القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

غزة تواجه واقعها وتعرف طريقها

غزة تواجه واقعها وتعرف طريقها

بقلم: ناجي الظاظا

بعد الحديث عن فرص تمديد وقف إطلاق النار في غزة مقابل رفع للحصار -أو تخفيفه- تظهر التصريحات الإسرائيلية التي تتوعد غزة بالحرب والموت. فهل غزة في طريقها للاستسلام وإلقاء السلاح جانباً؟ وهل تملك غزة وسائل الصمود؟ وإلى متى يمكن لهذا الحال أن يستمر؟.

لم تبدأ معاناة غزة مع حرب الـ51 يوماً عام 2014 ولم تكن حروب 2008-2009 أو 2012 هي أقسى ما تتعرض له تلك المنطقة التاريخية. فمنذ أن تم احتلال قطاع غزة عام 1967م، وقت أن كانت تحت الحماية المصرية المباشرة، وهي تعاني من ظلم الاحتلال ومرارة العزلة. احتلال عزلها عن تواصلها الجغرافي مع باقي أجزاء الوطن في الضفة الغربية والقدس والأراضي الفلسطينية التي احتلت قبلها بعشرين عاماً (1948م)، وعزلها عن عمقها العربي والإسلامي بما لا يسمح بنصرتها حتى في أصعب محنها!.

ومنذ توقيع اتفاق غزة-أريحا في 4 مايو 1994م والذي منحها حكماً ذاتياً شكلياً؛ حل محله بعد ذلك اتفاق أوسلو1 وأوسلو2 في سبتمبر 1995م، وهي -غزة- لا تزال تعاني الإهمال السياسي الذي أسقط أخصب مناطق القطاع من الاتفاق، منطقة "المواصي" والتي تعتبر "سلة غذاء" قطاع غزة! مروراً ببروتوكولات باريس الاقتصادية التي ربطت اقتصاد غزة بالاقتصاد الإسرائيلي، بل جعلت كل صادر أو وارد لها لابد وأن يدخل ضمن الحسابات الإسرائيلية بل والموافقة الإسرائيلية المسبقة! مما جعل اقتصاد المدينة بأكمله مرتبطًا بالمعابر الإسرائيلية التي يديرها ضابط أمن يتبع للجيش الإسرائيلي!

عاشت السلطة الفلسطينية في ظل تلك الأجواء منذ 1994 وحتى 2006 أي إلى وصول حركة حماس إلى المجلس التشريعي (25 يناير 2006) وتشكيلها الحكومة العاشرة، حيث دخلت عزلة غزة مراحل جديدة شملت هذه المرة دوائر عربية وأخرى فلسطينية بالإضافة لدائرة الحصار الإسرائيلية. قام الرئيس محمود عباس بسحب كل ما أمكنه من مقدرات الحكومة ليضمها إلى ما سمي بمؤسسة الرئاسة، وتعزز ذلك باستنكاف الأجهزة الأمنية عن الانصياع لأوامر وزير الداخلية، ولم يعبر التلفزيون الرسمي عن سياسة الحكومة بل ناصبها العداء، وظهر جلياً أن حركة فتح التي هيمنت على القيادة الفلسطينية سواء في منظمة التحرير أو الحكومات التسع السابقة، تنقلب على نتائج انتخابات شهد لها العالم بالنزاهة والشفافية، فأعلنت تمردها على الحكومة مستخدمة عشرات الآلاف من رجال أمن السلطة الذين صاغتهم على عينها إضافة إلى تشكيلاتها العسكرية.

خاضت الحركتان نزاعاً دموياً وصل في النهاية إلى انهيار أجهزة الحركة الحكومية والأمنية أمام قوة حركة حماس الميدانية. ومنذ ذلك اليوم التاريخي (14 يونيو 2007م) أصبحت استعادة غزة هي همّ الرئيس عباس وجهازه التنظيمي، فتحالف علناً مع كل من أمكن التحالف معه لتحقيق ذلك الهدف ولكن دون جدوى!

وها هي غزة اليوم تنتظر 5.4 مليارات دولار أمريكي تعهد بها المشاركون في مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة الذي انعقد في 12 أكتوبر 2014 عقب حرب العصف المأكول 2014 (51 يومًا) وهي في أسوأ أحوالها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كانت تلك هي غزة التي وصفتها تقارير الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني بأنها غير قابلة للحياة وأن استمرار الحصار سيجعل منها مدينة لا يشرب ماؤها ولا تسكن أرضها ولا يؤكل زرعها! في وصف مهيب للحالة الصحية والإنسانية الكارثية التي يحذر منها العالم!.

هنا تعلن غزة أنها ماضية في مشروعها ومطالبها التي لا تزال ترفعها. مشروعها الذي يشمل تحرير الأرض والإنسان، ومطالبها التي تشمل حريتها الكاملة برفع الحصار وتوفير سبل الحياة لها وطرق التواصل التجاري مع العالم.

تاريخ غزة لا يمنحها فرصة الاستسلام! فلو أرادته لكان ذلك بعد حرب الفرقان 2008-2009 أو حرب العصف المأكول 2014. لكنها تحمل جينات الثبات والصمود في أبنائها الأحرار الذين يحملون هم تحرير فلسطين، وهم الذين يعلمون أنهم على طريق تحرير المسجد الأقصى ماضون.

تدرك غزة أنها لا تحارب من أجل حاضرها فحسب، بل من أجل مستقبل رام الله ونابلس والجليل! تحمل لواء تحرير القدس عالياً وهي تدرك أنها في كل حرب تخرج أصلب عوداً وأقوى شكيمة كما شهد لها بذلك أعداؤها قبل الأصدقاء، فهي تخرج من حرب لتستعد إلى جولة نصر جديد.

المصدر: فلسطين أون لاين