فلسطينيو سورية والمتاجرة بقضيتهم: مخيم اليرموك
أنموذجًا
بقلم:هشام منور
مخيم اليرموك من أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني
خارج فلسطين، وقد أنشئ عام 1957م على مساحة تقارب 2.11 كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانه
الفلسطينيين بنحو 162 ألف نسمة وفقًا لإحصاء (أونروا) عام 2012م، لكن هذا الإحصاء لا
يشمل سكان المخيم جميعًا؛ فهناك فلسطينيون لا يحملون أوراقًا سورية وغير مسجلين لدى
(أونروا)، إضافة إلى آلاف الأسر السورية التي لجأت إلى المخيم نظرًا إلى قربه من دمشق.
كغيره من المخيمات الفلسطينية التي كان قدرها
أن تدفع ثمن الحروب تفرض قوات النظام والميليشيات الفلسطينية الموالية له على مخيم
اليرموك حصارًا شديدًا منذ قرابة 700 يومًا، ما دفع معظم سكانه إلى النزوح، ولم يبقَ
منهم فيه أكثر من 10% فقط؛ فأكثر من 60% من منازل المخيم طالها الدمار والخراب، و95%
من منازله حصل فيها حوادث سرقة خلال سنوات الأزمة.
ومنذ مطلع نيسان الجاري سيطر تنظيم "داعش"
بمساعدة عناصر من "جبهة النصرة" على أكثر من 80% من مساحة المخيم، ليقع من
بقي من سكانه بين فكي كماشة جيش النظام شمالًا و"داعش" جنوبًا، ما زاد من
تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية المتأزمة أساسًا في المخيم؛ فالكهرباء مستمرة في
الانقطاع منذ أكثر من 719 يومًا، والماء منذ 209 أيام، وفقًا للتقرير الذي أصدرته
"مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية".
المياه الموجودة في الخزانات مصدرها الآبار غير
الصالحة للشرب، وتبلغ تكلفة تعبئة برميل المياه 1500 ليرة (5.4 دولار) على الأقل، وقد
يعاني سكان المخيم من نفاد مخزون المياه في ظل سيطرة "داعش" حاليًّا على
نقاط توزيع المياه، أما مياه الشرب فيجبر سكان المخيم على شرائها بكميات محدودة من
المناطق المجاورة، ويضطرون بذلك إلى تحمل مخاطر القنص والبراميل المتفجرة، أما إمدادات
الوقود فهي مقطوعة تمامًا؛ ففي السابق كان الاعتماد على المحروقات التي سرقت من البيوت
التي هجرها سكانها، ومن خزانات المعامل والمصانع في المنطقة الجنوبية، أما حاليًّا
فمعظم المشتقات النفطية مفقودة، وسعر صفيحة البنزين _إن وجدت_ لا يقل عن 40 ألف ليرة
(145.4 دولار)، وسعر قارورة الغاز لا يقل عن 15 ألف (54.5 دولار)، ونظرًا إلى الحاجة
الحيوية للمحروقات لتشغيل مضخات المياه في الآبار، والمولدات الكهربائية التي يعتمد
عليها في شحن البطاريات التي تستخدم للإنارة؛ اعتمد على المازوت والبنزين المستخرجين
عن طريق صهر البلاستيك، ويباع لتر المازوت المستخرج بهذه الطريقة بنحو 900 ليرة
(3.2 دولار).
ويعاني سكان المخيم من نقص حاد في المواد الغذائية،
ومعظمهم لا يتلقى أكثر من وجبة واحدة يوميًّا مكونة في الأساس من الخضار، تقيهم من
الموت جوعًا، وقد أمنت بعض المبادرات الأهلية الخضراوات والأعشاب الغذائية بزراعتها
في الحدائق وعلى أسطح المنازل في المخيم، ولكنها لا تسهم في توفير حاجات سكان المخيم،
فالزراعة بدائية تفتقد الأسمدة والتقنيات اللازمة، ولا يمكن أن تؤمن إلا أنواعًا محدودة
من حاجات الأسرة الغذائية.
