فلسطينيو مصر وضرورة خدمات الأونروا
علي هويدي
تقدم الوكالة الدولية خدماتها حصراً للاجئين الفلسطينيين المسجلين في كل
من سوريا ولبنان والأردن والضفة وغزة، وهذه الخصوصية جاءت بناءً على سياسة عمل
"الأونروا" التي تم اعتمادها حين أُنشِئت في 8/12/1949 وفق القرار 302
الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون في العراق
قد استقبلتهم الحكومة العراقية إبان نكبة فلسطين وكان عددهم بين ثلاثة آلاف وثلاثة
آلاف وخمسمائة لاجئ، وقدمت لهم جميع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والقانونية،
بشرط عدم مساهمة العراق في ميزانية الوكالة، فإن جمهورية مصر العربية على الرغم من
استقبالها لأكثر من ثلاثين ألف لاجئ سنة 48 فقد اقتصر تمثيل "الأونروا"
فيها على "مكتب تنسيق" دون تقديم أية خدمات، والغريب أن اللجنة التي
أرسلتها الجمعية العامة للامم المتحدة "للإستقصاء الإقتصادي في الشرق
الأوسط" والتي عُرفت ببعثة الأمريكي "جوردون كلاب" في نيسان 1949،
لم تبادر إلى تسجيل اللاجئين الفلسطينيين في مصر أو العراق كما فعلت في مناطق
عمليات "الأونروا" الخمسة، على الرغم من وجود الحدود الجغرافية المتصلة
بين غزة ومصر وبين الأردن والعراق.
قدمت "لجنة كلاب" تقريرها للجمعية العامة بتاريخ 16/11/1949
تزامناً مع التحضيرات لإطلاق "الأونروا"، حيث قدَّرت اللجنة عدد
اللاجئين الفلسطينيين بـ 760 ألف لاجئ، الرقم الذي اعتمدته "الأونروا"
في تقديم خدماتها ابتداءً من تاريخ 1/5/1951" ولم يشمل الفلسطينين في مصر أو
العراق أو دول أخرى، مع العلم بأن تعريف "الأونروا" للاجئ الفلسطيني غير
محدد ببقعة جغرافية معينة، إذ عرَّفت الوكالة اللاجئ الفلسطيني بأنه "الشخص
الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من 1/6/1946 حتى 15/5/1948 والذي فقد بيته
ومورد رزقه نتيجة حرب 1948"، ولهذا جاءت تقديرات الباحث الفلسطيني الدكتور
سلمان أبو ستة في العام 2002 دقيقة بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين إبان النكبة وصل
إلى 935 ألف لاجئ.
بفعل الإجرام الصهيوني إبان النكبة عام 48، وصل إلى مصر حوالي 35 ألف
فلسطيني، معظمهم جاء من مدينة يافا المحاصرة عن طريق البحر، تم وضع اللاجئين في
مخيمات في منطقة العباسية والقنطرة حسب توجيهات "اللجنة العليا لشؤون
اللاجئين الفلسطينيين المصرية" المنبثقة عن وزارة الشؤون الإجتماعية، وفي
أيلول/سبتمبر سنة 1949 أي قبل إطلاق "الأونروا" بشكل رسمي، وبعد توقيع
مصر لإتفاقية الهدنة مع "إسرائيل" واستقرار قطاع غزة تحت رعاية الإدارة
المصرية أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من مخيم
القنطرة إلى قطاع غزة وتحديداً الى مخيم المغازي، وجزء آخر تم ترحيله إلى القدس
والأردن ضمن خطة لمّْ الشمل التي أطلقتها جامعة الدول العربية في العام 1950، وفي
سنة 1960 تراجع العدد ليصل الى 15493 فلسطيني استناداً إلى الإحصاءات الرسمية
المصرية، وفي سنة 1969 أي بعد نكسة العام 1967 وصل عدد اللاجين في مصر الى 33 ألف
لاجئ، وحسب تقديرات مكتب "الاونروا" في مصر وصل العدد في العام 2002 الى
حوال 70 ألف، وفي العام 2014 مصادر متعددة تتحدث عن أرقام مختلفة بين أكثر أو أقل
من 70 ألف.
