فلسطينيو سوريا وفاتورة النأي بالنفس
بقلم: محمد أبو ليلى
لم يعد من المؤكد إن كان الشعب الفلسطيني في الشتات
سيبقى طويلاً على كوكب الارض ، فربما آن الاوان للإنتقال الى كوكب آخر، ربما
"عطارد" او "المريخ" او الى "المشتري" او ربما الإنتقال
الى مجرّة كونية اخرى، يحتمل ان يجد فيها الإنسان الفلسطيني ما كان يبحث عنه منذ اكثر
من 64 عاماً، الا وهي "الحرية – الامان – الإستقرار – المستقبل – الارض – الإنسانية".
فاين يذهب اكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يقطن في
بعض الدول العربية التي تشهد نزعات امنية او عسكرية مستمرة ومنها على سبيل المثال
"لبنان سوريا او العراق"، فلا يكاد يمر على اللاجئين الفلسطينيين عقد من
الزمن إلا ويسطر التاريخ لهم ابشع الصور اللاإنسانية بحقهم، فمن هجرات متتالية ومجازر
جمّا وهدم لبيوتهم وتشريدهم وقتلهم وملاحقتهم وإعتقالهم وكانت هذه الممارسات التي تمارس
بحقهم عنوانهم الابرز وعلى مدار 6 عقود من الزمن.
فقد اصاب اللاجئون الفلسطينييون في لبنان اكبر وافزع
المجازر التي حصلت في التاريخ ومنها مجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة تل الزعتر. وفي العراق،
كان نصيب اللاجئين الفلسطينيين هناك ان ذبحوا وهم في خيمهم من بعض "المترتزقة
العراقيين" واين هم الان؟ فجزء اصبح في البرازيل والجزء الآخر هجّر الى كندا وجنوب
افريقيا. والان ونتيجة المعارك الدائرة في سوريا، ايضاً للاجئين الفلسطينيين نصيب من
الاحداث الامنية والعسكرية، حيث الإشلاء تتناثر في مخيمات اللجوء لسيما ابرزها في مخيم
اليرموك..
سياسة التدخل والنأي بالنفس......"متساوية
مع الفلسطيني"
لقد شاهد هذا الشعب وعلى مدى 64 عاماً على هجرته
من فلسطين ابشع ما يتصوره اي انسان على وجه هذه المعمورة، وكان جزء من هذه الممارسات
تعود الى سبب السياسة الخاطئة التي كانت تتبعها القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت، فكان
حصاد الحرب الاهلية في لبنان ان دفع الفلسطيني فاتورتها بسبب مشاركته فيها، وأخذ بعض
القادة اللبنانيين ليقولوا "ان الفلسطيني هو سبب إندلاعها"، ومستلم الفاتورة
كان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان فمن مجزرة الى مجزرة ومن تشريد وتهجير الى تشريد
وتهجير.
وفي حرب الخليج ايضاً دفع الشعب الفلسطيني فاتورة
باهظة تعود الى قرار القيادة الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينينة بقيادة
الراحل ياسر عرفات "ابوعمار" في ذلك الوقت، بمساندة الرئيس الراحل صدام حسين
في حربه على الكويت وإجتياحه لها، والفاتورة تسلمها ايضاً اللاجئين الفلسطينيين وثمن
هذه المساندة كان بترحيل اكثر من نصف مليون
لاجئ فلسطيني من الكويت.
لكن، وبعد وعي القيادة الفلسطينية ودراسة متأنية
للمراحل السابقة والاخطاء في آليات صناعة القرار
الفلسطيني، اتت الخلاصة لتشير الى ضرورة إلزام الساحة الفلسطينية بعدم التدخل بشؤون
الداخلية للدول العربية وان تكون البوصلة موجهة
فقط في تحرير فلسطين. وكان الإختبار في إتباع "سياسة النأي بالنفس" حاضرة
في موجات المتسارعة في المنطقة العربية وما يسمى "الربيع العربي"، حيث اعلنت
أغلب الفصائل الفلسطينية وصناع القرار الفلسطيني ومن يديرون فعلاً الشارع الفلسطني
منذ إندلاع الثورات عن ما يحصل في الدول العربية شأن داخلي لا علاقة للشعب الفلسطيني
به "لا من قريب ولا من بعيد". إلا أن المفاجأ في الامر ان سياسة النأي بالنفس لم تجدي نفعاً وخاصة في الحالة
السورية، فكانت الفاتورة اكثر من 400 شهيد فلسطيني سوري في غضون عام ونصف، وقد اصبحت
القيادة الفلسطينية في حيرة من امرها، فإن كان القرار الفلسطيني التدخل في شؤون الدول
العربية سيدفع اللاجئ الفلسطيني الثمن فهل يعقل ان فعل عكس ذلك، تكون بنفس الثمن؟؟؟؟
مع العلم ان قرار النأي بالنفس وخاصة في الحالة السورية كان قرارا صائباً جداً والهدف
كان من اجل الحفاظ على امن وسلامة ما يقارب 600,000 لاجئ فلسطيني.