في موازاة ذلك حذّر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير مسؤول متابعة ملف مخيم اليرموك أحمد مجدلاني من أن الأحداث الدامية التي يشهدها
المخيم تختلف عن سابقاتها، ورأى مجدلاني أن تنظيم "داعش" يرمي من وراء اقتحام
المخيم إلى إدخاله ضمن نطاق إستراتيجيته المرتبطة بالسيطرة على ريف دمشق الجنوبي، ومحاولة
ربطه بجنوب سوريا، التي أحرز فيها تقدمًا كبيرًا في منطقة درعا وبصرى الشام، وسيطرة
التنظيم وحلفائه على المعابر الحدودية التي تربط سوريا بالأردن.
وأشار إلى أنّ مخيم اليرموك يدفع الثمن مرة أخرى
بعد أن كان رهينة في السابق، مشيرًا إلى أن القيادة الفلسطينية كثفت اتصالاتها الدولية
والإقليمية؛ من أجل محاولة احتواء الموقف قدر الإمكان، إضافة إلى التنسيق الدائم مع
الصليب الأحمر الدولي، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
مجدلاني أضاف: "إن القيادة نجحت خلال اليومين
الماضيين بمساعدة هذه الجهات في إخراج عدد لا بأس به من العائلات"، مشيرًا إلى
تواصل الجهود على مستوى تقديم الدعم الإغاثي والطبي، وإنشاء مستوصف ميداني على مدخل
المخيم لمعالجة الجرحى، وإدخال بعض الحقائب إلى داخل المخيم.
وجاء ذلك بموازاة إعلان "القيادة" إجلاءها
2000 من سكان المخيم إلى مناطق ببيلا ويلدا وبيت سحم، الأمر الذي قال عنه نشطاء من
داخل المخيم: "إنه إعلان كاذب"، مؤكدين أن الذين خرجوا 50 شخصًا، وفعلوا
ذلك بمفردهم.
أمين سر "تحالف القوى الفلسطينية" الأمين
العام لجبهة النضال (فرع دمشق) خالد عبد المجيد ادعى أن القتال يندلع على حافة المخيم
القريب من منطقة الحجر الأسود، وأن "قواتهم" وصلت إلى مركز المخيم، بعد حصر
"إرهابيي" التنظيم في 35% من مساحة المخيم.
و"جبهة النضال الشعبي" أحد التنظيمات
غير ذات الوزن، التي أدخلها الزعيم الراحل ياسر عرفات، تزيينًا للحياة الديموقراطية
الفلسطينية، الجبهة على ضآلة حجمها شقها في التسعينيات مسؤولها الإعلامي المقيم في
دمشق خالد عبد المجيد الموالي للنظام السوري، عادًّا عودة مؤسسها سمير غوشة إلى الضفة
الغربية خيانة للقضية الفلسطينية، عبد المجيد احتفظ باسم "جبهة النضال الشعبي"،
مع استمرار الحركة بالاسم نفسه في الداخل الفلسطيني.
أحمد مجدلاني خلف سمير غوشة في الأمانة العامة
لـ"جبهة النضال" (فرع رام الله)، ويذكر أنه لا وجود تنظيميًّا حقيقيًّا للجبهة،
لا في فلسطين ولا في سوريا، بل إنه في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة حصلت
الجبهة على أقل من 0.5 في المئة من الأصوات، ما لا يؤهلها حتى للحصول على مقعد وزاري،
وليس لجبهة النضال علاقات سيئة مع أي طرف؛ لأنها غير موجودة فعليًّا، ولم تُسجل لها
أي عملية نوعية ضد الاحتلال.
فإلى متى يظل فلسطينيو سورية ومخيم اليرموك تحديدًا
أسرى المتاجرة بهم من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، التي تدعي الوقوف إلى جانبهم، في
حين أنها تتاجر بمعاناتهم؛ بغية تحقيق مكاسب سياسية؟!
المصدر: فلسطين أون لاين