فلسطين.. حلم الدولة
تؤسس له الاعترافات الدولية لكنها
لا تكفي لتحقيقه على أرض الواقع
بقلم: كفاح زبون
لم تبق دولة وازنة إلا وتحركت هذا
الأسبوع على طريق إقامة الدولة الفلسطينية التي ينشدها الفلسطينيون منذ عقود
طويلة.
صحيح أن الطريق لا زال طويلا وصعبا،
ولكن لأول مرة يقول داعمو الفلسطينيين والإسرائيليين، إن الهدف النهائي من كل
التحركات «محل النقاش»، هو إقامة الدولة الفلسطينية. وشهدت عواصم العالم هذا
الأسبوع نقاشات أميركية أوروبية عربية فلسطينية مكثفة من أجل الوصول إلى مشروع
معقول يقدم لمجلس الأمن بعدما هدد الفلسطينيون بتقديم مشروع منفصل لإنهاء الاحتلال
للمجلس، وبادر الفرنسيون إلى طرح مشروع بديل لعملية السلام.
حتى الأمس كان وزير الخارجية
الأميركي، جون كيري، يقوم بجهود اللحظة الأخيرة لمنع تقديم مشروع قرار إلى مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة، يفرض جدولا زمنيا لدفع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي،
والتقى وزراء خارجية أوروبيين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبير
المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ووزراء خارجية عربا.
وتحاول الأطراف جميعا في هذا الوقت
الوصول إلى مشروع متفق عليه. وأكد السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض
منصور، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نرى أنه أوان الحسم ولم يعد يمكن الانتظار أكثر».
وأضاف: «قررنا تقديمه فورا لأنه لم يعد ممكنا انتظار المتلكئين ولأنه يجب أن
يعرفوا أن ساعة الحسم اقتربت». وأوضح منصور أن المشاورات مع الأوروبيين بشأن
المشروع الفرنسي الذي يوازي مشروع إنهاء الاحتلال متقدمة والمواقف قريبة، لكنه قال
إن الخلاف الآن مع واشنطن. وأوضح منصور أن المطلوب من الولايات المتحدة الآن دعم
المشروع الأوروبي في هذا الوقت من أجل التفاوض حول الصياغة. فهل تقرب كل هذه
التحركات إقامة الدولة الحلم؟ على أي حال لا ينوي الفلسطينيون التوقف عن جلب
اعترافات إضافية بهذه الدولة، بغض النظر عما ستؤول إليه عملية السلام.. فما هو
مصير مشاريع القرارات التي ينوون تقديمها إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية
الأخرى، أو تلك التي تقدم لهم؟
ولا يخلط الفلسطينيون بين هذه القضية
(الاعترافات) والقضايا الأخرى، إذ يعدون الاعتراف بدولتهم حقا خالصا في تقرير
المصير وليس مرتبطا بأي شيء آخر، لكنه أيضا، وفوق ذلك يكتسب أهمية خاصة على المدى
الحالي والمتوسط والبعيد.
بات يعترف بالدولة الفلسطينية حتى
الآن 135 دولة ليس بينهم الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي،
باستثناء السويد التي اعترفت بفلسطين في أكتوبر (تشرين الأول)، وأصبحت أبرز دولة
غربية أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية. وكان الاعتراف السويدي مهما ومفصليا على
هذا الطريق الطويل والذي يكسب فيه الفلسطينيون نقاطا كل يوم إذا لم يكن على صعيد
الاعترافات الرسمية، فعلى صعيد تأييد البرلمانات لمثل هذه الاعترافات وحث حكوماتهم
على ذلك.
وقالت مصادر فلسطينية حكومية
لـ«الشرق الأوسط» إن التركيز الفلسطيني منصب الآن على دول يتوقع أن تنضم إلى
السويد، وهي البرتغال وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا وآيرلندا والتي أيد بعض برلماناتها
مثل هذا الاعتراف.
