فلسطينيون في مليتا: غزل متبادل
بقلم: تانيا نابلسي
هناك في مليتا قرأنا حكاية الأرض للسماء. سمعنا النداء. اختلطت مشاعرنا
ببعضها. رأينا الكثير وسافر خيالنا وقلبنا إلى أرضنا فلسطين. دخلنا في عالم
المقاومة من أوسع أبوابه لنرى ما يواجهه أهلنا في الداخل.
البدّاوي | عند بوابة مليتا، لا تستطع سوى أن تقف متسمّراً. كنت آخر من دخل
وأخذت أنظر إلى أبناء شعبي المتهافتين على الدخول إلى معقلٍ صاغته الرغبة
بالحرّية، على أمل الحصول على رشفةٍ تروي ظمأهم
إليها. أدخلونا إلى قاعةٍ كبيرةٍ نسبيّاً، حيث ترى شاشةً كبيرةً للعرض.
استقبلنا مندوب المقاومة، واصفاً فلسطين بأحلى الصفات، وبفخر قال: «لقد اتّهمونا
بأنّنا فلسطينيّون، ولنا كلّ الفخر بأن نُتّهم بهذه التهمة». وبعد أن قدم مندوب
لجان حقّ العودة مع جميع مندوبي اللجان درع المحبّة من شعبنا إلى حزب الله
المقاوم، بدأ فيلم التعريف بالقرية وتاريخها، وإذا بالسيّد يظهر ويتكلّم ويرحّب بنا.
صفّق الجميع بحرارة، وبعض أعينهم ذرفت الدموع فرحاً، مع علمنا أنّ هذا الفيلم
مسجل، ولكن كانت هناك هيبةٌ ما لحضور سيّد المقاومة. بدأ يفسّر لنا ويخبرنا
بإيجازٍ مفصّلٍ عن هذه القريّة.
ذكر مجازر الصهاينة بحقّنا، رأينا القدس تسقط ومعها سقطت دموعنا، وتعالت آهاتنا،
سقطت بيروت فأغمضنا عيوننا ألماً ومن ثمّ بدأت الانتصارات والعمليّات الجهاديّة،
وبدأ الحماسة تتسرّب إلى قلوبنا، فنصفّق مع كلّ عمليّة. انتهى العرض بوصلةٍ فنّيةٍ
من فرقة «العودة» التابعة لمركز أطفال الصمود. تغدّينا وانطلقنا.
بدأ الدليل يكلّمنا، وبين كلّ جملة وجملة يدعو لفلسطين بالحريّة. رأينا
أعمالاً فنّية لمقاومين أرادوا تجسيد بعض المقولات بأعمالهم مثل: «العين لا تقاوم
المخرز» ليُثبتوا أنّ العين هي العدو الصهيوني والمخرز هو المقاومة وليس العكس،
ثمّ نرى طائرةً حربيّةً موضوعة تحت شبكةٍ ضخمةٍ، تجسيداً لمقولة السيّد «إسرائيل
أوهن من شبكة العنكبوت». أكملنا طريقنا وصعدنا أدراجاً بين ركام الطيّارات
والدبّابات والصواريخ الّتي وقّع عليها أطفال الصهاينة قبل إرسالها لأطفال لبنان
عام 2006. وصلنا إلى مدخل الغابة، وإذا بالدليل يقول: «ما سترونه الآن مرّ به
المقاتلون الفدائيّون في فلسطين وما زالوا». أقشعر بدني لسماع هذا، وتحمّستُ أكثر.
دخلنا الغابة؛ رأينا الخيمة الّتي كان يجلس فيها السيّد عبّاس الموسوي ليودّع
المناضلين. رأينا أماكن الأسلحة مع مجسّماتٍ لمقاتلين متأهّبين. نزلنا أدراجاً
ووصلنا إلى النفق، طلب منّا الدليل قبل أن ندخل، أن لا ننظر إلى ما في النفق
بعيوننا، بل بقلوبنا. ابتسمتُ للفكرة ودخلت. يا إلهي! نفقٌ حُفر باليدين وأدوات
حفر بسيطة وُضعت هناك، غرفة القيادة، المطبخ، غرفة العبادة إلخ. أكملنا طريقنا
مسحورين برهبة المكان. خرجنا لنصل إلى مكان آخر غير الّذي دخلنا منه، المزيد من
الأشجار والورود الملوّنة والدشم والأسلحة بأنواعها من صواريخ ورشّاشات ومضادات
طيّارات. وصلنا إلى «المطل»، ساحةٌ تطلّ على وادٍ سحيقٍ، لكنه جميل المعالم.
تصوّرنا هناك وصوّرنا. عدنا لندخل إلى المتحف، من أسلحة العدو صنعوا دوّامة في وسط
المتحف، وعلى الأرض والجدران خزاناتٌ زجاجيّةٌ لملابس وأسلحة العدوّ مع أسماء كلّ
منها، خرائط حربيّة لفلسطين، أسماء هيكليّة جيش العدو، شهادات لرؤساء العدو تبرز
دهشتهم
وانهزامهم.
بدأنا نتجمّع للعودة، نظرنا إلى بعضنا، ألا نستطيع المبيت هنا؟ نريد
البقاء. ولكن كان لا بدّ من الرحيل. بدأ الضباب يظهر، اشتريتُ قبّعةً عسكريّة
وارتديتها مباشرةً.
المصدر: الأخبار