القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو سوريا والطامة الكبرى

فلسطينيو سوريا والطامة الكبرى

بقلم: علي بدوان

كشفت وقائع ما حدث في مخيم اليرموك في دمشق الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين أصبحوا عملياً بلا مرجعية ملموسة. وقد تحللت معظم الفصائل والقوى الفلسطينية من مسؤولياتها المطلوبة تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الوطنية في سوريا عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة.

فلماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال، وهل من الإنصاف أن تُهمَلَ أوضاع فلسطينيي سوريا بهذا الشكل من قبل مجموع القوى والفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية، وهم الذين كانوا على الدوام الخزان البشري الذي لا ينضب الذي زوّد تلك الفصائل وعموم الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة بآلاف المناضلين الذين سقطوا في ساحات العمل الوطني الفلسطيني؟

في حقيقة الأمر، وحتى لا يتَهمني بعض المتسرعين بالبعد عن الموضوعية، وجلد الذات، أو التجني أو التحامل على مجموع القوى والفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة السورية والتي قضيت عمراً مديداً وطويلاً في صفوف أحد فصائلها، فإنني أبدأ القول ان الحديث عن غياب دور القوى والفصائل والمنظمة، لا يعني البتة المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، ولا يعني شطب أو نكران دورها الوطني والتاريخي، ولا يعني إجمالها جميعها في بوتقة واحدة من حيث الدور والمسؤولية... فهي منّا ونحن منها، والحديث عنها يأتي من موقع الحرص على دورها المنشود والمطلوب من قبل الشارع الفلسطيني في سوريا الذي بات يصرخ كل يوم متسائلاً عن دور تلك القوى في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سوريا لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم المؤقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعد أن باتت الحالة الضبابية تسيطر على أوضاعهم عموما، وهي تحمل مؤشرات مخيفة لمستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها.

ففي الأسابيع الأخيرة، انهالت على مخيم اليرموك وبعض الشوارع الرئيسية فيه كحيفا، وعز الدين القسام، والعروبة، ومسجد الوسيم، والجاعونة، وصفد، والقدس، العديد من قذائف الهاون، وقد تسببت تلك القذائف اللعينة في استشهاد تسعة من المواطنين الفلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك وجرح العشرات منهم، ليصبح عدد الشهداء الفلسطينيين في الأزمة السورية ينوف على 1100 شهيد حتى تاريخه، وقد سقطوا ضحايا أزمة عامة في البلاد، وهم الذين اشتقوا لأنفسهم منذ البداية الموقف المسؤول المعنون بـ«الحياد الإيجابي»، فيما استقبل مخيم اليرموك من النازحين السوريين من مناطق التوتر المحيطة به أكثر ما استقبلت كل من تركيا والأردن معاً.

موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سوريا أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سوريا (مخيمات وتجمعات)، وعددها 15 فصيلاً، وإن اتفقت على العنوان العام للموقف الوطني المطلوب في سوريا والمعنون بالحياد الإيجابي، لكنها اختلفت في التفاصيل وفي وضع آليات العمل المطلوبة منها تجاه المجتمع الفلسطيني في سوريا، ولم ترتق حتى الآن الى مستوى الحدث، ولم تستطع حتى اللحظة توفير غطاء ومرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سوريا، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث. فقد فضل بعضها اتخاذ الموقف الانتظاري لما ستؤول إليه الأحداث في البلاد، فيما فضّل آخرون اتخاذ موقف الركون والنأي بالنفس بدلاً من الغوص في أحوال الناس والعباد، فيما اعتقد آخرون بوجوب تشكيل لجانٍ فدائية شعبية مهمتها حماية المخيمات والتجمعات الفلسطينية، واتجه آخرون لاتخاذ موقفٍ صامت وهو موقف اللامبالي وغير المسؤول في جوهره .. وهكذا.

إن الاجتماعات القيادية التي تواترت لمجموع القوى الفلسطينية في سوريا (فصائل منظمة التحرير الفلسطينية + فصائل قوى التحالف الفلسطيني) لم تكن أكثر من مجالس لقاءات عامة أو حتى ثرثرات وكلامولوجيا لا يتحول إلى «فعل لوجيا»، وسادها المنطق التعويمي من قبل غالبية القوى التي لا تريد أن تدفع أثمان موقف وطني مسؤول وأكلافه تجاه فلسطينيي سوريا في هذه اللحظات بالذات، لأسباب شتى.

فقد عقدت تلك القوى نحو 10 اجتماعات متكاملة خلال شهور الأزمة السورية في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بدمشق وبعضها في مقر المجلس الوطني الفلسطيني، وكان آخرها اجتماع عقدته تلك القوى قبل أيام، مع الوفد الفلسطيني القادم من رام الله. وللمفارقة العجيبة أن كل ما كانت تتفق وتجمع عليه تلك القوى، يَتَبَخر في اليوم التالي، أو يجري تعطيله هروباً من المسؤولية التاريخية تجاه هذا التجمع الفلسطيني المظلوم والمكلوم في الساحة السورية. فالتفاهم والتوافق العام موجود على ضرورة التمسك بالموقف المعلن بـالحياد الإيجابي، لكن غالبية تلك القوى إن لم نقل جميعها، لا تريد عملياً أن تعمل (ونقول عملياً فهي تتحدث لفظياً عن ضرورة العمل) على الأرض وسط الفلسطينيين ولا في أي مجال من المجالات، وذلك انطلاقا من حسابات ضيقة ذاتية وعصبوية، وانطلاقا من مواقف كيدية بين مختلف تلك الأطراف، كما في الانطلاق من حسابات لها علاقة بضبابية المشهد السوري.

وعليه، إن إحدى مآسي العقل السياسي الفلسطيني، أنه يُحب ويعشق أن يعيش في التهويمات السياسية، أو التعويمات السياسية والكلامولوجيا، والمماحكات النظرية (من نمط الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة) ليخفي تحت قشورها إما العجز، أو المناكفة، أو السياسة الانتظارية غير المسؤولة، أو روح الثارات و«داحس والغبراء» بين أطرافه، أو ابتذال السياسة لحد التعاسة، في وقت يصرخ فيه الناس طالبين من تلك الفصائل مغادرة الخلافات والتباينات والأحقاد والحسابات وتنحيتها جانباً، لمصلحة حساب واحد يتمثل في رعاية مصالح الناس في ظل الأزمة المستعرة في البلاد.

أما اللقاءات الثنائية والاتصالات بين كل تلك القوى فقد كانت وما زالت أقرب لجلسات تبادل حكايات وروايات وقصص ما يجري في المخيمات والتجمعات الفلسطينية دون المبادرة للقيام بعمل ملموس.

ومن «المضحك المبكي» في تلك اللوحة السوريالية من العبث واللامعقول وغياب روح المسؤولية، أن بعضاً من تلك القوى قاتلت من أجل وجودها في الهيئة المعنية بتوزيع المساعدات العينية والمادية المتواضعة التي وصلت إلى الفلسطينيين في سوريا من رام الله، لكنها بالمقابل تعمل على تعطيل أي عمل فلسطيني جاد ومسؤول تجاه الناس في الشارع.

وعليه، وفي ضوء تلك الصورة، ضاعت المرجعية الفلسطينية المسؤولة في سوريا، وغاب معها الدور الجماعي التوافقي المسؤول، ليحل مكانه موقف الاجتهاد والتقرير من قبل بعض القوى دون غيرها عن المجموع العام. وفي هذا بات فلسطينيو سوريا كالأيتام.

المصدر: السفير