فاقدو الأوراق الثبوتية: معاناة تزداد وحلول مطلوبة
بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان
كان مقاتلاً في صفوف الثورة الفلسطينية في الأردن
(هنا لا يهم الاسم)، وبعد مغادرة المقاومة للأردن اثر أحداث 1970، لم يعد يمتلك أوراقاً
ثبوتيَّة تُعرّف عنه، وعن أولاده. بدأت المشكلة تكبُر كلّما كبُر الأولاد وتعقدت ظروف
الفلسطيني، هذه الكلمات القليلة تختصر معاناة ما يقارب خمسة آلاف شخص لا يملكون أوراقاً
ثبوتيَّة.. تُعرّف عنهم، مما يجعل حياتهم صعبة كلما واجهتهم مشكلة، أو تطلّب الأمر
انتقال أحد الأبناء إلى الجامعة، أو إلى المستشفى!
وتُشكّل هذه الوضعية إنتهاكاً فاضحاً للمادة السادسة
من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص "أن لكل إنسان أينما وجد الحق في
أن يُعترف بشخصيته القانونية"، والذي وقع عليه لبنان.
وتعود جذور هؤلاء الفلسطينيين إلى الذين قدموا إلى
لبنان في السبعينات، إما ليقاتلوا جنباً إلى جنب مع منظمة التحرير الفلسطينية أو كانوا
موجودين في لبنان لأسباب أخرى، وقد أُجبروا على البقاء فيه لأنّهم مُنعوا من العودة
إلى البلدان التي كانوا مقيمين فيها في المحيط العربي أو في الأراضي الفلسطينية بعد
نزوحهم عنها عقب حزيران 1967.
وزادت ظروف حياة فاقدي الأوراق الثبوتيَّة صعوبة
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية إثر توقيع اتفاق الطائف سنة 1989، التي أنهت الحرب
الأهلية (1975-1989).
ولا يمتلك هؤلاء اللاجئين، أي أوراق صادرة عن مديرية
الشؤون السياسية واللاجئين (الهويات، إخراجات القيد، وثيقة الولادة...) أو ومديرية
الأمن العام اللبناني (وثيقة السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين).
ويحوز البعض القليل من أصحاب هذه الفئة على ورقة
صادرة عن الأمن العام اللبناني (باعتبار أنهم أجانب) يستطيعون من خلالها التنقل فقط،
ويجدون صعوبة بالغة في تجديدها. ومن لا يملك هذا التصريح من الأمن العام لا يستطيع
مغادرة مكان سكناه خشية الاعتقال، وبانتظار إيجاد حل لهذه المشكلة.
معاناة
كما أن هذه الفئة تعاني بحسب تقرير صادر عن مؤسسة
"شاهد" "صعوبة بالغة في التزاوج، بسبب عدم القدرة على تدوين الزواج
أو تسجيل الأولاد، وهو ما يجعل معدّلات العنوسة في أوساط هذه الفئة مرتفعة للغاية.
ويتعارض ذلك بشكل صارخ مع حقوق المرأة المنصوص عليها في اتفاقيات عديدة خاصة بالمرأة،
لا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979".
كما أنّهم يواجهون "صعوبة بالغة في الاستشفاء
خاصة أنهم لا يحملون أي ورقة تخولهم الاستفادة منها (الأونروا بشكل خاص تقدم لهم العلاج
في عياداتها فقط، وهو علاج يقتصر على المعاينة الأولية)".
وبالنسبة لهذه الفئة فإنهم يتزوجون بعقود شرعية،
لكن غير مسجلة في دوائر اللاجئين في وزارة الداخلية ولا لدى وكالة الأونروا، وخاصة
أن الزواج يتم بموجب بطاقة انتساب إلى الفصائل الفلسطينية كبطاقة تعريف. وقد ترتبت
على عقود الزواج تلك مشاكل اجتماعية وقانونية، نتيجة عدم استطاعة هؤلاء تسجيل أبنائهم
في دوائر وزارة الداخلية اللبنانية، أو في سجلات وكالة غوث اللاجئين. ولا يحمل فاقدو
الأوراق الثبوتيَّة سوى ورقة تعريف صادرة عن ممثلية منظمة التحرير في لبنان. ومن بين
هؤلاء فلسطينيون يحملون أوراقاً ثبوتيَّة مصرية وأردنية منتهية الصلاحية، وأصحابها
غير قادرين على تجديدها.
مشكلات
وعدّد بحث لمنظمة "ثابت" المشكلات التي
يواجهها الفلسطينيون فاقدي الأوراق الثبوتية وغير المسجلين بـ: (43%) يرون أن صعوبة
الحركة وتقييدها هي المشكلة الأكبر التي تواجههم. و(21%) قلّة التسجيل/التوثيق. و(15%)
المعاناة من الخدمات الطبية، بالإضافة إلى ذلك التعليم (39%)، والوصول إلى سوق العمل
(39%)، والوصول إلى خدمات الأونروا (10%)..
