فلسطين سنحرّرك بصدورنا
شارل أيوب - الديار
كان السّارق مختبئاً خلف الشريط ذليلاً ضعيفاً من دون معنويات، يحمل بندقية وأصبعه على الزّناد، فيما النّاس واللاّجئين وشعبنا الطيّب يقترب من الشريط لا سلاح معه، لا بنادق، لا قنابل، بل نفوس عزيزة، رفيعة الأخلاق لأنّها تؤمن بالحقّ، ومعنويات لا يرهبها الرصّاص لأنها هي صاحبة الأرض، ولأن الفرق كبير بين الإسرائيلي السّارق، المختبئ وراء الشريط، وبين صاحب الحقّ الذي ينادي بأرضه، بأنها حقّه، وله منذ فجر التاريخ وحتى أجيال آتية، ولن يتغيّر شيء رغم احتلال دام 63 سنة. بل على العكس، كانت النّاس تصرخ، وكلّهم لم يعرفوا فلسطين لأنهم من جيل النكبة، ولأنّهم ولدوا بعد 63 سنة في المخيّمات، ولدوا بعد النكبة، ولدوا بعد اغتصاب فلسطين. هذا الجّيل الذي ذهب أمس الى الشريط الذي يختبئ وراءه السّارق الإسرائيلي، كان يتقدّم بصدور عارية، بعيون تنظر الى الشمس، تدرك تماماً أن السّارق هو جبان، وأنّه سيطلق النّار عليه. لم يخف هذا الجيل صاحب الحقّ العربي، صاحب الحقّ الفلسطيني، بل تقدم الى الشريط، فما كان من السارقين الإسرائيليين، الاّ اطلاق النّار، فاستشهد 11 شهيداً و112 جريحاً، اضافة الى الجرحى على هضبة الجولان وعلى نهر الإردن، وفي قلب عمان، وعلى الحدود بين العريش ورفح، ولم يكن على السّارق اي خطر، سوى أنّه سارق جبان، الارض ليست ارضه، والبساتين ليست بساتينه، والمنازل ليست منازله، ومفاتيح البيوت ما زالت مع اهلها، رغم تهويد كل فلسطين، وتهويد القدس، ومع ذلك كان السّارق الإسرائيلي يختبئ وراء اسلاك، يطلق النّار، وشعبنا الأعزل يواجه ولا يخاف، ويستشهد، ويسيل دمه في الجنوب.
الإنسان يعيش 80 سنة و90 سنة، و63 سنة من عمر دولة اغتصبت ارض فلسطين، ليست شيئا، طبعاً 63 سنة والعدو جاسم على صدورنا، يحتلّ ارضنا، ينهب خيراتها، يضع شعبنا في مخيّمات البؤس، يستعمل كلّ أنواع الأسلحة ضدّنا من بوارج، وطائرات، ومدفعية، وكل انواع الأذى، وكل أنواع التدمير، ومع ذلك 63 سنة ليست شيئاً. ستمرّ سنوات أخرى، واذا كان الفرد يعيش لعمر 80 سنة و90 سنة، فعمر دولة مغتصبة 63 سنة ليس كثيراً في حرب الوجود ، في حرب الحقوق، في حرب هوية الأرض، في حرب تصميم شعب على إسترجاع ارضه. لم يترك شيئاً العدو الإسرائيلي الاّ واستعمله، جرف الاراضي، جرف المنازل، ازال احياء وازال قرى، وأقام جداراً عازلاً لا مثيل له من حيث رمزيته في العزل والخوف، فهو ليس جدار «بكين» في الصين، وهو ليس جدار «برلين» لمنع تدفّق الإلمان من منطقة الى منطقة، بل هو جدار الخوف، بني الجدار بارتفاع 40 متراً و30 متراً وبعرض 100متر، واستعملت كل الآلات الإلكترونية لحماية هذا الجدار، ومنع الفلسطينيين من الإنتقال من قرية الى قرية، وكل هذه الإشارات خاصة الجدار العازل، تدلّ على ان السّارق الإسرائيلي، خاسر أبداً، هو جبان، هو خائف، هو ذلك الحرامي الذي سرق في الليل غلّة منزل، او مفتاح البيت، وعندما اشرقت الشمس، انكشف جرمه، وبدأ اهل البيت المطالبة بالحق، شعبنا تلقّى من انظمته ويلات