القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

غزة.. وإستراتيجية المقاومة

غزة.. وإستراتيجية المقاومة

علي هويدي*

هي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيه غزة للعدوان الصهيوني، فقد سبقها اعتداءات كثيرة حاولت إجتثاث المقاومة وجرها الى بيت الطاعة "الأوسلوي" سواء في نهاية عام 2008 وبداية العام 2009 وعام 2012 وغيرها والآن في تموز 2014، وفي كل مرة تُفاجِئ المقاومة العدو والصديق بتطورها النوعي وبالإبداع والأداء المتميز، سواءً على مستوى جهوزية العتاد العسكري أو الإعداد اللوجستي أو الخطط والأفكار النوعية، واصابات دقيقة للأهداف، واستطاعت أن تحول جميع أماكن تواجد الكيان الصهيوني في فلسطين ومؤسساته الحيوية وقواعده العسكرية بمرمى نيران المقاومة، ليصل مدى الصواريخ الى حوالي 160 كلمتر حيث حيفا والقدس والخضيرة وتل الربيع وغيرها... من الأماكن الجغرافية والمغتصبات الصهيونية وهذا ما لم يكن يتوقعه الاحتلال.

لكن ربما نجاح المقاومة الاهم ما قامت به من بناء منظومة ثقافية، وتبنِّي من قبل كافة شرائح المجتمع الفلسطيني في القطاع على وجه الخصوص، والالتفاف الشعبي المؤيد والمساند والحامي والمدافع، والتمسك بأرض غزة كعنوان للثبات والصمود والمقاومة بغض النظر عن الظروف سواء بحصار غزة الظالم الذي مر عليه أكثر من سبعة سنوات، أو الاعتداءات الصهيونية الوحشية المتكررة وتدمير المنازل عن بكرة ابيها واستهداف الآمنين من المدنيين من الاطفال والنساء والشيوخ..، وربما خير دليل ما حصل إبان العدوان الصهيوني على غزة في العام 2012 وكيف كانت الحدود مع مصر مفتوحة، إلا أن أي من الفلسطينيين في غزة قد غادر هربا الى مصر او اي من الدول الاخرى، وهذا يسجل من النجاحات الاستراتيجية بشهادة القاصي والداني، فقد نجحت المقاومة أن تشكل حاجة ضرورية للانسان الفلسطيني ولا شيئ سوى المقاومة طالما ان هناك احتلال صهيوني، لتصل الى الحرب الاعلامية والنفسية التي بدأ المقاوم الفلسطيني يتقن استخدامها ويعلم بالضبط مدى تاثيرها في نفس العدو الذي ارتجف واحدث الخلل والرعب في جبهته الداخلية الذي حتما يؤثر على القرار السياسي الصهيوني، وما اللقاءات المتتالية للكابينيت والتصريحات المختلفة الا دليل عن فشل ذريع لخطة الاحتلال في مواجهة المقاومين في غزة، ولينتقل للحرب الالكترونية بتعطيل حواسيب العدو وبث الدعايات والاعلانات المؤثرة وباللغة العبرية، وبهذا فإن معادلة كي وعي الشعب الفلسطيني التي لا ينفك يطلقها الاحتلال، قد انقلبت رأسا على عقب، فخروج مقاومين من البحر كان آخر ما يتوقع الكيان الصهيوني وان يتقدم ويشتبك مع القواعد العسكرية لجيش الاحتلال من المفاجآت التي لم يحسب لها الاحتلال أي حساب، وفشل استخباري ذريع للاحتلال بعدم معرفة حجم واماكن وقدرة سلاح المقاومة..

بمقاومة الشعب الفلسطيني في غزة وبتلاحم فصائل العمل الوطني وباذرعتها المقاومة يشكل رسالة استراتيجية لجميع الفصائل التي لا تزال تعتقد بان نهج المفاوضات ممكن ان يدوم او يحقق نقاط نوعية في مرمى العدو الصهيوني، وبان من يصنع التاريخ الجديد للامة هم رجال المقاومة الذين يخوضون معارك الانتصار نيابة عن الامة وعن الشعوب العربية والاسلامية.

في المحصلة ستهرع كل من مصر والامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي لطلب التهدئة بتوجيهات من الولايات المتحدة الامريكية وليس كما جرت العادة، فالمقاومة تدعو الجميع لتحمل مسؤولياتهم تجاه ما يجري في غزة لكنها لم ولن تستجدي التهدئة وتصريحات قادة المقاومة الواثقة تتحدث عن قراءة بيان النصر القادم تماما كما حصل في العام 2012، فمن يفرض الشروط هو الطرف الاقوى وارادة المقاومة في غزة قد تفوقت على ما يقوم به الاحتلال من اعمال بطش عشوائي واستخدام لكل ما لديه من اسلحة فتاكة.

مفصل من المفاصل الاستراتيجية التي حققتها المقاومة بذكائها وحسن إدارتها للمعركة، فشل وضرب منظومة الأمن والأمان للكيان الصهيوني ومغتصبيه القادمين من اوروبا وافريقيا ودول العالم، وهذا ما يحاول الكيان توفيره منذ ان حطت رحاله محتلا في ارض فلسطين، ولا يتوقف بمحاولات الاغراء لجذب المزيد من المغتصبين، ليصبح الفرار والبحث عن الاماكن الآمنة القريبة من القرى والمدن الفلسطينية، فاختباء حوالي سبعة ملايين صهيوني وقضاء ليلتهم في الملاجئ بسبب ضربات المقاومة امر لا يستطيع القرار السياسي والجبهة الداخلية للكيان ان يتحمل تداعياته.. ليتراكم هذا التطور النوعي الاستراتيجي ليتحول الى هجرة جماعية عكسية مخيفة تقلق الكيان وتهدد شرعية وجوده في المستقبل.

في كل جولة تصعيد همجي جديد للاحتلال على القطاع، تصنع المقاومة تحولاً نوعياً وتزداد قوةً وثباتاً وتطلعاً نحو الهدف المنشود بدحر الاحتلال ليس فقط عن اراضي الضفة وغزة وانما الى زوال هذا الكيان الى غير رجعة، وعودة اصحاب الارض الاصليين من اللاجئين الفلسطينيين. هذه الاستراتيجية بدأت منذ عقود، وحتما هي مستمرة باستمرار المقاومة، وإذا كانت نهاية العدوان على غزة في العام 2012 كان باستهداف المقاومة لتل الربيع بصواريخ جديدة ونوعية، فان بداية العدوان في العام 2014 كان باستهداف تل الربيع وتفجير نفق أسفل معبر كرم ابو سالم وعملية نوعية باستهداف قاعدة زيكيم البحرية الاسرائيلية على شواطئ عسقلان، واستخدام نوع جديد متطور من الصواريخ النوعية، فكيف سينتهي هذا العدوان؟ هذا ما ستجيب عليه مفاجآت غزة المقاومة.. وبرؤية استراتيجية اخرى..

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني