القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

فلسطين في الوجدان الكَوْني

فلسطين في الوجدان الكَوْني

بقلم: خيري منصور

عندما وقف شمعون بيريز أمام الكونغرس وألقى كلمته الشهيرة التي تحولت إلى أمثولة في تزوير التاريخ، وهي أن حكومته تتفضّل على الفلسطينيين بالسلام، رغم استحقاقها للأرض التي كسبتها بالحرب، انتشى بالتصفيق الذي استمر أكثر من دقيقة، وعدّه تصويتاً وجدانياً على ما قال، لكن نتنياهو الذي قال قبل يومين أمام قادة العالم في الأمم المتحدة، إنه لم يأت إلى هذا المكان بحثاً عن التصفيق، كان يحاول تبييض وجهه ووجه حكومته بعد أن حصدت فلسطين كل ذلك التصفيق الذي يعد بالفعل تصويتاً وجدانياً على عدالة القضية الفلسطينية، وهو قابل للترجمة السياسية بحيث يمكن له أن يتحول إلى تصويت سياسي.

والتعاطف الدولي مع فلسطين لا يأتي من كونها تعاني آخر احتلال في العالم فقط، بل لإدراك الشعوب بأن هذه القضية المُزمنة كانت تُطرح لعقود بصيغة ملفّقة ليست هي صيغتها التاريخية والإنسانية، لاسيما في الفترة التي ارتدى فيها الجلاد والمحتلّ قناع الضحية وحاول احتكار الأنين والألم، إنها لحظة مناسبة لقياس منسوب الوعي بهذه القضية، حتى لو انتهى الأمر بإشهار الفيتو الأمريكي الذي طالما أُشهر كعورة سياسية، تعبّر عن فضيحة أخلاقية وتاريخية، وكان الناشطون من مختلف القارات قد مهّدوا لهذا الاختبار الدولي، لأنهم جاؤوا عبر البحر واليابسة واخترقوا الحواجز للتعبير عن رفضهم للحصار، ونسبة هؤلاء تزايدت في الأعوام القليلة الماضية على نحو أثار القلق لدى الدولة العبرية، بحيث بدأت تشعر بأن السّحر ينقلب على الساحر، وبأن خداع الناس كل الوقت أمر مُتعذر ومستحيل.وحين كان محمود عباس يلقي كلمته في الأمم المتحدة، قتلت سلطات الاحتلال مدنياً فلسطينياً، فكان التزامن مثيراً بالفعل، وما كان مجرد سؤال يتردّد همساً عن انتهاك مصائر الفلسطينيين إضافة إلى أرضهم، أصبح مساءلة سياسية وأخلاقية في آن. إن القضية الفلسطينية الآن تمر بطور غير مسبوق في تاريخها، فمن جهة ثمّة يهود منهم ناشطون مضادون للأطروحة الصهيونية وأكاديميون ومؤرخون ممن يطلق عليهم اسم "المؤرخين الجدد” لحقبة ما بعد الصهيونية، هؤلاء هم الشهود من الداخل على الاستباحة والطغيان والتمادي.وأوروبا قد لا يمثل ضميرها الآن ساسة يحتكمون إلى المصالح فقط أو يخضعون للنفوذ الأمريكي الخاضع بدوره للنفوذ الصهيوني من خلال اللوبيات اليهودية.لأن ما يكتب في هذه القارة عن فلسطين لا يقارن بأية حال بما كان سائداً قبل عقدين أو ثلاثة، فثمة إدراك للحقائق قد تختلف سبل وأساليب التعبير عنه، والسبب هو ملاحقة الدوائر الصهيونية والميديا المسلحة بالترويع لكل من يغرّد خارج سرب الغربان، بدءاً مما حدث للأب بيير والبروفيسور فيريسون وروجيه غاردوي وآخرين، فقد تم إحياء قانون مطبوعات ميّت كي يتيح لمن تحولوا إلى رهائن للصهيونية كي يلاحقوا هؤلاء، ويشهروا في وجوههم تهمة اللاسامية أو وصفهم بالنازيين. وما كتب عن عدالة القضية الفلسطينية من نصوص بمختلف لغات العالم، يجزم بأن الوجدان قد تحرر من استيطان ثقافي دام زمناً طويلاً.

إن ما ألقي في المستنقع الدولي ليس مجرد حجر أو حصاة، بل هو صخرة، ومن قال إنه لم يأت بحثاً عن التصفيق نعرف أنه جاء بحثاً عن مسمار جديد يدقه في تابوت فلسطين ليفاجأ بأن المسمار قد دُقّ في نعشه.

المصدر: جريدة الخليج الاماراتية