ويرى مصدر في الأمن العام اللبناني بحسب ما ورد
في بحث لمنظمة "ثابت" أن مسألة حصول هؤلاء الأفراد على وثائق ثبوتية تُعدُّ
مسألة سياسية بالدرجة الأساس بالإضافة إلى كونها وضعاً قانونياً... بخاصة وأن نسبة
كبيرة منهم تمتلك أوراقاً قانونية كانت بحوزتهم تؤكد أهليتهم وبأنهم فلسطينيون. غير
أنها غير صالحة في لبنان، حيث أن (52.5%) تم تسجيلهم سابقاً في الدول التي قدموا منها
و (6.0%) منهم مسجل من قبل الأونروا بالإضافة إلى أن جميعهم تقريباً حمل بطاقة مقاتل
في منظمة التحرير الفلسطينية بينما بقي (5%) فقط لم يسجلوا أبداً ولا يملكون أي أوراق
ثبوتية.
المطلوب
تحتل مسألة فاقدي الأوراق الثبوتيَّة أهمية قصوى
بالنظر إلى أوضاعهم القانونية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة. وفي هذا المجال، تقوم
لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بالعمل مع وزارة الداخلية والبلديات وجميع المعنيين
باتجاه:
- توضيح وتحديد أسباب رفض العمليات وتسريع آلية النظر في الملفات المطروحة
للدرس.
- تنفيذ مشروع "بطاقة تعريف الفلسطينيين دون
الأوراق الثبوتيَّة" التي ستكون بمثابة أداة لتسجيل وتوثيق الولادة والزواج والطلاق
والموت في السجلات الرسمية، لأنها ستكون مقبولة من جميع الإدارات الرسمية في لبنان
بشكل عام ومن مديرية الشؤون السياسية واللاجئين بشكل خاص.
- إصدار تعميم رسمي وواضح يشير إلى الاستعمال المعيّن لهذه البطاقة والحقوق
المرتبطة التي يتمتع بها حاملها.
- تحديد الآلية الرسمية
لإصدار وتجديد الطلبات.
- تمديد صلاحية البطاقة
لأكثر من سنة واحدة.
- تسهيل عملية تجديد البطاقة وتفادي أي عملية
اختيارية ممكنة.
- تفعيل التواصل والتعاون الإقليمي في هذا
المجال.
- الطلب إلى الأونروا إجراء إحصاء رسميٍّ
للفلسطينيِّين فاقدي الأوراق الثبوتيَّة، وتزويد الجهات الرسميَّة اللبنانيَّة المعنيَّة
بهذا الملفّ، وباللوائح.
- اعتبارهم أشخاصًا جديرين بالحماية والاعتراف
بهم من الهيئة العليا للاَّجئين في الأمم المتَّحدة.
- العمل على قبول طلبات اللاجئين للعودة إلى
بلد اللجوء السابق.
- العمل على منح الأولاد جنسيَّة كل من والدهم
ووالدتهم.
- الطلب من الدول الأساسية التي شطبت أسماء
هؤلاء عن جداولها إعادة تسجيلهم بحسب القانون الدولي، وهذا يتطلب توقيع تفاهم مع هذه
الدول (الأردن – مصر).
ويعتبر زياد صايغ، المستشار السابق لرئيس لجنة الحوار
اللبناني- الفلسطيني أن التوصل إلى حل نهائي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وهي إنسانية
في الدرجة الأولى وسياسية في الدرجة الثانية، يتطلب من السلطات الإدارية اللبنانية
تفسير الإجراءات والقوانين الحالية على نحو أقل تشددًا، من أجل منح الحقوق الإنسانية
الأساسية لأشخاص قضوا معظم عمرهم في لبنان وليس لهم مكان آخر يذهبون إليه دون حتمًا
المساس بحقّ العودة. ورغم أن القوانين اللبنانية لا تعترف إلا باللاجئين الذين أتوا
إلى لبنان قبل عام 1962، فإنها لا تمنع السلطات من الإعتراف باللاجئين الذين قدموا
حتى عام 1987، تاريخ إلغاء اتفاقية القاهرة على أن في ذلك محاذير سياسية شتىّ. وهنا
على وجه التحديد يجب منح فاقدي الأوراق الثبوتيَّة بعد إحصائهم وتحديد جداول بهم، ما
يُعرِّف بهم من الدول التي أتوا أصلاً منها، كما شملهم بخدمات الأونروا. كما محاولة
توحيد الإحصائيَّات في عدد اللاجئين الفلسطينيِّين بين وزارة الداخليَّة، ومديريَّة
الأمن العامّ، والأونروا، وممثِّليَّة منظَّمة التحرير، كما توحيد الرؤية في معالجة
مسألة فاقدي الأوراق الثبوتيَّة.
وبعد سلسلة من التحركات على مدار سنوات يبدو أن
هناك مؤشرات قد تؤدي لوضع هذه المسألة على سكة الحل، ومن هذه المؤشرات ما قاله أمين
سر حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات، خلال زيارة أم جهاد الوزير لمقر شؤون الشهداء
بمخيم عين الحلوة، حين أعلن أن السلطة ستقوم بإصدار جوازات لفئة فاقدي الأوراق الثبوتيَّة،
بمجموعات مؤلفة من خمسين شخصاً كل مدة... هذا الكلام اعتبره البعض "تطوراً مهماً"
لحل هذه المسألة..
فهل تنتهي مأساة هذه الفئة من اللاجئين قريباً؟!
المصدر: نشرة البراق