"فتح" وازدواجية القبول
والرفض
أمجد عرار
رفض
حركة "فتح" مطلب الاعتراف بيهودية "إسرائيل"، موقف أكثر من
جيّد، بل أكثر من ممتاز، لكن المواقف الأكثر من ممتازة كثيرة ومتراكمة بعدد
بياناتها. إذا عدنا إلى الوراء، إلى "كامب ديفيد" التي أخرجت مصر
الرسمية من الصراع مع العدو، وصولاً إلى آخر وصفة سوريالية للسلام مع
"إسرائيل" كانت بيانات "فتح" تدعو إلى الالتزام بالثوابت
الوطنية . وإذا فتحنا أدبيات الحركة نجد الثوابت ما زالت صامدة حروفاً وكلمات
وأسطر ونصوصاً.
هذا
مهم لكنّه ليس الأهم ما دامت النصوص ترتفع فوق مستوى الخلاف السياسي الفلسطيني،
فيما الكرة الفلسطينية تدور حول نفسها، وفي مدار التسوية العبثية. ففي واقع الأمر،
الطواقم التي ذهبت إلى مدريد وفاوضت إحدى عشرة جولة في واشنطن، ثم ذهبت سراً إلى
أوسلو وفاوضت ووقّعت الاتفاق وملحقاته وتوابعه اللاحقة في القاهرة وطابا، والتي
أنشأت بالتالي السلطة الفلسطينية بلا سيادة وبلا حل للقضايا الأساسية، وبلا تبييض
للسجون وتحرير الأسرى كعربون أولي للتسوية بحدودها الدنيا، كل هذا تم بقيادة
وإشراف "فتح" التي هي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والآخرون من
الفصائل إما رافضون عاجزون عن التأثير، أو موافقون عاجزون عن البوح، أو موافقون
علناً.
لو
لم تقد "فتح" هذا المسار لما أصبح مساراً أصلاً، فهي العمود الفقري
لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي التنظيم الأكثر انتشاراً شعبياً، والأوسع علاقات
مع العرب والعالم، والأكثر امتلاكاً للإمكانات المادية. لو لم تسلك هذه الحركة أي
طريق لما تحوّل إلى سياسة وأمر واقع. الحقيقة المزدوجة تقول إن "فتح"
فيها من يوقّع عملياً، وفيها من يرفض، نظرياً وعملياً، وفيها من يرفض نظرياً
وينخرط في النتائج، كأن يرفض ثم يتحوّل إلى وزير أو مفاوض، وينتقد الاتفاقات ثم
يهاجم الآخرين إذا انتقدوها.
في
هذه الإزدواجية بين النظري والعملي لدى البعض تسقط الحواجز بين الرفض والقبول،
تماماً مثلما أصبح "أوسلو" أمراً واقعاً في شقّه المتعلّق باحتياجات
"إسرائيل" من دون أن يأخذ الفلسطينيون الفتات المتضمن في الاتفاق. وعلى
النسق نفسه، رفضت قيادة "فتح" والقيادة المتنفّذة للمنظمة استئناف
المفاوضات مع "إسرائيل" إلا بشروط أهمها وقف الاستيطان وتحديد مرجعية
للمفاوضات . لكن جهداً بسيطاً لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري كان كفيلاً بتبخير
الشروط، وإعادة الطرف الفلسطيني إلى المفاوضات، مع بقاء الاستيطان الذي تصاعدت
مخططاته قبل أن تبدأ الجولة الأولى من المفاوضات المستأنفة.
الآن
يقول الناطق باسم "فتح"، إن مطالبة بنيامين نتنياهو بشأن يهودية
"إسرائيل" تعتبر لغة إذعان، ويعلن صراحة أن لا قبول بهذا الطلب، ويقترح
أن تذهب "إسرائيل" إلى الأمم المتحدة لتطالب بتغيير اسمها. هل هذا
اقتراح مخرج ل "إسرائيل" يعفي الجانب الفلسطيني من موقف محرج، أم أنه
نوع من المراهنة على فشل الطلب في الأمم المتحدة؟ إذا كان اقتراح مخرج، فليوافق
الجانب الفلسطيني على الاعتراف، فالوضوح المحرج أفضل من الغموض والاختباء خلف
الإصبع، ورفض الاعتراف بالمطلب "الإسرائيلي" ليس ذا قيمة إذا لم يناضل
الرافضون ضده، ويقاوموا أي اعتراف دولي به . أما الرهان على رفض في الأمم المتحدة،
فهو محفوف بالمخاطر، ذلك أن الكثير مما كانت محرّمات دولية أصبحت مسلّمات، وكلّها
لمصلحة "إسرائيل".
الخليج،
الشارقة، 9/10/2013