القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

فلسطينيو لبنان المنسيون

فلسطينيو لبنان المنسيون

فاسي فلانزا* – (ذا بالستاين كرونيكل) 4/11/2014

ترجمة: علاء الدين أبو زبنة

كي تدخلَ المدينة المفقودة، مرّ من خلالي.

من خلالي ستتلقى المعاناة المتواصلة الأبدية. ستكون مع أناس فقدوا، من خلالي، كل شيء. -(جحيم دانتي)

"إنها تجربة مؤلمة أن يكون المرء لاجئاً، إنك توجد ولا توجد" – (ألفت محمود)

يقبع عبء التخفيف من بؤس اللإجئين الفلسطينيين في لبنان ثقيلاً خلف عيون ألفت محمود التي شهدت، سواء كطفلة كانت أو كإمرأة راشدة دينامية، 50 من أصل 67 عاماً من المنفى بعد النكبة.

وينتمي أولادها إلى اللاجئين من الجيل الرابع.

خلال جولة أخيرة في أستراليا، تحدثت ألفت بكثافة عن الوضع اليائس للفلسطينيين المنسيين العالقين في مستنقع اللامواطنة.

وكانت مسؤوليتها تجاه شعبها مهمة مفروضة ذاتياً عندما أسست في العام 1993 وأدارت جمعية المرأة الخيرية، الممولة بشكل رئيسي من منظمة سويدية غير حكومية ومن (أفيدا).

تستمد جمعية المرأة الخيرية وجودها وبقاءها من صمود ألفت الدينامي ورؤيتها، وكادر من النساء الذكيات المثابرات اللواتي يعملنّ بإصرار على إدامة المشاريع الأساسية، مثل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، مركز نشاطات الطفولة المتنقل؛ ومشروع نساء للنساء؛ وحماية الأطفال من صدمة ما بعد الحرب؛ وبرنامج تدريب الشباب على القيادة .

تركز منظمة ألفت غير الحكومية بشكل أساسي على تمكين النساء، لأنهن يتحملن العبء الأكبر للعائلات التي تعاني من الإحباط المزمن والتوتر الدائم بسبب البطالة المستشرية، والفقر المدقع والعنف الأسري، وتعاطي المخدرات، وإنعدام الأمن الذي يرتبط عادة بوضع اللاجئين.

وتقدم جمعية المرأة الخيرية لنساء المخيم ملاذاً من العناء اليومي الذي ينطوي عليه العيش في مخيم.

لهوية ألفت جذور قديمة في ترشيحا، القرية الواقعة في قضاء عكان والتي تمنعها السلطات الإسرائيلية من العيش فيها أو زيارتها.

وثمة تحت طبقات التاريخ ترشيحا قرية كنعانية تنتسب إليها مجموعة من الأسر التي كانت تزرع أرضها الخصبة بالحمضيات وأشجار الزيتون والعنب والتبغ والحبوب والقطن، وتربي الماشية وتعتني خلايا المحل.

في ترشيحا، عاش المسلمون والمسيحيون قروناً جنباً إلى جنب، يحترمون دعوة الأذان وأجراس الكنائس على حد سواء.

وفي كل يوم، كانت النساء يرافقن الرجال إلى العمل في الحقوق، ويمكن سماع أصوات الأطفال في مدرستي ترشيحا، ورؤية الحمير المحملة بالمنتجات وهي تغادر وتعود من أسواق عكا، والعبق المهدئ للخبز الذي يخبز في الطوابين مختلطاً برائحة القهوة والنراجيل التي يستمتع بها المسنّون تحت شمس الجليل.

تلك المشاهد الممعنة في الزم من حياة القرية كانت هي القاعدة حتى -1948.

وفق المألوف في قصص اللاجئين من مخيمات لبنان (اسم القرية فقط هو الذي يختلف)، طُرد أجداد ألفت بالقوة، إلى جانب 4500 آخرين من مواطنيهم الناجين، بعد القصف الجوي الكثيف بطائرات (بي-17) و(سي-45)، الذي سبق هجوم "عملية حيرام" البرية العنيفة على قراهم.

وفي العملية ذبح لواء عوديد الوحشي المكون من عصابات الهاغاناة المدنيين، ونهب البيوت التي أُفرغت من سكانها المرعوبين بطريقة منهجية.

مع إنكار إسرائيل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى قراهم، تحول المأوى المؤقت في المخيمات بالتدريج من خيام إلى غيتوهات إسمنتية أشبه بسجو مفتوحة مخنوقة.

تقع جمعية المرأة الخيرية التي أسستها ألفت في حفرة الجحيم التي تُسمى مخيم برج البراجنة بالقرب من مطار بيروت.

هناك يكتظ نحو 27.000 في متاهة تقل مساحتها عن كيلو متر مربع من المساكن الوضيعة المشوهة بثقوب الرصاص التي خلفتها الحروب الإسرائيلية. وتعمل الأزقة الضيقة التي لا تصلها الشمس، والمليئة بأسلاك الكهرباء العارية بشكل خطير على تعزيز نقص الفيتامين "د"، فيما تحول الأمطار الكثيفة الأزقة إلى قنوات للصرف الصحي والمياه العادمة.

الآن، مع تدفق نحو 10.000 من اللاجئين الهاربين من الحرب والمجاعة في سورية ليقيموا مع أقاربهم، أصبح المخيم يرزح أكثر تحت ضغط موارده الشحيحة التي لا يرثى لها أصلاً: الماء غير الصالح للشرب، انقطاعات الكهرباء، وشبه الغياب الكامل للمرافق الصحية، والإنخفاضات في تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونوروا) –والصدمة العاطفية.

