القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو الشتات والمجلس الوطني المنتخب ؟!

فلسطينيو الشتات والمجلس الوطني المنتخب ؟!

* عريب الرنتاوي

يقضي القرار الفلسطيني باستبعاد اللجوء الفلسطيني في الأردن من كشوف الناخبين للمجلس الوطني الفلسطيني القادم، وثمة إجماع على ذلك (على ما نعرف)، أقله ثمة توافق بين القوى الرئيسية في العمل الوطني والإسلامي على حد سواء على أمر كهذا، والسبب الوحيد الذي يُساق لتبرير هذا القرار، هو "حساسية الوضع الأردني وأسئلته المتشابكة، خصوصا سؤال من هو الأردني ومن هو الفلسطيني؟”.

وثمة معلومات ما زالت في إطار التداول (وليس القرار النهائي بعد) تستثني دولا ومناطق أخرى عديدة من فضاء الانتخاب، ليُصار إلى تمثيلها عبر "التوافق” وهو التعبير المُلطف عن "المحاصصة والكوتات الفصائلية”: سوريا حيث يتواجد قرابة الـ600 ألف فلسطيني، بحجة أن أوضاعها الأمنية لا تسمح بذلك، مع أنها سمحت بإجراء انتخابات تشريعية سورية...ولبنان أيضاً، حيث ما زال يقيم فيه قرابة الربع مليون فلسطيني بعد سياسة التهجير و”التطفيش” المنظمة التي اتبعت ضدهم منذ 1982، قد يخرج من معادلة الانتخاب إلى معادلة التعيين، والسبب حساسية الوضع السياسي والأمني...دول الخليج حيث يتواجد أكثر من نصف مليون فلسطيني، بسبب "حرج” الوضع هناك، حيث لا تمارس معظم شعوب هذه المنطقة حقوقها الانتخابية .وثمة قائمة أخرى من الدول التي قد تترك لأسبوع "السحب والإضافة” الأخير، بناء على تقديرات الجهات ذات الاختصاص، لننته إلى حقيقة أن المجلس العتيد، قد يقتصر أعضاؤه المنتخبون على الداخل ونسبة ضئيلة من شتات الخارج.

إن سار الأمر على هذا النحو، وهو أمر مرجحٌ بالمناسبة، فإن الفلسطينيين يكونون قد دخلوا في خريف مستدام، أقله لسنوات عديدة قادمة، وهم الذي لم يبرحوا خريف الانقسام والفرقة بعد، ولم يشرّعوا نوافذهم وأبوابهم لرياح الربيع والتغيير العربيين...وأحسب أن كل ما يساق من تبريرات لتعطيل الانتخابات القادمة في عدد من الدول، وبالذات في مناطق الشتات الرئيسة، ليس مقعناً لأحد، ولا ينم إلا عن رغبة القوى الفاعلة في الإبقاء على نظام المحاصصة والكوتات الفصائلية وتفادي الانتخابات الشاملة، الكفيلة وحدها بتجديد شباب الحركة الوطنية الفلسطينية وضخ دماء جديدة في عروقها، وتوديع حقبة "الهيمنة الفصائلية المأزومة” في العمل الوطني الفلسطيني.

في الأردن، ثمة "أردنيون من أصول فلسطينية”، مواطنون مكتملو المواطنة، بصرف النظر عمّا يمكن تسجيله من ملاحظات على "حقوقهم وتمثيلهم ومشاركتهم”...هؤلاء ليسوا جزءا من "الهيئة الناخبة” للمجلس الوطني...هؤلاء ينتخبون ممثليهم في مجلس النواب الأردني، كمواطنين أردنيين يتميزون عن إخوانهم في الوطن والمواطنة بحق العودة...لكن في الأردن هناك أزيد من مليون فلسطيني ليسوا أردنيين، ولا يتمتعون بالمواطنة والجنسية والرقم الوطني، ولا يمارسون حقوقاً سياسية في الأردن...هؤلاء فلسطينيون من وجهة النظر السياسية والحقوقية الأردنية، رسمياً وشعبياً، هؤلاء جزء من الهيئة الناخبة للمجلس الوطني، لا يضير الأردن، بل يخدم مصالحه العليا أكثر من أي شيء آخر، إن هم مارسوا حقهم في اختيار ممثليهم إلى المجلس الوطني، فلماذا لا يقع التفاهم بين المنظمة والحكومة الأردنية من أجل تمكينهم من ممارسة حقهم الانتخابي، توطئة لتكريس حقهم في العودة إلى الضفة والقدس والقطاع، وجميعهم في الأصل يتحدرون من هذه المناطق المحتلة عام 1967.

