القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

فلسطين بين الثقافة والثورة

فلسطين بين الثقافة والثورة

بقلم: عبدالله أبوبكر

يتساءل البعض عن غياب دور المثقفين الفلسطينيين عن الساحة السياسية والاجتماعية، كما لا يخفي البعض الآخر استغرابه من غياب الانتفاضة الشعبية في فلسطين، بعد أن اجتاحت الثورات العديد من بلدان الوطن العربي من مشرقه حتى مغربه، ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات بحاجة إلى أن نعيد عقارب الزمن إلى الوراء، إلى ما يقارب 100 عام على الأقل، لنسير معها خطوة خطوة إلى أن نصل إلى ليلة الأول من أمس التي سجلت فيها غزة عدداً من أسماء الشهداء الجدد الذين انضموا إلى قافلة شهدائها.

في فلسطين، أكثر من ثورة، أشعلتها حجارة الأطفال، وأقلام الشعراء، وزغاريد الأمهات التي تعلو في أعراس الشهداء الذين حملوا أرواحهم على راحاتهم من أجل الأرض والكرامة. في فلسطين لا توجد ثورة ضد نظام أو حزب، إنها ثورة ضد العالم بأسره، العالم الذي اغتصب الأرض بصمته واختار لنفسه أن يكون الشيطان الأخرس، الذي يسكت عن الحق ويضع في صدره حجراً بدلاً من القلب. إنها ثورة غصن الزيتون. وفي فلسطين أيضاً، ثورة لا تشبه إلا نفسها، فلم تكن البندقية وحدها من تطلق النار فيها، بل والقصيدة أيضاً، القصيدة التي رددتها حناجر الثائرين أطفالاً ورجالاً ونساء، وحملت في أكفها وعد الحرية والمقاومة والتحرير. تلك هي ثورة الشعب الفلسطيني التي لم تعد ثورة في عيون البعض، ربما لأنه اعتاد على صورة سقوط الشهيد والقصف والنار وزحف الموت الدائم لحصد الدم والأرواح. هي الثورة التي كتبها شاعر ورسمها فنان، وهي التي جمعت الشعب تحت سقف الأدب والشعر والثقافة الشعبية والاجتماعية والولاء لتراب الوطن. ألم يولد من رحم هذه الثورة أكبر شعراء العربية في هذا العصر، ألم تلد هذه الثورة الشعراء تماما كما ولدت الشهداء، ألم تخلد لنا ناجي العلي وغسان كنفاني وغيرهم من الذين قدموا للمشهد الثقافي العربي وغرسوا في أرضه عشب الكلام ووردة الفن؟ لقد أنتجت الثورة في فلسطين ثقافة جديدة، يعيشها الصغير والكبير، إنها ثقافة العيش بحرية وصمود، ولم يقف الفلسطينيون أمام نظام حكم، بل وقفوا وثاروا ولا يزالون ضد كيان غاصب لم يحقق لنفسه إنجازاً سوى أرقام الموت القياسية.

فلسطين تعيش الثورة والثقافة، وتدرك أنه لا مفر من تحرير الأرض قبل أي شيء آخر، فتحرير الأرض هو تحرير للثقافة ومن يطالب الفلسطينيين بالصحو، عليه أولاً أن يقرأ المشهد من جديد، ليرى الربيع حاضرًا في فلسطين منذ عقود طويلة، وعليه ثانياً أن يتساءل عن خريف السياسة العربية التي انعكست في مرآة واقع الفلسطينيين بكل تأكيد.

المصدر: جريدة الخليج الاماراتية