وعن هذا الوضع كتبت صحيفة "ديلي ستار" التي تصدر في بيروت: "يختلط السخط بالتعاطف في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث -وبالرغم من تاريخهم المشترك- تتصاعد التوترات بين الفلسطينيين المشردين حديثاً من سورية وبين السكان المقيمين".

ثمة مفارقة مأسوية في الهروب من سورية، حيث كان بوسع اللاجئين الفلسطينيين –على النقيض من نظرائهم في لبنان- أن يحملوا جوازات سفر، وأن تكون لهم ملكية خاصة وأن يحصلوا على الوظائف. وعلى الجانب الآخر، حكم حرمان السلطات اللبنانية الفلسطينيين من الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية على أجيال من اللاجئين الفلسطينيين بإختبار حياة لا تطاف من العزلة الاجتماعية والفقر والتعذيب النفسي.

عبرت ألفت بعاطفة جياشة عن المعاملة المهينة للمخيمات، والتي أفضت إلى نوع من اليأس الذي لم يعد الطفل فيه يقدّر الحياة، ويقول إن الموت أفضل من أن يكون المرء لاجئاً. ويجعل فقدان الأمل المعمّم الذي يعانيه الشباب من المخيمات أمكنة مثالية لتجنيد "داعش".

هذا اليأس هو الذي يمكن وراء إزدراء ألفت واستنكارها للامبالاة المجتمع الدولي وإهماله حل المأزق القانوني للفلسطينيين المنسيين، لأن حق العودة غير القابل للتصرف فقط، والذي كفله القرار 194، هو الذي يحافظ على بقية الأمل القليل والهش عند اللاجئين.

مع ذلك، وعلى نحو مفاجئ، تتخلى السلطة الفلسطينية عن هذا الأمل الواهب للحياة في مفاوضات "السلام" مع إسرائيل. وقد كشفت قناة الجزيرة في برنامجها "أوراق فلسطينية" كيف أن "أبو مازن قدم اقتراحاً منخفضاً للغاية فيما يتعلق بعدد العائدين"، وسوف تستمر الحالة الراهنة الرديئة فقط مع الحل العربي:

بعد شهرين، وفي اجتماع عقد بين قريع وليفني يوم 27 كانون الثاني (يناير) 2008، يظهر قريع وهو يتنازل على حق الفلسطينيين في العودة حين يقترح تماشياً مع الحل الإسرائيلي القائم منذ عقود للمسألة أن تستضيف الدول العربية (اللاجئين) إلى الأبد.

قريع: بالنسبة للفلسطينيين، إذا كان العرب جزءاً من الحل، فإنها لن تكون هناك مشكلة بهذا الخصوص.

يجب أن نقوم بإشراك الدول التي ستستضيف اللاجئين بشكل مباشر أو غير مباشر".

في أيلول (سبتمبر) 2011، أدلى "السفير" الفلسطيني في لبنان بتصريحات متناقضة بشكل غريب بينما كان يؤكد على "حق العودة المقدس". "يقول السفير بشكل لا لبس فيه أن اللاجئين الفلسطينيين لن يصبحوا مواطنين في الدولة التي يجري السعي للاعتراف بها في الأمم المتحدة، وهي المسألة التي نوقشت كثيراً.

وقال السفير"إنهم فلسطينيون، هذه هي هويتهم. ولكنهم... ليسوا مواطنين تلقائياً".

ثم في العام 2012 أعلن الرئيس عباس على شاشة تلفزيون إسرائيل أنه ليست له مطالب إقليمية في مناطقها ما قبل 1967.

وفي إهانة لبطولة المقاومة التي سبقت النكبة، قال أنه لا يملك الحق في العيش في صفد، القرية التي ولد فيها في الجليل، والتي خاضت مقاومة شديدة ضد عصابات الهاغاناة والبالماخ الصهيونية المتفوقة. وقد فر نحو 12.000 من السكان عندما سقطت القرية يوم 11 أيار (مايو) 1948.

في مقالة نشرت حديثاً تحت عنوان "استثناء حق العودة من الخطاب الفلسطيني"، ينتقد الدكتور عبد الستار قاسم الخلل الأساسي في عملية التفاوض بقوله إنه "وبدلاً من البحث عن ترتيبات لعودة اللاجئين، تركّز البحث على الكيفية التي يجب أن يقدم بها الفلسطينييون الخدمات الأمنية والعسكرية لإسرائيل".

الحمد لله أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك سلطة التخلي عن حق العودة، تماماً كما أنه ليس للأمم المتحدة سلطة التنازل عن أكثر من نصف فلسطين التاريخية.

إن التصميم على تحصيل الحقوق غير القابلة للتصرف وفقاً للقانون الدولي، وإرادة مقاومة الخيانة، والصمود وحب العناية بالإخوة والأخوات الذين يعانون، كما تفعل ألفت، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من الكيان الصهيوني، سوف تفضي حتماً إلى تحرير أبناء النكبة المنسيين وأبناء أبنائهم وستكفل لهم حق العودة إلى الوطن والعيش مع سماء وشمس وحجارة وتراب فلسطين.

ترشيحا ما تزال تنتظر.

*منسقة حركة "العدالة لفلسطين تهم".

كانت مستشارة لحقوق الإنسان خلال محادثات آكيه في هلسنكي، شباط (فبراير) 2005 وانسحبت بسبب الاعتراض على المبدأ.

وشغلت منصب حاكمة لجمعية تيمور الشرقية الأسترالية ومنسقة لوبي العدالة لها، وشاركت في الكثير من المهمات الإنسانية الأخرى.

*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: The Forgotten Palestinians of Lebanon

alaeddin1963@