القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

غزّة وصفقة القرن... وحدة مع الضفّة شمالاً أم توسّع مع مصر جنوباً

غزّة وصفقة القرن... وحدة مع الضفّة شمالاً أم توسّع مع مصر جنوباً

عدنان أبو عامر

يزداد الحديث عن قرب إعلان صفقة القرن لحلّ الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ، والتي بدأت إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب العمل بها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لكنّ كبير مستشاري دونالد ترامب جيراد كوشنير كشف في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" عربيّة بـ25 شباط/فبراير عن بعض تفاصيل الصفقة، كونه أحد عرّابيها، وقال: "إنّ الولايات المتّحدة تريد رؤية الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة تحت حكومة واحدة، من دون فصل جغرافيّ بينهما، وآمل أن يتمّ جمع حماس وفتح في بنية حكوميّة واحدة، لأنّ الاقتصاد الفلسطينيّ سيبقى ضعيفاً وسط غياب السلام".

أتت تصريحات جيراد كوشنير خلال جولة إقليميّة له بين 25 شباط/فبراير و1 آذار/مارس، وشملت: السعوديّة، الإمارات العربيّة المتّحدة، عمان، قطر، البحرين، وتركيا، في محاولة لتحشيد المزيد من التأييد والدعم لصفقة القرن، ولئن شملت الجولة دول الخليج لحشد التمويل لإنجاح الصفقة، فإنّ وجود تركيا ضمن الجولة مثير للتساؤلات، ربّما لارتباط أنقرة بعلاقات إيجابيّة جدّاً مع السلطة الفلسطينيّة و"حماس"، وإمكانيّة إقناعهما بالصفقة.

وقال المتحدّث باسم "حماس" حازم قاسم لـ"المونيتور": "إنّ كوشنير يتجاهل أنّ سوء وضع غزّة نتيجة حصارها من قبل إسرائيل وواشنطن بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعيّة خلال عام 2006. وإنّ حديث كوشنير عن توحيد غزّة والضفّة يتناقض مع مواقف بلاده المعارضة دائماً لإنهاء الانقسام الفلسطينيّ، لأنّها تعزّز الشرخ بينهما لإضعاف الموقف الفلسطينيّ. لن يستطيع أحد تغيير الواقع في قطاع غزّة، إلاّ بإرادة شعبيّة عبر الانتخابات، وليس بإزاحة جهة فلسطينيّة وإحلال أخرى، وحماس ستقاتل من أجل منع فصل غزّة عن بقيّة الوطن الفلسطينيّ".

لعلّها المرّة الأولى التي يتحدّث فيها مسؤول أميركيّ بهذه الصراحة عن جمع "فتح" و"حماس" في حكومة واحدة، من دون اشتراطات، لأنّ الموقف الأميركيّ التقليديّ يشترط لدمج "حماس" في أيّ حكومة فلسطينيّة الاعتراف بالاتفاقيّات مع إسرائيل ونبذ العنف، وآخرها اتفاق المصالحة في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017.

ولذلك، يثير حديث كوشنير عن جمع غزّة والضفّة بقيادة واحدة سيناريوهات عدّة بين إتمام المصالحة بين "فتح" و"حماس" التي طال أمدها منذ عام 2007، أو تنفيذ عمليّة عسكريّة إسرائيليّة واسعة تطيح بـ"حماس" وتأتي بالسلطة الفلسطينيّة لاستلام القطاع، وهذا سيناريو مستبعد، لأنّ إسرائيل شنّت 3 حروب سابقة على غزّة بين عاميّ 2008 و2014 من دون القضاء على "حماس".

وفي هذا الإطار، قال عضو المجلس الثوريّ لحركة "فتح" ورئيس اللجنة السياسيّة في المجلس التشريعيّ عبد الله عبد الله لـ"المونيتور": "إنّ تفسير حديث كوشنير يعني أنّ حماس مرشّحة لاستلام غزّة والضفّة الغربيّة معاً بعد إقناعها أو الضغط عليها من مصر وقطر وتركيا للقبول بهذا الدور. أمّا السلطة الفلسطينيّة فلن تقوم بهذا الدور لأنّ السلوك الأميركيّ والإسرائيليّ يهدف إلى ضربها والقضاء عليها".

وفور صدور تصريحات كوشنير، خرجت ردود الفعل الفلسطينيّة والإسرائيليّة والعربيّة.