ارقام وإحصائيات
ولم تتوقف
معاناة وآلام اللاجئين الفلسطينيين بخسارة احد افرادهم في سوريا، بل ايضاً بيوتهم، ولذلك مسلسل التهجير و"التعتير" لم يتوقف
بعد. وتشير الإحصائيات الى ان عدد النازحين بلغت ذروتها في لبنان، حيث وصل وبحسب ما نشرته اللجان الشعبية الى ما يقارب 2134 عائلة فلسطينية
نازحة من سوريا الى لبنان، وبحسب اعداد الافراد فتشير الى ان عددهم قد بلغ الـــ
8000 نازح فلسطيني سوري منتشر بكافة المناطق والمخيمات الفلسطينية في لبنان، ووحدها
مدينة صيدا استقبلت حوالي الــــ 630عائلة اي ما يقارب 1868فرد
وان ثلثي هذا العدد فقط دخل مخيم عين الحلوة، مع العلم ان المخيم لم يعد يحتمل
تكاثر اهله فيه، فكيف بدخول اكثر من 1000 فرد فلسطيني مرة واحدة..
وهذا ما يدفع الى وضع جميع مؤسسات مجتمع المدني
ووكالة الاونروا واللجان الشعبية والفصائل في حالة الإستنفار الدائم لإيواء الإخوة
النازحين الفلسطينيين وقد وزع الى الان بحسب إحصائيات اللجان الشعبية بحدود الـــ
6049 فرشة بكافة مناطق تواجدهم.
قصة من وحي مآساة النازحين في مخيم عين الحلوة
كان كاتب هذه السطور في بيت اهله في مخيم عين الحلوة،
عندما دق الباب وكانت الساعة تقارب العاشرة مساء،
فإذا بإمراة عجوزة ومعها العديد من النساء والاطفال من النازحين الفلسطينيين
من سوريا و"فعلاً وللوهلة الاولى وعند النظر الى وجوههم تشعر بحقيقة المآساة التي
يعيشها هؤلاء الإخوة النازحون" وإذ تقول هذه المرأة العجوزة باكية والدموع بدأت
تزرف على خدها من شدة التعب والألم "انا وكل يلي معي هون عم منام في محل دكان
كل ليلة، منروح عليها بس لما بدو يسكر الدكان واحنا عم نبحث على بيت إذا في حوليكو
شي بيت للإيجار" عندها إستضافها الاهل في البيت، فنظر احد الاقارب اليها وقال
لها "بيتي كله مفتوح لك ولعائلتك"، فرفضت هذه الحاجة وابت الا بالبحث عن
مئوى رغم مرضها، رافضة فكرة النوم بأي بيت حفاظا على خصوصية من معها.
في نهاية المطاف
فإن سياسة النأي بالنفس او العكس،
فضحت سياسة الكثيرين إن كان على المستوى النظام الرسمي او الحزبي في عالمنا العربي إتجاه تعاملهم "القمعي والتعسفي"
مع اللاجئين الفلسطينيين إينما وجدوا، حيث ان
الفلسطينيين حاولوا في السنوات الماضية
ان يجنبوا انفسهم التدخل في الكثير من الصراعات وما زالت احداث مخيم نهرالبارد وقتل
اهلنا في العراق قبل اشهر قليلة والان في سوريا
... شاهدة امامنا، إلا ان النتيجة كانت هي نفسها.
المصدر: جريدة البراق، عدد تشرين الاول-2012