وكانت البرلمانات في إسبانيا
وبريطانيا وآيرلندا وفرنسا أجرت تصويتا دعمت فيها قرارات غير ملزمة لصالح الاعتراف
بدولة فلسطينية.
ويرى الفلسطينيون أن ما يحدث في
برلمانات دول أوروبية عريقة وبهذا الحجم إنما يمثل صحوة ضمير يمكن التعويل عليها.
ويقول القيادي في حركة فتح عبد الله
عبد الله، وهو نائب مفوض العلاقات الدولية في الحركة، إن «الاعترافات بالنسبة لنا
تساعد وتوسع قاعدة تجسيد دولتنا على أرض الواقع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن
الآن نؤسس لمرحلة فلسطين ومراحل أخرى من بينها عزل إسرائيل ومن ثم إمكانية
محاكمتها». وتابع: «الاعترافات تعني أن العالم يؤمن بالحق في إقامة الدولة والحقوق
الأخرى التي تترتب على ذلك».
وقال الرئيس محمود عباس، السبت
الماضي، إن توالي الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تؤكد وجود صحوة ضمير دولي تجاه
الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة، مؤكدا أن الجهود متواصلة لجلب
اعترافات أخرى.
وحرص عباس على التأكيد أن ذلك ليس له
علاقة بالتحركات الأخرى حتى لو اعترف العالم كله. ويواصل دبلوماسيون فلسطينيون في
هذا الوقت زيارة دول غربية لم تعترف بفلسطين لحثها على الاعتراف بالدولة
الفلسطينية، فإن فشلوا، فعلى الأقل الحصول على تأييد برلماني لذلك بهدف المزيد من
الضغط على الحكومات الرافضة.
وتقول منظمة التحرير الفلسطينية إن
الحصول على العضوية في الأمم المتحدة لن تزيل الاحتلال العسكري الإسرائيلي عن
الأرض الفلسطينية بشكل فعلي، ولكن هذه خطوة حيوية وستسهم بشكل مباشر في إنهاء
الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينية.
ويمكن تلخيص الرؤيا الفلسطينية في
مسألة الاعترافات بما كتبه كبير المفاوضين الفلسطينيين ورئيس دائرة شؤون المفاوضات
الدكتور صائب عريقات، في دراسة مستفيضة حول الأمر، «إن اعتراف الأسرة الدولية،
ممثلة بالأمم المتحدة، بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره هو موقف دولي رسخ في
قرارات عدة من ضمنها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (3236) و(2649) و(65 /
455) والتي أكدت أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير هو حقٌ غير قابل للتصرف، وأن
من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولة مستقلة وذات سيادة». كما أكد قرار الجمعية
العامة للأمم المتحدة (2672) على أن احترام حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة
للتصرف يشكل جزءا حيويا من التوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. وفضلا عن
ذلك، أقرت محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية الصادرة في عام 2004 بشأن
تشييد جدار الفصل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بعدم قانونية تقويض حق الفلسطينيين
في تقرير المصير.
وأضاف عريقات أن «الاعتراف بدولة
فلسطين على حدود عام 1967 هو استثمار في السلام وهو قرار سيادي لكل دولة بعينها.
كما أنه يرسخ عدم أحقية إسرائيل بأي جزء من الأرض التي احتلتها في عام 1967 وهذا
يتفق مع قرار مجلس الأمن 242 والذي أكد على عدم أحقية الاستيلاء على أراضي الغير
بالقوة. مضيفا: «تأييد فلسطين في طلبها يمثل خطوة سلمية تسهم في تطبيق القانون
الدولي وتعيد التأكيد على التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين».
وأكثر ما يتطلع إليه الفلسطينيون
اليوم هو مزيد من الاعترافات الأوروبية تحديدا. وينظر الفلسطينيون إلى اعترافات
الدول الأوروبية على أنها تكتسب أهمية استثنائية وفائدة مضاعفة.
