القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

فلسطين: نهاية مرحلة ووسائل جديدة في الصراع

فلسطين: نهاية مرحلة ووسائل جديدة في الصراع

بقلم: ماجد كيالي

كلمة محمود عباس، أو صحوته، هي ربما المرة الاولى التي تُقدَّم فيها الرواية الفلسطينية كاملة امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما انها المرة الاولى التي تتحدث فيها القيادة الفلسطينية بايجابية عن الربيع العربي. لكن ماذا بعد الخطاب؟ ما هي الخيارات والبدائل والمتطلبات؟

رغم إنني لا أؤيّد كل ما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، لاسيما ما تضمنته من استمرار مراهنات ثبت عقمها وتوهّمات ثبت ضررها، بشأن عمليتي المفاوضات والتسوية، إلا أن الحقيقة تقتضي الاعتراف، أيضا، بأن هذه الكلمة ربما كانت هي الأكثر تماسكا ووضوحا في مقاربتها لعملية التسوية الجارية، وفي مقاربتها للموقف الدولي بشان قضية فلسطين.

فهذه ربما هي المرة الأولى التي يتم فيها، من على منصة هيئة الأمم المتحدة، الحديث عن الرواية الفلسطينية كلها، عن القرار 181، وعن النكبة التي بدأت في 1948، وعن اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره، وعن ولادة مشكلة اللاجئين وضرورة حلّها بناء على القرار 194. معنى ذلك أن الرئيس قال أفضل ما عنده وأقصى ما يمكن قوله بلغة الشرعية الدولية وتحت سقفها، وضمن الرؤية السياسية التي يتبنّاها (بغض النظر عن تأييدها أو معارضتها).

مع ذلك، وحتى من وجهة نظر المؤيّدين للتسوية ولاتفاق أوسلو، فإن تساؤلات أبو مازن عن لا معنى المفاوضات مع استمرار الاستيطان، وغياب الاستناد إلى مرجعية دولية، وعدم وجود جدول زمني، ورفض إسرائيل لقيام دولة فلسطينية في أرضهم المحتلة (1967)، كان ينبغي أن تطرح قبل 18 عاما، أي قبل التوقيع على الاتفاق المذكور (1993)؛ الذي لم يعرّف حتى مكانة إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، ولا أراضي الضفة والقطاع باعتبارها اراضي محتلة (لمن لا يذكر ليراجع نص الاتفاق المذكور).

لكن هذه الثغرة التي تم دفع ثمنها بتضييع عقدين من عمر الشعب الفلسطيني ومن تضحياته لا تقلّل من أهمية وضرورة ومشروعية هذا الكلام، الذي لربما يعبّر عن صحوة سياسية، وإن جاءت متأخّرة إلا إنها أفضل من أن لا تأتي أبدا.

أيضا، فقد كان يمكن المشهد الفلسطيني في الأمم المتحدة أن يكون أفضل لو أن الفلسطينيين اشتغلوا جيدا على إعادة بناء مؤسساتهم، واستعادة وحدتهم، على أسّس وطنية وتمثيلية وديموقراطية، ولو استندت حركتهم الديبلوماسية إلى حاضنة شعبية فاعلة، ولو أن رؤيتهم المتعلقة بالتسوية انبثقت من رؤية سياسية مستقبلية تجيب على مختلف الأسئلة الفلسطينية وتحظى بإجماع من الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة.

ثمة أهمية أخرى لهذه الكلمة تنبع من كونها المرة الأولى التي تتحدث فيها القيادة الفلسطينية بايجابية لافتة للانتباه عن الربيع العربي، وهو موقف ملحّ، وطال انتظاره، من الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تعتبر نفسها يوما بمثابة "طليعة" الثورة العربية المأمولة.

ففي كلمته تلك قرن أبو مازن "الربيع العربي" بربيع "فلسطيني" أيضا! وهو ما يتطلّع إليه الفلسطينيون حقا، بحيث يأتي ربيعهم على شكل استعادة الوحدة، وإعادة بناء مؤسساتهم الوطنية الجمعية، بعيدا عن حسابات المحاصصة الفصائلية، وعلى قواعد ديموقراطية وتمثيلية، ما يسمح بتجديد حركتهم الوطنية.