في سوريا، أحسب أن سياسة "النأي بالنفس” التي اتبعتها مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني الأساسية حيال الأزمة السورية، ووقوف المخيمات خارج حلبة الصراع الدامي الدائر هناك، تسمح بإجراء الانتخابات، على أن يتم الاتصال بالسلطات السورية، من أجل تسهيل ذلك، وفي ظني أنها بحاجة لأمر كهذا تستطيع به، تسويق خطابه "الإصلاحي” و”المقاوم” محلياً ودولياً من خلال القول أن سوريا ما زالت على موقفها الداعم لمنظمة التحرير (وهي اعترفت بالدولة الفلسطينية) وأنها مع "الخيار الديمقراطي الفلسطيني”...وثمة أطراف إقليمية ودولية يمكن أن تساعد في إقناع السوريين على تقديم كل التسهيلات اللازمة لإنجاز هذه الخطوة...المهم أن تكون هناك محاولة، وأن تكون محاولة جدية ونزيهة.

في لبنان، لا عوائق سياسية على الإطلاق تحول دون إجراء الانتخابات...هذا أمر يمكن أن يُرتب بسهولة في إطار التوافق الفلسطيني البالغ حد الإجماع...يمكن أن تجري الانتخابات بالتنسيق مع السلطات الرسمية والتشاور مع الفاعلين على الأرض في مختلف مناطق الانتشار الفلسطيني... هناك عوائق أمنية مُحتملة، أحسب أن الإجماع الفلسطيني على إجراء الانتخابات كفيل بتبديدها.

في دول الخليج يمكن للسفارات الفلسطينية وبعض القنصليات والبعثات الصديقة، أن تؤمن دعماً لوجستياً لعملية انتخابية بأقل قدر من الدعاية الانتخابية، حتى لا نعكر صفو "الركود” السائد في بعضها...في بعضها الآخر، يمكن أن تكون هناك انتخابات وحملات كذلك، المهم أن تأخذ القيادة الفلسطينية الأمر على محمل الجد، وأن تسعى مبكراً إلى إجراء الاتصالات الضرورية، لأن عمليات الحصر والتسجيل والوصول إلى الجمهور العريض المبثوث في هذه المغتربات والمهاجر يحتاج إلى وقت، بل وإلى وقت كبير.

وفق رزنامة المصالحة يجب أن تتم الانتخابات في وقت لا يتعدى الستة أشهر...هذه فترة ليست كافية لحصر الشتات الفلسطيني، وإعداد كشوف الناخبين، والوصول إلى أوسع عدد ممكن من "الهيئة الناخبة”...اللهم إلا إذا كان هناك من يريد أن يجري الانتخابات لمجتمع النخب وأنصار الفصائل وناشطي الجاليات...هؤلاء لا تتعدى نسبتهم الخمسة بالمائة في أحسن الأحوال، من الشتات الفلسطيني...هؤلاء ليسوا الشعب الفلسطيني المهاجر، هؤلاء جزء من "العملية الفصائلية” بحساباتها وإنجازاتها وإخفاقاتها وأمراضها وكوتاتها ومحصاصاتها...المطلوب الخروج من هذه الحلقة الضيقة وتوسيع "فتحة الفرجار” لتغطي أوسع مساحة من الشتات والمهجرين...المطلوب أن نتحرك من الآن، وليس في ربع الساعة الأخير، لنقول أن ليس في الوقت متسع، دعونا نلجأ للتعيين، أو نجري الانتخابات "بمن حضر”.

في أوروبا والأمريكيتين وبعض دول الشتات في المنطقة، بدأت حركة مدنية تحت عنوان "سجّل أنا فلسطيني”، هدفها تسجيل الفلسطينيين في مختلف منافيهم ومهاجرهم ومغترباتهم، استعدادا للانتخابات المقبلة...هذه المبادرة يجب أن تلقى الدعم والتشجيع والإسناد من قبل كل من يهمه إجراء انتخابات وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية...الاستجابة الأولى لمجتمع اللجوء الفلسطيني كانت رائعة ومشجعة...هذه الاستجابة يجب أن تحفزنا للخروج من حالة الركود والموات...هذا الحال لا يجوز أن يستمر، الفلسطينيون يستحقون أن يكون لهم ربيعهم الخاص، وربيعهم يبدأ بانتزاع حقهم في انتخاب قياداتهم وممثليهم داخل الوطن المحتل وعلى امتداد الشتات وقاراته الخمس.

المصدر: جريدة الدستور الأردنية