أهمية توسيع وتطوير نطاق عمل مكتب "الأونروا" في مصر ليشمل التسجيل
وتوزيع الخدمات أسوة ببقية اللاجئين في مناطق العمليات الأخرى ينبع من ثلاثة مسائل
رئيسية الأولى استحقاق سياسي مرتبط بحق العودة كجزء من كتلة بشرية مرتبطة بالعدد
الكلي للاجئين الفلسطينيين في العالم الذي وصل في منتصف سنة 2014 الى حوالي ثمانية
ملايين لاجئ، والثاني تدهور الأوضاع الإنسانية للاجئين بعد زيارة السادات إلى دولة
الإحتلال في 19/11/1977 والتي تمثلت أولاً بتوقيع معاهدة كامب ديفيد وبروز خلاف
سياسي مع منظمة التحرير، ثانياً، إقدام مجموعة فلسطينية، تنتمي إلى حركة فتح
المجلس الثوري، جماعة أبو نضال البنا المنشقة عن منظمة التحرير، على قتل الأديب
المصري يوسف السباعي في لارنكا بقبرص في شباط/فبراير سنة 1978، ثالثاً، إصدار
تشريعات جائرة وإجراءات تعسفية من الحرمان من الحقوق المدنية وتعقيد للحالة
القانونية للاجئ، حيث لا خدمات مقدمة من الحكومة المصرية للاجئين سواءً الإستشفاء
أو التعليم إو الإغاثة، وبروز مشكلة الإقامات وتصنيفاتها المعقدة، فقد تفاوتت
سنوات الإقامة التي تمنح دورياً بحسب سنة القدوم إلى مصر وسنوات الإقامة، فمن جاء
ما بين سنتي 1948 - 1953 مُنح إقامة لمدة خمس سنوات متصلة، ومن مضى على إقامته
أكثر من عشر سنوات، يمنح إقامة لمدة ثلاث سنوات، أما أقل من هذه المدة فيمنح إقامة
لمدة سنة كاملة، عليه تجديدها من مصلحة الجوازات عند انتهائها مقابل مبلغ مالي،
رابعاً، في العام 1984، صدر قانون "تنمية موارد الدولة"، الذي اعتبر
الفلسطينيين "أجانب"، وفرضت وزارة الداخلية المصرية على الإقامة السنوية
لكل فلسطيني رسماً مالياً، خامساً، في تموز/يوليو 1978، صدر القرار الجمهوري رقم
47 و48 لسنة 1978، بإلغاء القرارات التي كانت تعامل الفلسطينيين معاملة المصريين،
كما حظرت وزارة القوى العاملة إشتغال الأجانب ومنهم الفلسطينيين في الأعمال التجارية،
والاستيراد والتصدير، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية منذ أكثر من خمس سنوات، سادساً،
في العام 1983 أصدر قرار وزير التربية والتعليم المصري بنقل الطلاب الفلسطينيين من
المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، الأمر الذي كان له تبعات مالية لا يطيقها
الفلسطينيون، وبمنع الطلبة الفلسطينيين الإلتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة
والإقتصاد والإعلام، وأُتبع بقرارين للوزير نفسه، رقم 87 لسنة 1983 ورقم 75 لسنة
1984، اللذين تضمنا معاملة الفلسطينيين معاملة الأجانب الوافدين. أما المسألة
الثالثة لضرورة توسيع مهام وعمل مكتب التنسيق، فهي استحقاق مرن مستحدث ضروري وهام
جداً يتعلق بوجود حوالي ستة آلاف لاجئ فلسطيني مهجَّر من سوريا منذ حوالي السنتين
دون أن يتم تسجيلهم في سجلات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كونهم أصبحوا خارج
نطاق عمليات "الأونروا".
وفق المعطيات أعلاه فإن مفهوم الحماية الدولية للاجئ الفلسطيني في مصر
مفقودة بمفهومها الشمولي الذي يتضمن الحماية القانونية والإنسانية والجسدية، لذا
توسيع نطاق مهام مكتب الأونروا في مصر يساهم بتوفير المناصرة والمساعدة الإنسانية
والقانونية للاجئين وجزء من الحماية وفق الصلاحيات الممنوحة للوكالة، لذا مطلوب من
الإطار الرسمي الفلسطيني أن يبادر والتنسيق مع الحكومة المصرية للموافقة، والتحرك
باتجاه "الأونروا" والجمعية العامة لاتخاذ الاجراءات الضرورية لاعتماد
مصر منطقة سادسة لعمليات "الأونروا"، وألا تتوقف ادوات التعريف والتثقيف
وإبراز حالة فلسطينيي مصر في مختلف الأماكن والمناسبات، أولسنا كفلسطينيين كتلة
بشرية واحدة لا تقبل القسمة أو التجزئة في أماكن اللجوء والشتات والمنافي؟