بمقدار ما تلقّى ويلات من اسرائيل، انظمتنا حرمت شعبنا النضال في دول ذبحته لشعبنا، لأنه قرّر النضال حتى النهاية، وفي دول تمّ وضع شعبنا في السجون، وفي دول وانظمة وقّعت اتفاقات منفردة، موافقة على سرقة مفتاح المنزل، واخذ المنزل والارض والبستان، ومع ذلك لم يتحكّم اليأس بقلوب شعبنا، لم يسيطر الخوف يوماً على نفوس شعبنا، بل اذا ما قمنا بقياس ردّة الفعل سنة 1948 والموقف اليوم سنة 2011، لوجدنا ان شعبنا وقع تحت الصدمة سنة 1948، وقع تحت المؤامرة الدولية. لم يصدّق ما يجري في فلسطين، لم يكن واعياً أنّه سيخسر وطنه، اتّكل على جيش الإنقاذ، وماذا كان جيش الإنقاذ، الاّ جيش بريطاني وفرنسي، فضاعت حقوق شعبنا سنة 1948، واصبنا بالنكبة، ولكن اين نحن اليوم سنة 2011؟ سنة 2011 نحن مقاومون، نحن اقوياء، نحن استوعبنا الصدمة، وقرّرنا المقاومة، وقرّرنا المجابهة حتى بالصدور العارية كما حصل أمس حتى من دون سلاح، كما حصل امس في يوم النكبة وسقط شهداء لنا.
التاريخ يتغيّر في يوم من الأيام، تكون فيه تحت الصدمة، لا تعي المؤامرة، تخسر منزلك وارضك نتيجة مؤامرة دولية، ويسجّل التاريخ ان نكبة حصلت، وانّ شعباً اغتصب فلسطين وطرد اهلها، ثم احتلّ اراضي عربية اخرى، خارج فلسطين، ثم تآمر عليك واحياناً مع انظمة عربية من اجل هيمنة الإسرائيليين على العالم العربي. لكنّ التاريخ يتغيّر ايضاً، فتستيقظ من الصدمة، تستيقظ من ثباتك، يعود اليك الحنين الى منزلك، الى ارضك، الى ارض اجدادك، الى الارض التي ستورثها لأولادك والأجيال الآتية، وهذا الحنين ليس عاطفة سطحيّة، بل هو فعل الوطنية في النفوس، بل هو اعلى درجات الشعور بالمسؤولية الوطنية، وعدم التنازل عن الحقوق.
امس كان يوم النكبة مميّزا، وستأتي ايام تتصاعد فيه قوانا وسيختبئ السّارق الإسرائيلي خلف الشريط اكثر واكثر، ولن يفيده هذا الشريط بشيء، ولن يفيده الإختباء وراءه، ولن يفيده جدار عازل، لأنه، في قلب فلسطين 48 شعباً موجوداً، ولأنّه في الضفة الغربية موجود وفي غزّة موجود، وحول فلسطين موجود، وشعبنا العربي موجود حول كل فلسطين، وهو صاحب حق لا بل هو صاحب الحق، ومهما دعمت اهم دول اسرائيل بالسّلاح والمال، لن نتنازل عن هذا الحقّ.
كل يوم سنتذكّر يوم النكبة، وكل يوم سنزداد قوّة، وكل يوم سيضعف السّارق الإسرائيلي، الى ان تحين اللحظة، الى ان يحلّ الزمن الآتي حتماً، حيث ستحرّر فلسطين وقد لا يكون ذلك في جيلنا، ولكن والحمد للّه انّ الأجيال الصاعدة واعية للجريمة الإسرائيلية، ولن تسكت عنها، وحربنا مع اسرائيل حرب وجود بكل معنى الكلمة، حرب وجود بين حضارة منفتحة عبر السهول البحرية والمرافئ والعطاء طوال الإنسانية، وبين وجود اسرائيلي منغلق على نفسه، يكره الشعوب، يستغلّ المجتمعات، ويريد التستّر على جريمته، كل يوم سنتذكّر يوم النكبة، وكل يوم سنمزّق جزءاً من الشريط، وكل يوم سنمزّق كل ما يعيق طريقنا الى فلسطين، والأيام الآتية هي ايام لصالحنا، هي الايام التي سيهرب فيها السارق الإسرائيلي من الارض التي اغتصبها وتعود الى اصحابها الحقيقيين.