فلسطين: المؤامرة، المأزق.. والمخرج؟
فراس أبو هلال
بات واضحا أن مؤامرة جديدة دولية وإقليمية
تعد لتصفية القضية الفلسطينية، ولإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي نهاية تخدم مصالح
الاحتلال، دون تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني ولو بالحل الأدنى. ولم تعد هذه المؤامرة
ضربا من التفسير التآمري للتاريخ، أو طريقة للهروب من مشاكلنا الداخلية بإلقائها على
"الآخر" ومؤامراته، بل أصبح الحديث عنها في كبريات الصحف الغربية ووكالات
الأنباء الرئيسية والصحف العبرية، تحت أسماء مشفرة، مثل "صفقة القرن" أو
"صفقة عريقات"، أو غيرها من الأسماء التي تعبر عن جوهر واحد ووحيد، هو تصفية
القضية.
ما هو شكل المؤامرة؟
ومع كثرة الحديث والنشر والتسريب عن طبيعة
المؤامرة/ الصفقة، يبدو من الصعب تحديد شكلها النهائي، ولكنها على اختلاف تفاصيلها
تؤدي إلى نتيجة واحدة، هي ما يمكن تسميته "حل الثلاث دول"، بدلا من حل الدولتين
المعترف به دوليا حتى الآن، والمقصود بحل الثلاث دول هو: دولة يهودية، دولة أردنية
تضم الضفة الغربية، ودولة مصرية تضم قطاع غزة.
بعض القراءات تعتقد أن الصفقة/ المؤامرة
سيتم تطبيقها من خلال تصعيد الحصار على قطاع غزة (وهو ما يحصل فعلا الآن)، لدفع الشعب
الفلسطيني في القطاع للثورة ضد حركة حماس وتحميلها مسؤولية الحصار، ما يؤدي لقلاقل
تستدعي تدخل الجيش المصري لضم القطاع، وإعادته للسيادة المصرية كما كان عليه الوضع
قبل احتلاله عام 1967.
أما القراءة الأخرى للصفقة، فترى أنها ستبدأ
بحرب مدمرة ضد القطاع، وفتح المجال أثناء الحرب للجوء المدنيين لأراضي سيناء القريبة
من القطاع، بحيث يمكن لجيش الاحتلال شن حرب شاملة لتدمير حماس وإنهاء وجودها العسكري،
بما يسمح لضم القطاع وسكانه، سواء من سيبقى منهم في غزة أو من سيستقر في سيناء للسيادة
المصرية، فيما تضم الضفة للأردن.
القراءة الثالثة للصفقة/ المؤامرة، هي ممارسة الضغط
والحصار لأكبر قدر ممكن ضد غزة، بما يدفع حماس "لتمكين" السلطة أو محمد دحلان
من حكم القطاع، وهو ما سيتبعه حلحلة للوضع الاقتصادي ورفع الحصار بالتنسيق مع مصر.
هذه الحلحلة ستقود لسلام اقتصادي برعاية مصرية، بما يسمح بضم غزة لها، فيما يتم البحث
عن حل اقتصادي أيضا للضفة وضمها للأردن.
هذه القراءات الثلاث غير مؤكدة، ولا يمكن
الجزم بها وتحديد الأكثر واقعية ودقة منها، ولكن الغموض الذي يكتنف ما بات يعرف بـ"صفقة
القرن" أو "صفقة ترامب"، أو غيرها من الأسماء، يتيح للمراقبين التفكير
بكل الاحتمالات. وإذا كنا لا نعتقد أن القراءتين الأولى والثانية ممكنتان، فإن الخيار
الثالث ربما يكون أكثر احتمالا، ولكنه ليس خيارا سهلا؛ لأنه سيصطدم بمواقف حركة حماس
وغيرها من الفصائل، كما أنه يتعارض مع السياسة الأردنية الرسمية التي ترفض أي حل أردني،
أو حتى كونفدرالية، قبل أن يعقد الفلسطينيون اتفاقا نهائيا للسلام.
المأزق الفلسطيني
على الرغم من عدم اليقين بطبيعة الصفقة
التي تدبر وتطبخ لتسوية القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من أن تطبيق أي من القراءات
الثلاث وغيرها من الاحتمالات لن يمر بسهولة، إلا أن هذا لا ينفي وجود مأزق فلسطيني
مستعص على الحل منذ سنوات، الأمر الذي قد يسهل من تنفيذ أي صفقة أو مؤامرة ضد الفلسطينيين.
ولا نعني بالمأزق الفلسطيني هنا تلك الشماعة
التي أصبح الحديث عنها ممجوجا، وهي الانقسام، الذي صار يستخدم من كل عدو لتبرير عدوانه،
ومن كل صديق لتبرير تخاذله عن دعم فلسطين وشعبها وقضيتها. ولكن المأزق الحقيقي، هو
غياب مشروع وطني فلسطيني تحرري قابل للحياة والعمل والتأثير الحقيقي في الاحتلال.