فلسطينيّاً، أكّد عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير أحمد مجدلاني لإذاعة "فلسطين" في 2 آذار/مارس أنّ "الرئيس محمود عبّاس أحبط تحرّكات مبعوثي واشنطن للمنطقة للترويج للصفقة القائمة على الحلّ الاقتصاديّ"، لكن مجدلاني لم يذكر كيفية إحباط عباس لجهود كوشنير، وما الذي قام به بالضبط.

إسرائيليّاً، قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكريّة الجنرال عاموس يادلين لصحيفة "معاريف" في 25 شباط/فبراير، إنّ "حديث كوشنير للمرّة الأولى عن وحدة غزّة والضفة بقيادة واحدة قد لا ينجح، فالفلسطينيّون خاضوا مباحثات لإنجاح المصالحة منذ 12 عاماً، من دون جدوى، لكنّ واشنطن تحاول النجاح حيث فشلوا".

عربيّاً، زار أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات قطر في 2 آذار/مارس، واطّلع على نتائج جولة كوشنير، وأكد أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال لقائهما مع عريقات، أنهما أكدا لكوشنير أن الحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود حزيران 1967، تعيش بأمن وسلام بجانب إسرائيل، فيما أشاد عريقات بمواقف قطر على الدعم المتواصل للشعب الفلسطيني، وقد وصل كوشنير إلى قطر يوم 1 مارس، والتقى وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وبحثا عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.

أمّا عبد الخالق عبد الله، وهو المستشار السابق لوليّ عهد الإمارات محمّد بن زايد، صديق كوشنير، فشنّ في 28 شباط/فبراير على "تويتر" هجوماً على السلطة الفلسطينية بسبب رفضها صفقة القرن، وحذر أنه إن لم تقبل بها، فإن إسرائيل ستعلن ضم الضفة الغربية إليها كلياً ونهائياً.

وقال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "الأمّة" بغزّة حسام الدجني لـ"المونيتور": "إنّ تصريح كوشنير عن وحدة الضفّة وغزّة تحت حكومة موحّدة يعني موافقة واشنطن على حلّ الدولتين وإجراء المصالحة بين فتح وحماس، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على إتمامها، ومطلوب من حماس الاستفادة من التوجّه الأميركيّ الجديد بدعم المصالحة. حكم حماس مستهدف من دول المنطقة بمعظمها، وتعمل على تقويضها وإفشالها بحصارها في غزّة، لكنّ السؤال: هل المجتمع الدوليّ قادر على تقويض حماس ومن هو بديلها وما الآليّات التي سيتمّ إنهاء حكم حماس بها".

ونقلت صحيفة "القدس" الفلسطينيّة في 27 شباط/فبراير عن مصادر في واشنطن أنّ كوشنير يسعى إلى إعطاء غزّة حكماً ذاتيّاً وتحافظ على علاقات مع مناطق "أ" في الضفّة الغربيّة وتواصلاً بريّاً بينهما، وبناء ميناء كبير في غزّة، ووسائل خلاّقة للنقل الجويّ من غزّة وإليها للأفراد والبضائع، واستثمار الدول الخليجية الغنية والولايات المتحدة 25 مليار دولار في الضفّة وغزّة خلال 10 سنوات، و40 مليار دولار في مصر والأردن ولبنان.

وقال رئيس تحرير صحيفة "الاقتصاديّة" في غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ تصريحات كوشنير تشير إلى أنّ القضايا الاقتصاديّة والمشاريع الاستثماريّة الإقليميّة والفلسطينيّة أبرز معالم صفقة القرن، عبر منظومة ربط اقتصاديّ إقليميّة لتحقيق مصالح دول المنطقة ودمج إسرائيل فيها. كوشنير يسعى إلى رؤية غزّة والضفّة تحت قيادة موحّدة، لكنّها قيادة لا تعارض واشنطن. ولذلك، فهو لا يرى حماس أو عبّاس صورة القيادة التي ستمرّر الصفقة".

قد يكون منطقيّاً أن تشمل المنح الماليّة الأراضي الفلسطينيّة والأردن ولبنان، سواء لتوطين اللاّجئين فيها أو لإعادة ترميم اقتصادها المتهالك، لكنّ وجود مصر ضمن الدول المشمولة بهذه المنح يثير تساؤلات حول توسيع غزّة جنوباً نحو سيناء تحت غطاء تنمويّ كمدن صناعيّة ومناطق حرّة مستأجرة لـ99 عاماً، الأمر الذي قد يعني أنّ مصر ودولاً أخرى قد تضطلع بدور لإقناع "حماس" بالصفقة كونها مسيطرة على غزّة، وإن لم تكن الموافقة عليها، على الأقلّ عدم معارضتها، رغم إعلان "حماس" الدائم رفض الصفقة.

المصدر: المونيتيور