وقال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية
إيهاب بسيسو لـ«الشرق الأوسط»: «دول الاتحاد الأوروبي لها وزنها السياسي
والاقتصادي». وأضاف: «علاقتنا بهم متكاملة، اقتصادية وسياسية واستراتيجية ولا يمكن
التهاون في أهميتها أبدا». ويرى بسيسو أن مكانة وأهمية دول الاتحاد الأوروبي تأتي
من عدة جوانب، «أولا، العامل الجغرافي، نحن نشترك مع دول الاتحاد الأوروبي في حوض
المتوسط، وعلاقة الجوار لها تفسيرات كثيرة اقتصادية وسياسية وأمنية، وثانيا العامل
الاقتصادي وهو عامل مادي وسياسي، هناك دائما نظرة وخطط لدى الحكومة لتطوير العلاقات
الاقتصادية مع دول الاتحاد من خلال التجارة والصناعة، وهناك العامل السياسي،
وللاتحاد دور مهم على هذا المستوى ومواقف مؤثرة متعلقة بمواضيع الحدود والمستوطنات
والقدس وقضايا أخرى». وتابع: «نحن ندرك أهمية الاتحاد وبعض الدول فيه التي لها
تأثيرها في السياسات الدولية». وشدد بسيسو على أن الحكومة الفلسطينية تتطلع إلى
علاقة أوسع مع دول الاتحاد ومزيد من الدعم السياسي للحقوق الفلسطينية المتمثلة
بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 مع عاصمتها القدس.
وفي الفترة القليلة الماضية بدت دول
الاتحاد الأوروبي أكثر استعدادا لدعم هذا الحق الفلسطيني، كما أن دعمهم
للفلسطينيين قد يكون مؤثرا في معركة مجلس الأمن الفاصلة والتي من شأنها أن ترسم
شكل العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية في المرحلة المقبلة.
ويخطط الفلسطينيون لتقديم مشروع قرار
لمجلس الأمن هذا الشهر يطالب بتحديد موعد نهائي لانسحاب القوات الإسرائيلية من
الأرض الفلسطينية وإقامة الدولة.
وأكد ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة
رياض منصور لـ«الشرق الأوسط»، أن النقاش مع المجموعة الأوروبية التي تملك 4 أصوات
من أصل 15 لدعم القرار الفلسطيني، ما زال مستمرا، موضحا أنهم يعولون على المجموعة،
لأن من شأن الدعم الذي تقدمه في هذا المجال أن يؤثر كذلك في موقف الولايات
المتحدة. لكن منصور أوضح أن ثمة نقاشا آخر مع المجموعة متعلق بمشروع فرنسي من أجل
العودة إلى المفاوضات. ودخل النقاش بين الفلسطينيين والفرنسيين حول مشروع القرار
الذي سيدعو لإحياء مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف التوصل إلى
اتفاق نهائي تقام بعده الدولة الفلسطينية، مرحلة متقدمة مع دخول دول أوروبية أخرى
على خط المباحثات.
ويريد الفرنسيون وضع سقف زمني محدد
لمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حتى نهاية عام 2017، تقوم بعدها
فرنسا ودول أوروبية أخرى بالاعتراف بدولة فلسطين. وكشف الفلسطينيون هذا الأسبوع أن
ألمانيا وبريطانيا دخلتا على خط المباحثات لصياغة مشروع القرار، لكن خلافات دبت مع
بريطانيا سريعا بعدما عرضت تضمين المشروع الاعتراف بالدولة اليهودية من خلال كتابة
بند حول القرار 181 وتوضيح أنه ينص على دولة عربية ودولة يهودية، إضافة إلى
اقتراحات أخرى تتحدث عن إعادة توطين وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ونزع سلاح
الدولة الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن المشروع الفرنسي
جاء في وقت يعتزم فيه الفلسطينيون تقديم مشروع لمجلس الأمن يطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي،
فإن الفلسطينيين يحاولون عدم الخلط بين المشروعين، لكن مسؤوليين اتهموا فرنسا
بمحاولة التحايل على مشروعهم المتعلق بإنهاء الاحتلال عبر تقديم مشروع ثانٍ.