تتبنى حركة فتح ومحمود عباس والسلطة نهج
المفاوضات للوصول إلى تسوية سلمية، ولكنها مع ذلك أعلنت مرارا وتكرارا أن هذه المفاوضات
لم تعد قائمة ولم تعد مجدية، وأن أوسلو لم تعد قائمة، وأن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها
(وكأنها كانت يوما كذلك!). وبالمقابل، تتبنى حركة حماس والجهاد وفصائل أخرى نهج المقاومة
المسلحة للاحتلال، ولكن هذا النهج أصبح عمليا في حالة دفاع، واستطاع الاحتلال فرض ردع
حقيقي غير مسبوق منذ عدوانه على غزة عام 2008/2009، بحيث أصبحت حماس وسلاحها في غزة
هو سلاح دفاع، لا سلاح مقاومة أو تحرير؛ لأن أي مبادرة من حماس لاستخدام هذا السلاح
باتت تعني حربا مدمرة للقطاع.
يكمن المأزق إذن، بأن النهجين الرئيسيين
المعلنين من قبل الفلسطينيين للحصول على حقوقهم المشروعة، وصلا إلى طريق مسدود - على
الأقل في الوقت الحالي - فيما يفرض الاحتلال وقائع جديدة على الأرض كل يوم في الضفة
الغربية، ويحيل حياة أهالي غزة إلى جحيم بفعل الحصار، في غياب أي أفق لفعل فلسطيني
مؤثر ضد الاحتلال، بحيث أصبحت تل أبيب تحظى أغلب الأوقات منذ سنوات باحتلال غير مكلف
ثمنه يساوي صفرا!
المخرج؟
يبدو الآن الفلسطينيون أمام المؤامرة التي
تحاك لهم كضحية تنتظر قاتلها، وتفكر فقط في خيارات الموت التي سيقدمها لها! فالفلسطينيون
في غزة، وحركة حماس التي تمثل حكم الأمر الواقع هناك، ينتظرون رفع الحصار، وقدمت حماس
لأجل ذلك كل ما تستطيعه سياسيا، وتحاول في نفس الوقت الانفتاح على جميع الأطراف، بما
فيها تلك الأطراف التي تعادي بعضها البعض، ولكن حماس والقطاع لا يفعلان عمليا سوى الانتظار،
والترقب لما سيقرره الآخرون بخصوص الحصار أو الحرب أو الصفقة أو أي خيار آخر، خصوصا
أن كل تحركات حماس و"تنازلاتها" لمصر وعباس، وحتى دحلان، لم تقدم شيئا عمليا
على صعيد إعادة الحياة لقطاع غزة.
الحال نفسه في الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني يتابع
ما ينفذه الاحتلال من وقائع على الأرض تغير الجغرافيا والديمغرافيا، وتصنع واقعا جديدا
جعل من حل الدولتين، فضلا عن التحرير، أمرا مستحيلا، والسلطة ورئيسها يمارسان
"الانتظار" لما سيقرره البيت الأبيض بعد غضب و"عتب" ترامب على
موقف السلطة من إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال.. لا شيء سوى الانتظار، أما قرارات
المجلس المركزي لمنظمة التحرير فما هي إلا كلام ودوران في نفس خيار "أوسلو"
الذي ثبت فشله.
فما الحل إذن غير الانتظار؟
أثبتت التجربة التاريخية للنضال الفلسطيني منذ بدايات
القرن الماضي أن الثورات الشعبية السلمية هي أكثر أنواع النضال تأثيرا وإيلاما للاحتلال،
والأكثر كلفة عليه من الناحية السياسية واللوجستية والاقتصادية والأمنية، والأكثر تعرية
له أمام العالم بإعادة الصراع لمعناه الأساسي: شعب محتل يقاوم ضد الاحتلال، وهو الخيار
الأقل كلفة في نفس الوقت على الفلسطينيين. إن ما يمكن أن ينهي حالة الانتظار الفلسطينية
غير المجدية، وينهي المعادلة البائسة للاحتلال غير المكلف، هي مقاومة مدنية شعبية في
الضفة الغربية وعلى خط الحدود بين القطاع والمناطق المحتلة المحاذية لها، وهي مقاومة
ستجبر الاحتلال على أن يصبح في حالة دفاع بدلا من حالة الهجوم التي يعيشها الآن، وستساهم
بإنهاء حالة الستاتيكو التي يستفيد منها فقط الاحتلال، والتي تأخذ من الفلسطينيين كل
يوم الكثير من حياتهم وحتى من أحلامهم بأي مستقبل!