على أية حال لا ينبغي أن تأخذنا اللحظة الدرامية للخطاب المذكور لاسيما أن التجربة علمتنا أن ثمة انفصاماً بين الأقوال والأفعال، وان المحكّ إنما يكمن في ترجمة الخطابات إلى ممارسات سياسية على ارض الواقع. ماذا يعني ذلك؟ أو ماذا بعد الخطاب؟ أو ماهي الخيارات والبدائل والمتطلبات؟

هذا يعني: أولا، وقف ملهاة المفاوضات العبثية والمذلّة والظالمة. وثانيا، استعادة الوحدة الوطنية ووحدة الكيان الفلسطيني بين الضفة وغزة ووضع حدّ لمهزلة الانقسام المدمرة لسلطتين تحت الاحتلال. وثالثا، إعادة بناء منظمة التحرير ككيان وطني لكل الفلسطينيين على قاعدة مؤسّسية وتمثيلية وديموقراطية (والأوضاع الراهنة باتت تسمح بذلك بعد الثورات العربية). ورابعا، إنهاء الوظيفة التفاوضية والأمنية للسلطة، ووقف أي تعاون امني مع إسرائيل، باعتبارها دولة محتلة، وحصر مهمات السلطة بتنظيم أوضاع الفلسطينيين، وإدارتها بروح ديموقراطية تشاركية بعيدا عن علاقات الفساد والمحسوبية. وخامسا، إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية بعد أن استهلكت بناها وتآكلت مكانتها وأفل دورها. وسادسا، صوغ رؤية جديدة لمشروع وطني فلسطيني، معاصر، يجيب على مختلف الأسئلة التي يطرحها الصراع مع إسرائيل، وعلى مختلف أجوبة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، مشروع يطابق بين شعب فلسطين وجغرافية فلسطين وحقوقه الوطنية والتاريخية.

نعم لقد انتهت مرحلة تاريخية من النضال الفلسطيني، بما لها وما عليها. ومن دون معاندات أو مزايدات ينبغي الاعتراف بالحقيقة التي مفادها أن خيار المفاوضات أو التسوية تم دفنه منذ عقد من الزمن (مع انتهاء فترة الحل الانتقالي)، وأن الخيار "البديل" المتمثّل بتحويل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ثبت عقمه، مع إعلان الولايات المتحدة عزمها استخدام حقها في النقض "الفيتو". كما يجب الاعتراف في المقابل بأن عهد المقاومة المسلحة لم يعد ثمة مناخات أو إمكانات تسمح به، لا من خارج فلسطين، ولا من الضفة والقطاع. وهذا يعني أن الفلسطينيين مطالبون بحثّ النقاش من اجل البحث عن خيارات أو بدائل أخرى.

هذا لا يعني أن القصة انتهت، أو أن القضية طويت، لكن ذلك يعني أن هذه القضية لم تعد تسير وفق الطرق أو الهياكل أو المفاهيم السابقة، وان ثمة وسائل جديدة ستستخدم في الصراع لعزل إسرائيل، ونزع شرعيتها، وإجبارها على الاستجابة لحقوق الفلسطينيين، وهذه ستشمل المقاومة الشعبية، وميادين الإعلام والمحافل الدولية والديبلوماسية، والرأي العام العالمي، ومن دون استبعاد أي شكل نضالي قد تسمح به الظروف والإمكانات مستقبلا.

بعد الخطاب في الأمم المتحدة ثمة كثير من الاستحقاقات والتحديات في انتظار القيادة الفلسطينية، وفي انتظار الوطنيين الفلسطينيين، هذا ليس وقت إبداء الحبور بـ"انتصار" خطاب الأمم المتحدة، فالأهم أن ننجح في معركة البناء الوطني وفي المعركة من اجل الانتصار لحقوقنا الوطنية.

المصدر: جريدة النهار اللبنانية