فلسطينيو أوروبا.. صعود الدور وتحولات المرحلة
بقلم: حسام شاكر
ستكون
ذكرى النكبة الفلسطينية مناسبة لفعاليات واسعة في أنحاء القارة الأوروبية، ومنها الحدث
السنوي الكبير "مؤتمر فلسطينيي أوروبا"، الذي سيلتئم للعام الثالث عشر على
التوالي متخذًا من برلين محطة له بعد أن تنقل بين العواصم.
خلف
هذه الفعاليات سيرة من النشوء والتطور شهدها الوجود الفلسطيني، في قارة انبثق منها
المشروع الصهيوني في الانقضاض على فلسطين وصناعة نكبتها.
وفي
سيرة الشتات الفلسطيني في أوروبا أنه تحوّل من غلبة الطابع الطلابي في بدايات تشكّله
خلال الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، إلى تزايد ملمح تجمّعات اللاجئين
لأسباب سياسية وإنسانية، ومن ثمّ إلى طابع الوجود المستقرّ متعدِّد الأجيال. بيد أنّ
طابع الاستقرار والتوطّن لم ينتهك الالتزام العام الذي يبديه الفلسطينيون في أوروبا
بحقّهم في العودة إلى أرضهم وديارهم في فلسطين ورفضهم خيارات التوطين المتمثلة في
"الوطن البديل". وقد كانت لافتة "حق العودة" بالتحديد هي ما شجّع
فلسطينيي أوروبا ابتداء على الانتظام القاري في فعاليات جامعة، بعد صدور إشارات متعددة
من فريق التفاوض الفلسطيني بالجاهزية للتنازل عن هذا الحق الجوهري.
لقد
أتاحت القوانين والنظم الأوروبية التي تُيَسِّر إجراءات تأسيس الجمعيات نسبياً، إقدام
الفلسطينيين على تسجيل كثير منها، فنشط بعضها بشكل فعّال، وإن كان الكمّ العددي لأسماء
الجمعيات والاتحادات لا يُعبِّر بالضرورة عن انتظامها جميعاً في الأداء.
ثم
تزايدت منذ مطلع القرن الحادي والعشرين صفة التكتّل الفلسطيني على المستوى الأوروبي
القارِّيّ، عبر أُطُر وتشكيلات ومؤتمرات. وبرز ميْل إلى الاتجاه التخصّصي في التشكّل
الجمعياتي الفلسطيني في أوروبا، خاصّة مع نهوض أطر تخصّصية وقطاعية ومراكز تَصُبّ اهتمامها
على جانب بعينه من جوانب العمل الفلسطيني العام. وعلاوة على ذلك فقد برز دور قطاع خيري
فلسطيني واسع في أوروبا، راكم الخبرات منذ تسعينيات القرن العشرين، واستطاع إدارة مشروعات
وبرامج إنسانية وإغاثية وإنمائية لصالح الشعب الفلسطيني، خاصّة في ظلّ الأزمات وجولات
العدوان وسنوات الحصار، رغم أنّ هذا القطاع استهدفته حملات تحريض ضارية مضادّة له من
أطراف إسرائيلية وأمريكية.
ومن
خلال حالة نهوض مستمرّة لتجارب فلسطينيي أوروبا؛ توجّه الشتات الفلسطيني في القارّة
إلى مزيد من المأسسة والتكتّل في الأداء، رغم الانعكاسات السلبية التي خلّفها الانقسام
في البيت السياسي الفلسطيني الداخلي على بيئة العمل العام الفلسطينية وفرص تماسكها.
وتأسيساً
على تراكمات سابقة؛ منحت تطوّرات صيف 2014 على غزة دفعة محفِّزة للحضور الفلسطيني في
القارّة الأوروبية، خاصة مع طول أمد العدوان ليتجاوز سبعة أسابيع، بالمقارنة مع جولتيْ
العدوان السابقتين على القطاع. ومثّلت الجولة الأخيرة فرصة نوعية لإنعاش توريث القضية
وتعميق الوعي لدى الأجيال الفلسطينية الصاعدة في البلدان الأوروبية بحقائق الصراع ومفاهيمه
وحتى بالمعرفة العامة والتفصيلية عن فلسطين ومناطقها. وقد شحنت هذه التطورات الساخنة
روح الانتماء الفلسطيني بطاقة متجددة، بما ترتّب على ذلك من تعبيرات جماهيرية وإعلامية
وثقافية وسياسية.
لكنّ
الفلسطينيين لم يكونوا وحدهم في ميادين التفاعل بجماهيرهم ومؤسّساتهم، فقد احتشدت أطياف
عريضة ضد العدوان، وهو ما شكّل بحدّ ذاته عاملاً إضافياً محفِّزاً للحضور الفلسطيني
وثقة الفلسطينيين بموقفهم الذي يكتسب مزيداً من التأييد العام في المجتمعات الأوروبية.
لقد
طوّر الشتات الفلسطيني في أوروبا من صيغ تفاعله الجماهيري، فلم يعد يقتصر على الأشكال
التقليدية أو البدائية للتظاهر، بل تجاوزه إلى التجديد والتنويع فيها، مع تبادل التجارب
بين ميادين التفاعل في البلدان الأوروبية وكذلك تلاقح الخبرات بين المكوِّنات المتنوِّعة
للمشهد الجماهيري في كلِّ بلد أو مدينة على حدة.
تشهد
الحالة الفلسطينية في أوروبا تحوّلات ذات شأن، منها صعود الأجيال الجديدة إلى مراتب
الفعل والحضور العام، بكل ما يحمله الناشئون في المجتمعات الأوروبية من خصائض ومؤهلات
وما يواجهونه من تحديات وصعوبات أيضاً. ويثير ذلك مسائل منها تحدي التواصل بين الأجيال
في التجمعات الفلسطينية، وقدرة الأطر المتعددة على استيعاب مشاركة الناشئة والشبان
فيها.
وينفتح
أفق جديد لخدمة قضية فلسطين في الساحة الأوروبية مع التطورات المتسارعة في بيئة العمل
المدني ونمو فرص التواصل والتشبيك والفعل الجماهيري.
ثم
يأتي النزوح الفلسطيني الكثيف من سورية ليرسم تحولاً سيعيد في غضون أعوام قليلة رسم
مشهد الشتات الفلسطيني في بعض بلدان القارة فيمنحه مزيداً من العمق والانتشار، مع وفرة
الاحتياجات المصاحبة لنهوض خيمة اللجوء الجديد في بيئة مختلفة عن سابقتها.
أمّا
التحوّل الأكبر في المشهد الفلسطيني في أوروبا فيبقى مرتبطاً بتفاعلات القضية الفلسطينية
ذاتها، وما تستشرفه من محطات وانعطافات في قابلات الأيام.
المصدر:
العربي 21