القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

فلسطين.. الحاجة إلى بديل

فلسطين.. الحاجة إلى بديل

جمال أيوب

في خضم الجهود الأميركية لتحريك عملية التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والضغوط الممارسة على الفلسطينيين والعرب، من أجل تقديم مزيد من التنازلات، ثمة قناعة راسخة لدى الفلسطينيين بأن المفاوضات العقيمة التي استمرت نحو عقدين لن تفضي إلا إلى مزيد من التعقيد، ومزيد من فرض الأمر الاستعماري الواقع.

لذلك، السبيل لمواجهة الجمود في القضية الفلسطينية، وإعادة الزخم الذي تستحق لها، هو طي صفحة الارتهان لمن يسمون الرعاة الدوليين وشروطهم، وبلورة استراتيجية فلسطينية وطنية، تنظم الحراك الفلسطيني على قواعد وأسس جديدة وناجعة.

في مثل هذه الحالات، يشتد التعويل على جيل الشباب، الذين، للأسف، لم يعرفوا من التجربة الوطنية الفلسطينية المعاصرة سوى تجربة السلطة، بما لها وما عليها، لكن في تحركات شبابية عديدة، شهدتها أماكن وجود الفلسطينيين في الداخل والخارج، كانت تجربة الثورة الفلسطينية المنارة التي ألهمت الشباب، وعلمتهم الدروس، والأمثلة كثيرة، سواء في مسيرات العودة، أو حركة التضامن مع الأسرى، أو حركة إنهاء الانقسام..

لكن تحركات الشباب تواجه بواقع رسوخ حال الترهّل في البنى والكيانات السياسية الفلسطينية السائدة، المنظمة والسلطة والفصائل، وتآكل مكانتها التمثيلية في المجتمع، وتراجع دورها في مواجهة عدوها، وعدم قدرتها على تجديد ذاتها، على صعيد المفاهيم والبنى والعلاقات وأشكال العمل. وقد باتت الفصائل الفلسطينية متماهية، بشكل أو بآخر، مع النظام السياسي السائد، بمفاهيمه وآليات عمله، وحتى أن هذه الفصائل باتت غير قادرة على توحيد ذاتها، وتجديد مفاهيمها، وإضفاء الحيوية على وجودها، فكيف، إذن، ستكون قادرة على توليد بدائل في الإطار الوطني العام؟

وعلى الصعيد السياسي، ثمة أسئلة استراتيجية، يعد طرحها ضرورياً في سبيل التأسيس للمستقبل، فهل انتهت مرحلة منظمة التحرير؟ وماذا بعد مرحلة أوسلو؟ ثم ماذا بشأن الخيارات الأخرى، ومنها الانتفاض من جديد واستئناف المقاومة بشكل أوسع؟ وماذا بشأن المفاوضات والتسوية والسلطة والوصاية الدولية؟ وما مصير النظام الفلسطيني الحالي؟

من هنا، تنبع مشروعية الحديث عن بديل، والذي تأخّر كثيراً في الظهور على الساحة الفلسطينية، بل ثمة ضرورة ملحّة للعمل الدؤوب في سبيل ذلك. فإذا كان النظام السياسي الفلسطيني الذي بات متقادماً اليوم، وليد ظروف عربية معيّنة، لاسيّما أن النظام الرسمي بات، منذ زمن، بمثابة حارس وحاضن للنظام الفلسطيني الحالي، فهذا يعني، بداهة، أن تغيّر الشروط العربية، من الضروري أن يعني تغير الظروف الفلسطينية، نتيجة للثورات العربية، وسيدفع، بدوره، نحو تغيير فلسطيني.

على الأرجّح، لن يتوقّف هذا التغير عند تغيير الطبقة السياسية، وإنما سيشمل البنيات والعلاقات والمفاهيم والخيارات وأشكال العمل، فالنظام العربي الجديد لابد أنه سيتطلب حركة وطنية جديدة، وإن أي بديل سيحتاج، بداهة، إلى تقديم إجابات على أسئلة الفلسطينيين في أماكن وجودهم، ويوقظ الحلم لديهم من جديد، ويحفّز هممهم، بعد كل هذا الضياع والإحباط، على أساس تضمين قيم الحقيقة والعدالة والكرامة.

بديهي أن هكذا مشروع يتطلب الإجابة على سؤال اللاجئين بشأن عودتهم إلى ديارهم، وعلى سؤال الفلسطينيين في الضفة وغزة بالتحرر من الاحتلال، وعلى سؤال الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948 في الكفاح ضد العنصرية، وحقهم في المساواة الفردية والجماعية، بما يطابق بين قضية فلسطين وأرضها وشعبها، وبما يعيد لحركتها الوطنية طابعها، حركة تحرر وطني، بعد أن طغى عليها طابعها، سلطة تتعايش مع الاحتلال وفي كنفه.

المصدر: العربي الجديد