاقمها. فقد أثبتت التجارب القريبة والبعيدة على حد سواء أنها أعجز عن ضبط محاولات الدخول والخروج. ومع كل هذا يبقى الخوف الأكبر في أن يتحول هذا المشروع الذي يقال إن هدفه تلافي المخاطر الأمنية مدخلاً لتفجيرات أمنية تؤدي عكس المراد منه. إن علاج الوضع الأمني في عين الحلوة وسواه يبدأ بإعادة بناء الثقة بين اللاجئين الفلسطينيين والدولة اللبنانية ضمن مقاربة سياسية اقتصادية اجتماعية معيشية تنموية تفتح على الأمل بدل سياسات المعازل والتهميش والمهانة التي تشرع الأبواب نحو الكوارث التي تصيب من الفلسطينيين واللبنانيين مقاتل كثيرة.

إن عزل التطرف داخل مخيم عين الحلوة يستلزم تكامل الجهود من أجل مواجهة التيارات والخلايا التكفيرية فيه، التي تحاول فرض صورة مختلفة عن الصورة الأصلية للمخيم بما هو تجمع سكاني ينشد أبناؤه الأمن والاستقرار وتحسين مقومات عيشهم. تحاول هذه الجماعات مستفيدة من انفلات الصراع على مستوى المنطقة أن تجعل منه بؤرة إرهاب في ظل أوضاع حسَاسة على صعيد الجنوب ولبنان وسوريا بالطبع. المخيم بالتأكيد ليس بالصورة التي يروج لها، مرتعاً للمتطرفين والمطلوبين. فالمخيم الأكبر لبنانياً فيه أكثر من 70,000 لاجئ ينشدون حياة طبيعية شأنهم شأن جيرانهم اللبنانيين، رغم أن فيه بضع مئات أو أقل يحوّلون صورته النمطية الى ما نراه كل يوم على شاشات الاعلام.

لا حل أمنياً لمشكلات عين الحلوة، بل حلّ سياسي اجتماعي، ضمن خطة شاملة طموحة تقودها الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها بالانفتاح على الطرف الفلسطيني. إننا نرى أن تفكيك الشبكات التي تعيث فسادا واغتيالات وتفجيرات يستلزم تحقيق الخطوات الآتية:

- تعزيز الطابع المدني لحياة المخيم الذي أثبت على امتداد المرحلة الماضية استعداده وقدرته على مواجهة المنحى التفجيري من خلال التظاهرات التي نظمها والشعارات التي رفعها في مواجهة حال التسيب.

- إفساح المجال في حياة المخيم الداخلية للعمل السياسي السلمي من خلال دينامية عمل مشترك بين مجموع الفصائل وتنظيمات المجتمع المدني.

- اعتماد مقاربة تنموية للمخيم تتضمن في جانب منها عملية مدروسة لمكافحة الفقر والبطالة والآفات الاجتماعية والمعيشية التي تعصف بحياة سكانه والتي تستغلها الجماعات التكفيرية لاجتذاب العناصر الى صفوف شبكاتها.

انسداد هنا وانسداد هناك

ينصرف كل منا الى مواجهة الآخر، فيما المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وفي قلبها قضية اللاجئين تبلغ مستويات غير مسبوقة. فعملية السلام في شلل تام، والعالم منصرف الى الأزمات الإنسانية، والعرب منصرفون الى أزماتهم الداخلية. اما "الاونروا" فتشهد تراجعاً غير مسبوق على مستوى عجز موازنتها الذي بات يتكرر سنوياً. يترافق ذلك مع تردي مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وارتفاع نسبة الفقر في المخيم بما يصل الى اكثر من ثلثي السكان في المخيمات، كما تؤكد ذلك العديد من الدراسات وآخرها الدراسة التي أجرتها كل من الجامعة الأميركية و"الاونروا". في ظل انسداد أفق حل سياسي للقضية الفلسطينية، كم نحن أحوج الى الوعي لخطورة المواجهة التي نخوضها سوياً لبنانيين وفلسطينيين من أجل دعم العودة وازالة الجدران بدل بنائها.

* رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني

المصدر: النهار