وفي الوقت الذي ألمحت فيه مصادر
فلسطينية وعربية إلى أنه يمكن التوصل إلى مقاربة تجعل من المشروعين مترابطين، أو
تأجيل المشروع الفلسطيني (إنهاء الاحتلال) لوقت آخر، حسم الرئيس الفلسطيني الجدل
الأحد الماضي، وقال إنه ماضٍ في مشروع إنهاء الاحتلال.
وشدد عباس على أن الفلسطينيين ذاهبون
لمجلس الأمن هذا الشهر، مضيفا: «من أراد أن يسهم في وضع المسودة فليتفضل، ولكن لن
نتأخر فلماذا التأخير، فالمسودة موجودة لدى مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، وهو
يقود المداولات مع السفير الأردني ممثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، ويستطيع
الجميع تقديم اقتراحاتهم»
وتابع: «لا يوجد هناك خطأ واحد في
مشروع القرار، لأنه يتكلم عن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق سقف
زمني محدد، فحدود عام 1967 واردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67 /
19 في 29 - 12 - 2012، والجديد في المشروع الفلسطيني هو تحديد فترة إنهاء
الاحتلال».
ويضع الفلسطينيون بدائل صعبة إذا ما
فشل القرار. وقال عباس نفسه: «إذا لم نحصل على قرار في مجلس الأمن هناك خطوات
سنتخذها. إذا لم نذهب إلى مجلس الأمن فإلى أين نذهب، كما أخذوني إلى محكمة
الجنايات الدولية سآخذهم إليها كذلك».
ويمكن القول إن عباس يريد الآن
الوصول إلى مرحلة «حسم»، فبعد أن خاض الرجل آلاف الساعات للتفاوض مع المسؤوليين
الإسرائيليين، ووقع مئات الاتفاقات معهم، ما زال يبحث عن حلم دولته على 22 في
المائة فقط من أرض فلسطين التاريخية، وهي مساحة تتبدد وتصغر مع الأيام، بفعل
المستوطنات والمصادرات والمناطق العسكرية الإسرائيلية المغلقة.
وطالما قال عباس إن الفشل في المفاوضات
لإقامة الدولة اضطرته إلى تدويل قضيته والذهاب للبحث عنها عبر مجلس الأمن
والمؤسسات الدولية الأخرى.
ولكن يواجه الفلسطينيون قوتين لا
يمكن الاستهانة بهما، بل إنهما عطلا سابقا وما زالا يعطلان الحلم الفلسطيني.
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية صراحة وإسرائيل بطبيعة الحال أنهما ضد أي تحرك
فلسطيني «منفرد» في مجلس الأمن، وأبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرئيس
عباس أن بلاده ستسقط مشروع القرار وأنه قد يكون له تداعيات سياسية واقتصادية، بل
هاجمت الولايات المتحدة وإسرائيل الدول التي اعترفت بفلسطين.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو الاعترافات الرسمية والتصويت الذي جرى في البرلمانات بأنه «خطأ
جسيم».
أما السيناتور الأميركي الجمهوري جون
ماكين فأكد أن الولايات المتحدة لن تعترف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد، موضحا
أن هذا الاعتراف لم ولن يكون على الإطلاق سياسة بلاده. وفي رده على قرار عدد من
الدول الأوروبية الاعتراف رسميا بهذه الدولة، قال ماكين إن «هذه لن تكون أبدا
سياسة الولايات المتحدة التي لن تعترف بفلسطين من طرف واحد».
والعلاقة السيئة بين إسرائيل الدول
الأوروبية بسبب الفلسطينيين لم تبدأ بهذه الاعترافات الأخيرة، ولكنها تتصاعد منذ
سنوات بسبب اتخاذ الاتحاد الأوروبي مواقف متقدمة مؤيدة للفلسطينيين.
المصدر: الشرق الأوسط